أصبحت أتشاءم من كلمة إصلاح ينطق بها أي سياسي أو وزير بوطننا الغالي، ليس تشكيكا في وطنية أحد ، ولا بسبب سوء نية مني اتجاه أحد، و لكن لأنني كلما سمعت هذه الكلمة إلا و بعد مرور سنوات تظهر نتائج عكس المتوقع و يظهر الفساد و التخريب . نفس الإحساس شعرت به حين بدأ الحديث عن الرؤية المستقبلية لإصلاح التعليم ببلادنا، و لم أتأكد من صدق إحساسي إلا عند الدخول المدرسي الحالي. لكن حتى لا نقع في الذاتية يتهمنا البعض بعدم الموضوعية و القفز إلى المُخرجات قبل الشروع في العمل بالإجراءات الأولية سنُحاول التذكير ببعض ما جاء في أهداف الروية: تقوم الرؤية المستقبلية لإصلاح قطاع التربية والتكوين بالمغرب على تسع محاور ذات أولوية، وتهم بالأساس التمكن من التعلمات الأساسية واللغات الأجنبية، وتثمين التكوين المهني ودمجه في التعليم العام ، وتعزيز الكفاءات والتفتح الذاتي، وتحسين العرض المدرسي، والتأطير التربوي، وتعزيز الحكامة، وتحقيق الاندماج بين التربية الوطنية والتكوين المهني، وتخليق المدرسة الوطنية، وتعزيز تنافسية المقاولة في مجال التكوين المهني. بالإضافة إلىتعميم التمدرس ومحاربة ظاهرة الهدر المدرسي، مع العمل على الارتقاء بجودة التعليم خاصة في المجالات المرتبطة بالنموذج البيداغوجي المعتمد في منظومة التعليم، لاسيما ما يتعلق بالتعلم الأساسي، والتحكم في اللغات. نكتفي بهذه الأهداف حتى لا ننجرف بعيدا ولننظر إلى مجهودات الدولة في شخص حكومتها لتحقيق هذه الأهداف. أولا قبل الاسترسال لابد من التذكير أن نجاح الإصلاح يستدعي تسخير الموارد البشرية الكافية و المؤهلة لتنزيل الرؤية على أرض الواقع و الاهتمام بها في المقام الأول. و لذا لنسترجع بعض القرارات التي اتخذتها الحكومة الحالية و التي تسير عكس التيار، أولهما قضية المرسومين المشؤومين خاصة ذلك المتعلق بفصل التكوين عن التوظيف، ثانيا: قرار التوظيف بالعقدة، ثالثا: الهروب الجماعي للموظفين في عملية التقاعد النسبي و التقاعد العادي. رابعا: فشل مبادرة تكوين 10000 إطار تربوي و المشاكل التي ترتبت عنه. هل بمثل هذه القرارات نريد أن نتوفر على مدرسة "الجودة"؟ هل بهذا الخصاص المهول في قطاع حساس يُعتبر قاطرة النمو لكل بلد نستطيع تحسين العرض الدراسي و تعزيز الحكامة و التمكن من التعلمات الأساس؟ هل و هل هل؟ أسئلة كثيرة تطرح نفسها بإلحاح سنحاول الإجابة عنها من خلال ربط واقع المدرسة العمومية المغربية و اتجاه الدولة نحو خوصصة التعليم و بعدها قطاع الصحة لأنها تعتبرهما عبئا على مالية الدولة. باختصار كبير سنُسَمّي تلك الرؤية بالرؤية المستقبلية لخوصصة التعليم. عندما يتزايد عدد الأقسام المشتركة و يصير مشترك مزدوج، ويزداد أيضا عدد"الأقسام- المَدْرسَة":" أستاذ يدرس جميع المستويات من الأول إلى السادس"، فإن الجودة آخر ما يُمكن أن نتكلم عنها، و تحفيز الأطر التربوية سيكون آخر انشغالاتنا. عندما يصير الاكتظاظ حقيقة مطلقة، العدد 50 هو معدل التلاميذ في الحجرة الدراسية، والقسم متوسط العدد ما بين 30 40 هو الاستثناء، فإننا فعلا سنضمن تحقيق التعلمات الأساس ونحارب الهدر المدرسي. عندما تستغني الدولة عن عملية" إسناد" و تترك مئات المدارس دون مدراء ، ثم في الأخير تلجأ إلى الحلول الترقيعية و إسناد عدة مدارس لمدير واحد لتخترع لنا اليوم منتوجا تربويا مغربيا بامتياز وهو:" الإدارة المشتركة"، فإن تعزيز الحكامة وتخليق المدرسة الوطنية تعزيز الكفاءات يصير حلما بعيد المنال أو أسطورة من الخيال. عندما يُخيم شبح الخصاص على الدخول المدرسي في جميع المستويات، و جميع الاختصاصات ، بينما الأطر التربوية تنهال عليها الهراوات بالرباط أمام أنظار الجميع ولا من يقول إن هذا لمنكر ، نتأكد أن مقولة:" تثمين التكوين المهني ودمجه في التعليم العام" إسم على مسمى. بالمقابل، نرى أن الحكومة و الوزارة قد غضَّت الطرف على انتهاكات المدارس الخصوصية ، نذكر على سبيل المثال لا الحصر: مواعيد التوقيت الرسمي لالتحاق التلاميذ بالمدارس و الذي يسبق التاريخ الذي أعلنت عنه الوزارة وذلك لغرض استخلاص ثمن شهر شتنبر كاملا غير منقوص من طرف أباء و أولياء التلاميذ. الارتفاع المهول لأقساط التأمين دون حسيب و لا رقيب، و لا وجود لوثائق تبرره من شركات التأمين باستثناء وصل يتيم يُقَدِّمه أصحاب المدارس الخاصة لآباء و أولياء التلاميذ كإثبات، لكنه لا يُسمن و لا يُغني من جوع لأن لا علامة لشركة التأمين عليه. الإعفاءات الضريبية المهمة التي منحتها الحكومة لأرباب هذه المدارس- الشركات التي شجعتهم على الاستثمار في الميدان التربوي ، ليس خدمة للمواطن أو الوطن بقدر ماهوراجع إلى تأكدهم أن التعليم الخصوصي بقرة حلوب لا تنضب . اللوازم المدرسية غير ذات فائدة التي يَقومون بِحَشْوِها للتلاميذ في القائمة دون أن تدري ما فائدتها، ماعدا إذا كان الهدف منها إعادة بيعها فيما بعد لأصحاب المكتبات لأن عددا كبيرا منها لن يستعمله الأطفال أو التلاميذ طيلة السنة. هذا غيض من فيض، و إذا قارننا بين ماكُتِبَ أعلاه حول مشاكل التعليم العمومي و الامتيازات التي يحظى بها التعليم الخصوصي نتوصل إلى استنتاج واحد لا غير . الرؤية المستقبلية هدفها الأساس تدمير المدرسة العمومية و التخفيف من مالية الدولية و دفع الناس قسرا إلى التعليم الخصوصي. لهذا أقترح تسميتها «الرؤية المستقبلية لخوصصة التعليم «وإلاما معنى كل هذه المشاكل التي لا تنتهي و نَجدها في التعليم العمومي فقط. الدولة تَعْلمُ يقيناً أن الآباء مضطرون إلى إدخال أبناءهم إلى المدارس الخصوصية، ليس لأنها تُقدم منتوجا تربويا حقيقيا، بل لأنها فقط تُوفر ظروفا ملائمة للتلاميذ: أقسام جديدة، سبورات لائقة، فضاء نظيف و عدم وجود اكتظاظ. أما بخصوص كفاءة الأطر فليست مقياسا، لأن أحسن التلاميذ يحصلون على أعلى المعدلات في المدرسة العمومية، و أفضل الأساتذة تتهافت عليهم المدارس الخاصة لتقديم الدروس لديهم يأتون إليهم من المدرسة العمومية. أخيرا و ليس آخِراً، فيما يَخص تحسين العرض المدرسي، صحيح قد تم تحسينه لأن عددا كبيرا من الأساتذة و الأستاذات أصبحوا يلعبون" الغولف " و الوثب الطولي" في أقسامهم. تتساءلون كيف ذلك؟ تخيلوا معي الكتابة على سبورة سوداء انمحى لونها حتى صار رماديا من كثرة السنين، مملوءة بالثقوب و الحفر في القرن الواحد و العشرين يحاول الأستاذ الكتابة عليها بالطباشير، تخيلوا مجهوداته الدائمة لشرح الدرس متفاديا سقوط قطع الطباشير وسط السبورة. أليس هذا ملعبا للغولف؟ التعليم مرآة الوطن، إذا استمر الحال كما هو عليه الآن. استعجال ثم ارتجال، سيأتي يوم ليس ببعيد لنتساءل أين حماة الوطن؟ أين الرجال؟