تفادياً لأي سوء فهم مع القراء الأعزاء أود بدايةً أن أوضح للجميع أنني مؤمن بالله تعالى و بجميع رسالاته بما فيها الإسلام التي أكن لها كامل الاحترام و التقديس. و أنا هنا بصدد تحليل سلوك بشري قابل للنقد و ليس بهدف تقديم تحليل فقهي ديني. فلا داعي للقلق أو لاتهامي بالإلحاد أو الكفر او استهداف ركائز المجتمع وهدم أركان الدين. إن الهدف من هذا التحليل هو التفكير في سلوك أبناء مجتمعنا المغربي ومراجعة أساليبه التربوية. كثيراً ما نسمع هذه الأدعية "الله يرحم وَلْديك وجميع المسلمين"، "الله يحفظنا و يحفظ جميع المسلمين" وما هي إلا عبارات قليلة من الأدعية التي تتردد على أفواه المغاربة في كل ثانية قاصية على كل إنسان لا يدين بالإسلام سواءً أكان مغربياً أم أجنبياً!
فكيف لنا أن نحلل هذا السلوك أو الأفكار أو الأساليب المتوارثة وماذا تعني صيغة هذا الدعاء؟ و من أين أتى وكيف رسخ في أذهان المغاربة وطُرز على ألسنتهم؟
كيف يعقل أننا في وطن واحد وكلنا مغاربة وهدفنا خدمة مجتمعنا وتقدمه ورفاهيته وفي نفس الحين نطلب الحفظ و الرحمة للمسلمين منا فقط دون غيرهم من الملل وندعو بالنصر على الكافرين منا وكأننا في حرب أهلية داخلية؟ أي منطق هذا يسود في مجتمعنا؟ وكيف لنا أن نتحدث عن السلم والسلام وحب الخير والتعايش إذا كنا نميز بين المغاربة حسب عقيدتهم ونتمنى العذاب و الشقاء و القهر لمن هو بغير مسلمٍ ولو كان مغاربياً أصيلاً؟ لنقم بعملية تحليل لكل هذه الأمور.
حين نسمع مثلاً الدعاء التالي :"الله يْحفظلِكْ وْلِداتْك وْ وْلِداتْ جميع المسلمين" نتساءل أين هي محبة البشرية علماً أن الدين هو رحمة للعالمين؟ أليس هذا بالتناقض؟ أو حتى لا يكون تناقض هل يجب على أهل العالم بأكملهم أن يصبحوا مسلمين حتى تشملهم بركات الدعوات؟
هل بإقصاء غير المسلمين من هذا الدعاء دعوة غير مباشرة لهلاكهم و حرمانهم من الألطاف الالهية ؟ هل الدين في أصوله الجوهرية يوصي بهذا الأمر؟ فكيف لنا أن نزعم التعايش ومحبة البشرية وخاصة إخواننا في الوطن الواحد الذي نجتمع في أرضه و تحت سمائه؟
هل فكرنا مرة واحدة كيف سيكون شعور المغربي الغير مسلم حين يسمع بأذنيه هذا الدعاء و أمثاله من الأدعية؟
وكيف بإمكاننا ضمان وحدة وتحصين مجتمعنا المغربي إذا كُنت أدعو الله بالخير للمسلمين فقط دون غيرهم؟ أليس هذا بتمييز ديني؟ أليس هذا تناقض مع جوهر الإيمان وروح الدين؟
يقودنا تحليل أصل هذا الدعاء إلى أنه نتاج مفاهيم دينية خاطئة ناجمة عن ثقافة التعصب التي ترسخت عبر الأجيال و التي ترى أن للمسلمين وحدهم بوصفهم خير أمة أخرجت للناس حق الفوز بالنعم و البركات و الخيرات بينما غيرهم من أبناء الأمم و الملل الأخرى يستحقون الهلاك و الفناء و العذاب .
لكن المغربي المسلم الذي هو على وعي بهذا التناقض يتألم داخلياً لأن لديه أيضاً مفهوماً آخر أصيلاً راسخاً في عقيدته و وِجدانه هو أن محبة الخلق واجبة عليه وبأن الله تعالى رؤوف بعباده و رحيم بالعالمين و رحمته وسعت كل شيء. و للتعايش مع هذه المتناقضات و جمعها في كيان واحد فإن هذا المُتحير يخلق لنفسه شخصيتين. الشخصية الأولى تقوم بالدعاء بالخير و البركات لمن هم على نفس الإيمان و العقيدة حين يكون معهم والشخصية الثانية تظهر تلقائياً مع غير المسلمين بحيث تظهرُ لهم الوجه المشرق و أن الله تعالى رحيم بكل البشرية و دينه نزل رحمة للعالمين. وهذه الازدواجية هي نتيجة التربية الفكرية في مجتمعنا التي لا نترك المجال للشخص منذ طفولته لطرح الأسئلة العميقة ومراجعة هذه الأساليب بل يُحكم عليه بالشرك إذا ألح عليها.
إن التربية المغربية السائدة تمتنع عن إعادة النظر في تصوراتها و والتساؤل عن تقاليدها ولا تُنمي عند الطفل الفكر التساؤلي و لا تعطيه حريته في تطوير فكره ومشاركته مع الجميع للتشاور. و لا شك أنه بدون نمو وتطوير الفكر من المستحيل أن يتقدم المجتمع لأن الفكر يقودنا إلى الأفق الأعلى بينما التقاليد الفكرية الجامدة تجرنا الى الأسفل لأنها ترفض التساؤل في خصوصيتها و للأسف هذا هو سائد في ثقافة مجتمعنا بحيث نكرر أفكار أسلافنا بدون بحث شخصي فيها وهكذا صارت الأفكار متوارثة و أصبحت عقائد مسلماً بها لا تقبل الفحص و التمحيص و تغلق الباب في وجه الابداع و التجديد.
إن غياب حرية الفكر في مجتمعنا وبالخصوص بالنسبة للجانب الديني جعلت من المغربي يُكوِّن لنفسه شخصيات متعددة متناقضة في آن واحد بحيث له شخصية دينية في وسط ديني تتماشى مع أفكار الأغلبية وشخصية مادية تسعى إلى الاستهلاك المفرط والبحث عن الثروة بكل الطرق الشرعية و غير الشرعية و شخصية تتحلى بالأخلاق في وسط معين وشخصية منفتحة مع الأجانب إلخ.... فكيف هي إذاً شخصية المغربي؟ هل هي مفقودة أصلاً أم هي متعددة الوجوه تائهة وسط محيط من التناقضات.
الحل الوحيد لهذه الأزمة الخطيرة في إعادة تكوين الشخصية المغربية من خلال تحرير الفكر بصفة عامة و تدعيم حريته و تثبيت حق التعبير عنه وأن نرسخ لدى الطفل أن العقيدة هي في المقام الأول مسألة شخصية وأن عليه السعي لتحري الحقيقة بنفسه لكي يستطيع عند رشده ممارسة حقه في الاختيار و اتباع عقيدته الإيمانية عن قناعة تامة و ليس عن وراثة تقليدية وبهذا المنهاج السليم يكون الفرد متناغماً مع كل أفكاره و منسجماً مع متطلبات عصره ومنفتحاً على الآخرين مُدركاً المعنى الحقيقي للدين وبفضل هذه الأساليب المنهجية السليمة نتيح للطفل أن ينشأ طبيعياً ب شخصية واحدة متوازنة ومستقرة تحمل قيم السلام و المحبة لجميع البشر.