قد يقول قائل بأن إخراج وزارة التربية الوطنية لمرسوم مباراة التوظيف بالتعاقد لا يعكس توجها جديدا في سياسة الحكومة فيما يخص التوظيف في الوظيفة العمومية، وأن الأمر يتعلق بإجراء استثنائي أملته ضرورة استدراك النقص المهول الحاصل في الموارد البشرية الذي وسم بداية هذه السنة الدراسية، وأن قرار توظيف 11000 إطار تربوي بالتعاقد قد تم بأمر من جهات عليها كتدخل استعجالي تم خارج المساطر العادية المعمول بها عادة في التوظيف وذلك لسد الخصاص المهول. نعم، بالفعل، فهذا القرار يجمل طابع الاستعجال والاستثناء، ولكن السياق العام الذي جاء فيه لا يبعث تماما على الاطمئنان لجهة عدم وجود نية لتغيير سياسة الحكومة لجهة التوظيف في القطاعات العمومية. فالتوظيف بالتعاقد لم يأت صدفة، وإنما أتى في سياق قرارات كثيرة مهدت له في ظل الشكوى الحكومية المتواصلة من ثقل أعباء مخصصات الوظيفة العمومية على الميزانية العامة للدولة، وهو ما جعلها تخرج قانون المغادرة الطوعية. كما أن التوظيف بالعقدة معمول به في العديد من القطاعات الوزارية. هذا فضلا عن أنه تم الترويج التوجه مرارا وتكرارا من خلال مقولة أن الوظيفة العمومية قد تشبعت بما يكفي من الموظفين، ولم تعد بحاجة إلى المزيد. وهناك معطى آخر يؤكد أن ما يحصل اليوم مخطط له، وهو تفتيت وتفييئ المرشحين المحتملين لاجتياز مباريات التوظيف بالعقد ما يساعد على إنجاح سياسة "فرّق تسد" وخلق أجواء من الصراع بين هذه الفئات: فهناك 10000 إطار وخريجو المسالك في المدارس العليا للأساتذة وخريجو المسالك الجامعية وحاملو الإجازة الأساسية و..و.. هذا التفتيت يجعل تمرير مشروع تصفية الوظيفة العمومية وترسيم التوظيف بالعقدة ممكنا باستغلال هذا التفتيت الممنهج. على العموم، لا يستبعد أن هذا الإجراء الذي خلق جدلا كبيرا في أوساط مختلف الفئات المعنية يعد مقدمة وجسا للنبض في افق الإجهاز على حق أبناء الفقراء في ولوج الوظيفة العمومية بعد مخطط تخريب نظام التقاعد...ولعل الحكومة الحاضرة الغائبة لن تجد أفضل من هذا الظرف لتمرير مخططاتها في هدوء تام، خاصة في غياب وجود مخاطبين سياسيين واجتماعيين حقيقين بعد إفلاس الأحزاب ونهاية أسطورة النقابات.