ما زال التاريخ ؛ القريب منه والبعيد ؛ شاهدا على إجراءات اقتصادية جد قاسية ؛ اتخذت في حق الشعب المغربي ، استهدفت ؛ بصورة خاصة ؛ الشرائح الاجتماعية الأوسع انتشارا ، والطبقة الوسطى ... صدرت من حكومات متعاقبة ، بيد أن أقساها كانت من الحكومة الحالية المكلفة بتصريف الأعمال ، وما زال هذا الشعب ؛ وبمختلف فئاته ؛ يتذكر الزيادات المتلاحقة في أسعار بعض المواد الاستهلاكية كالوقود ، والتغذية ، والنقل ... في حين ظلت الأجور شبه جامدة ، فقط تحركت تصاعديا لفائدة الوزراء والبرلمانيين ، وموظفي قطاع الداخلية ؛ بجميع أصنافهم وصفاتهم ورتبهم . وهل تعتزم الحكومة المقبلة السير على نفس النهج الذي انتهجته في تدبيرها للملفات الاجتماعية والاقتصادية عامة ؟ من ضعف إلى تعطل أجهزة المراقبة !
أجهزة المراقبة ؛ في كل القطاعات ؛ سيما الخدماتية والمحاسباتية ، عرفت في ظل الحكومة المنتهية صلاحياتها انحدارا في أدائها ونجاعتها ، انسحبت آثاره على خزينة الدولة بالدرجة الأولى في التملص من أداء الضرائب ، والسلع الاستهلاكية بالنسبة للمواطن ، من حيث ارتفاع أسعارها ، وتقليص في مستوى جودتها .
وقد يتبادر إلى ذهنية الحكومة المقبلة ؛ والتي سبرت أغوار نفوس المغاربة لخمس سنوات من المعاناة ؛ أن تفاعلها مع الخطاب الملكي بشأن إصلاح علاقة المواطن بالإدارة لن يكلفها سوى استصدار مذكرات ودوريات وزارية في كل قطاع حكومي ؛ تبدي فيها حزمها على ضرورة تسريع وتيرة التعامل مع ملفات وقضايا المواطنين ، وعلاجها ... الخ . مثل هذا التدبير لعمري ما كان ولن يكون بالموقف ولا بالإجراء الضروري لإصلاح وضع إداري متأزم وفاسد على امتداد عقود . بل الحالة تستلزم إيجاد جهاز مراقبة صارم يأخذ على عاتقه التصدي لكل أشكال القصور واللامبالاة ، والاستهتار بقضايا المواطنين ، على أن يعاد النظر في تأهيل الموارد البشرية ، وسد الخصاص المهول الذي تعانيه الإدارة المغربية ، فلا يعقل أن تثقل كاهل موظف بملفات تتطلب معالجتها والبث فيها أشهرا كاملة !
لِنرَ مدى تفاعل الحكومة القادمة مع روح الخطاب الملكي
الخطاب الملكي ؛ كما هو معلوم ؛ سطر مسارا جديدا يقطع مع الأساليب البالية في علاقة المواطن بالإدارة ؛ والتي تعتبر ؛ بالمقاييس الدولية ؛ الوجه الحقيقي لدولة ما ، والمدخل إلى استقراء المواطنة الحقيقية ، والاقتراب من النشاط الحكومي . وقد لا حظ الشعب المغربي بمختلف مشاربه السياسية والعقدية أن الحكومة الأخيرة ( والمكلفة حاليا بتصريف الأعمال ) أذاقته ألوانا من الضغوطات والمعاناة الاقتصادية والإدارية ، لكن ؛ وبعد إلحاح الخطاب الملكي ؛ على إصلاح المرفق الإداري ومنحه دينامية جديدة ، يتساءل الشارع المغربي هل سيكون البرنامج الحكومي المقبل في مستوى التحدي ، والقطع مع الإملاءات الفوقية والتي كانت تتذرع بها كلما أحست بصعقات الانتقادات تنهال عليها سواء من المعارضة أو الوسائل الإعلامية ؟