شهر غشت شهر الاستجمام والاستراحة من تعب سنة بكاملها وإراحة للعقل والنفس، وقد قررت أن يكون كذلك فعلا بالنسبة لي لكن كثرة الأخبار الرائجة هنا وهناك لا تدع بدا لذلك. وما استوقفني من جملة هذه الأخبار خلال هذا الشهر خبرين هامين أثارا تفاعل كثير من الناس بعدما تم نشرهما في مواقع التواصل الاجتماعي وفي المنابر الإعلامية المختلفة الورقية والالكترونية الوطنية والدولية. ومن المثير أن هذين الخبرين يتعلقان بمسألة الشرف والعرض، ومازالا مصيرهما مرهونا بمسطرة التحقيق وحكم القضاء. يتعلق الأمر بقضية الملاكم المغربي الذي شارك (لم يشارك) في أولمبياد ريو دي جانييرو بالبرازيل حسن سعادة وقضية نائبي رئيس حركة الإصلاح والتوحيد عمر بن حماد وفاطمة النجار. لا يهمني في الأمرين إعادة سرد تفاصيلهما أوالبحث في تداعياتهما وحيثياتهما، وإنما كيفية تفاعل الناس وردود أفعالهم اتجاههما. وفي هذا السياق، أسجل شدة التعاطي السلبي واللامسؤول مع كل خبر يمكن اعتباره سيئا، بل أكثر من ذلك هناك قابلية كبيرة لتصديقه وتصديق ما وصل إليه من نفخ وتضخيم. فهاتان القضيتان كانتا ولازالتا محور كل كتابة جوفاء أوتعليق غير حكيم أو حكم متسرع من لدن كثير من الناس الذين أضحوا يجيدون فن الجلد والسلخ دونما أدنى وعي بخطورة الظلم والإفك المحتمل، ما يمكن أن يجعل الظلم مزدوجا وعميقا. كما أنهم لم يتوانوا في إصدار الأحكام حتى قبل أن يتم البحث التمهيدي ضوابطه وإجراءاته. إن صوت العقل الحر وحكمة شريعتنا الإسلامية السمحاء ومنطق القانون الوضعي، كل ذلك يستلزم التثبت والتبين في مثل هذه الأمور، ما يفترض التحلي بروح المسؤولية والضمير قبل إطلاق العنان لمداد القلم وقبل إصدار أي حكم أو تعليق خاصة إذا تعلق الأمر بأمر حساس يخص الشرف والعرض، إذ يلزم تذكر قوله تعالى في الآية السادسة من سورة الحجرات: " ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين "، واستحضار قرينة البراءة التي تنص على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، والقاعدة القانونية والفقهية التي تشير إلى أن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر. أقول كلامي هذا بدافع أخلاقي وديني وإنساني وعقلاني حر ومستقل وليس دفاعا عن أحد، فأنا لا أنتمي إلى أي طيف سياسي ولا أي توجه إيديولوجي أوحزبي، لكنني لا أملك أن أدين أحدا مازالت قضيته معروضة أمام أنظار المحكمة ولم يدنه القضاء بعد.