الأمطار بآسفي أفضل من كل لجان التفتيش تنبت العشب والزرع وتعري واقع البنية التحتية المتردية خاص بأسفي اليوم : عبد الله النملي شهدت مدينة آسفي سقوط أمطار استثنائية يوم الثلاثاء 30 نونبر، دامت حوالي 16 ساعة بدون انقطاع، وصلت نسبتها إلى 115 ملمتر ، تشكل ما يقارب نصف المعدل السنوي من الأمطار بالاقليم . جعلت العديد من المواطنين يقرؤون اللطيف حتى الصباح الباكر خاصة أن السلطات المحلية ومصالح الوقاية المدنية تخلفت عن تقديم المساعدة للضحايا رغم النداءات المتكررة ، بعد أن غمرت مياه الأمطار مختلف الأحياء والأزقة والشوارع الرئيسية والدور السكنية حتى الركب ، حيث عاشت أحياء العريصة والسانية والقليعة والبيار والكورس والجريفات والزاوية وكاوكي وأموني في عزلة شبه تامة لساعات طويلة ، نتيجة اجتياح مياه الأمطار للبيوت ومحاصرة الأزقة . مما أدى ببعض الساكنة إلى قضاء ليلتهم في العراء بسبب عدم استيعاب قنوات الصرف الصحي للأمطار المتهاطلة ، وكذا الاختناقات الناجمة عن التقصير في تنقية شبكات التطهير السائل ، والتي كانت تحت مسؤولية الجماعة الحضرية لآسفي وفوتت لمصالح الوكالة المستقلة للماء والكهرباء من أجل تدبير أنجع للمرفق ، غير أنها تهاونت في القيام بالمسؤوليات الملقاة عليها وجعلت وظيفتها تقتصر على مجرد استخلاص إتاوات التطهير من المواطنين ضمن فواتير الماء ، وتركت المواطنين وجها لوجه أمام السيول الجارفة وارتفاع منسوب قنوات الواد الحار ، التي فاضت في الأزقة والشوارع وداخل بيوت الغلابى من بسطاء آسفي ، وتسببت في إتلاف الأفرشة والأثاث حتى أن بعضهم قضى ليلة بيضاء في محاولة إخراج المياه الممزوجة بالواد الحار والأوحال ، ومنهم من قضى الليل كله يبحث عن طريقة لوقف تدفق المياه للدور السكنية دون جدوى ، ومنهم من أجبر على إخراج المياه بالأواني المنزلية تفاديا لنفاذ الماء لأساسات البيوت ، كما اضطر سكان المدينة العتيقة وحي اتراب الصيني والدور الآيلة للسقوط والمبنية بالطوب بكل من حي القبة وحي القبيبات إلى قضاء ليلتهم بدون نوم ، خوفا من انهيار السقف عليهم ، كما فضل بعضهم إخلاء منازلهم والمبيت عند الجيران أو أقاربهم ، ومنهم من قضى الليل كله يراقب الوضع حتى حلول الصباح مخافة حصول الأسوأ ، كما شوهد في بعض الأحياء المتضررة مجموعة من الساكنة وقد صعدوا إلى الطوابق العلوية يبحثون عن النجدة بعد أن تسربت المياه إلى طوابقهم السفلية ، ولم يجدوا من مغيث سوى بعض المتطوعين الذين اعتمدوا على إمكاناتهم البسيطة والبدائية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أثاث وأفرشة ومحاولات كنس المجاري والبالوعات والقواديس المخنوقة.
أما شوارع آسفي فتحولت إلى بحيرات وبرك ومسابح مفتوحة لم يكن ينقصها سوى معلمو السباحة ، نتيجة الأمطار الغزيرة وانسداد غالبية قنوات الصرف الصحي المخنوقة ، حيث اضطر السائقون إلى تغيير مساراتهم بسبب توقف حركة السير ببعض المحاور الطرقية ، وظهور انشقاقات وأخاديد وحفر عميقة وسط الطريق مثل ماحدث بمنعرج مدخل حي الكورس وبشارع الحسن الثاني حيث جرفت الأمطار إسفلت الشارع المزفت حديتا وبات أشبه بالفخ المنصوب أمام السائقين ، لأن شوارعنا أصبحت " جوتابل " مع كل موسم مطير نظرا للغش في الصفقات وغياب المراقبة. إذ يحتاج المرء أن يكون ماهرا في مراوغة الحفر وبذلك يهدد سلامة الآخرين . كما شوهدت سيارات تتمايل فوق بحيرات الماء وكأنها أرجوحة ، وخيرا فعلت نيابة التعليم حينما أمرت المدارس بوقف الدراسة ، ناهيك عن أن العديد من الموظفين وجدوا صعوبة في الوصول إلى مقرات عملهم ، ومنهم من وصل متأخرا عن الموعد المعتاد.
يبدو أن الأمطار الأخيرة التي عرفتها آسفي وإن كانت ستنبت الزرع والعشب ، فإنها تحولت بمثابة المراقب الفعال لأعمال طالما امتدحها البعض . فكلما نزلت أمطار الخير على آسفي إلا وانكشف المستور وتعرى المطمور وانفتحت الحفر وانجرف ما كان من تراب وزفت قد درته بعض المجالس السابقة ، وجعلته ضمن انجازاتها الخالدة التي تتفاخر بها بمناسبة أو بدونها .
إن الأمطار بآسفي أفضل بكثير من كل لجان التفتيش التي زارت آسفي منذ عقود ، لأنها عرت عن واقع البنية التحتية وشبكة الصرف الصحي المخنوقة ، إنه سيناريو يتكرر بآسفي كل سنة نتيجة التهاون والتقصير في تدبير العديد من المرافق الحيوية ، لأن المسؤولين لم يستفيدوا من دروس السنة الماضية ، الشيء الذي جعل تنسيقية سكان الأحياء الشعبية والجمعية المغربية لحقوق الإنسان بآسفي تشرف على عريضة ضحايا فيضانات الثلاثاء الماضي ،