طيلة فترة ولايتها التشريعية، والحكومة تخبط خبط عشواء، ولا تصيب ضرباتها الموجعة عدا البسطاء والفقراء، لافتقاد قائدها ابن كيران بوصلة تحدد له معالم طريق الإصلاح الفعلي، ورؤية ثاقبة لاستجلاء حقائق الأمور. ففي عهده تصاعدت الحركات الاحتجاجية والإضرابات، جراء انشغاله بالمشاحنات السياسوية، التزلف للمؤسسة الملكية والانفراد بالقرارات اللاشعبية: رفع الدعم عن المواد الأساسية، تحرير أسعار المحروقات، تقييد الإضراب، إصلاح التقاعد على حساب الموظفين والأجراء، والسعي الحثيث صوب ضرب المدرسة والوظيفة العموميتين... رافضا الإصغاء إلى أنين المظلومين، ومتجاهلا إخفاقاته في معالجة الملفات الحارقة. ولنأخذ مثلا برنامج حكومته المرتبط بتكوين "10 آلاف إطار تربوي"، الذي وجد المستفيدون منه أنفسهم بلا أفق، ليجبروا على خوض معارك نضالية، متحملين ما يتعرضون إليه من إصابات بليغة في مسيراتهم الاحتجاجية واعتصاماتهم السلمية، بسبب الممارسات القمعية من قبل القوات الأمنية، ذنبهم الوحيد أنهم يطالبون بحقهم العادل في الإدماج بالقطاع العمومي أو التشغيل في التعليم الخصوصي بشروط موضوعية، بعدما تنصلت "مافيات" القطاع الخاص من تعهداتها، وعجز عن إلزامها باحترام بنود الاتفاقية. فسيادته الذي انقطع حسه منذ انكشاف سر "نجاح" ابنته في مباراة الأمانة العامة للحكومة، كان قد ترأس في: 8 نونبر 2013 بمقر رئاسته، اجتماعا ضم إلى جانب الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وزير المالية محمد بوسعيد ووزير التعليم العالي لحسن الداودي، تمت خلاله المصادقة على اتفاقية إطار، تنص على تكوين 10 آلاف إطار تربوي في أفق 2016، وإدماجهم في سوق الشغل بعد تأهيلهم لمهن التدريس. وأشرفت وزارة التربية الوطنية على تكوينهم بالمدارس العليا للأساتذة، بغلاف مالي بلغت كلفته الإجمالية 161 مليون درهم، منها منحة تحفيزية بقيمة ألف درهم شهريا لكل مستفيد على مدى عشرة شهور. فباستهداف المشروع فئة المعطلين الحاصلين على الإجازة المهنية، استبشر المواطنون خيرا، يحدوهم الأمل في أن تليه مبادرات أخرى، تحد من بطالة خريجي المعاهد والجامعات ومراكز التكوين المهني. بيد أن الحكومة كعادتها أخلفت الموعد، عندما أبانت عن ضعفها في التعاطي مع أبرز القضايا الجوهرية، وأتبثت بالملموس أنها الأسوأ في تاريخ المغرب الحديث، لما يعوز رئيسها من حكمة وتبصر في تدبير الاختلافات والأزمات، إذ سبق له إثارة جدل واسع حول ملف معطلي محضر 20 يوليوز، طواه بحرمانهم من حقهم في التوظيف المباشر إسوة بسابقيهم، ثم مواجهة أزمة حادة مع الأساتذة المتدربين، أقسم خلالها بالله العظيم على عدم التراجع عن المرسومين "المشؤومين"، حتى لو أدى الأمر إلى سقوط حكومته، وهو ما يؤكد انصياعه لأوامر "اللوبيات" المغربية والمؤسسات المالية الدولية. والمرسومان كما هو معلوم، يقضيان بفصل التكوين عن التوظيف وتقليص مبلغ المنحة إلى نصفها، مما أثار استياء وغضب أساتذة الغد، ودفعهم إلى مقاطعة الدروس النظرية والتطبيقية طوال خمسة شهور، حيث لم تنفرج "الأزمة" إلا بتدخل بعض فعاليات المجتمع المدني في إطار مبادرة حرة، توجت باتفاق نهائي على توظيفهم دفعة واحدة بعد نهاية شهر يناير 2017. فرغم كل ما بذل من جهود جبارة وأنفق من أموال هائلة، في محاولات إصلاح منظومة التربية والتكوين، مازالت أوضاعها للأسف تبعث على القلق الشديد، دون أن تعبر الحكومة عن إرادة سياسية قوية في إعداد مخطط إصلاحي متكامل، يستوعب تزايد أعداد التلاميذ المتمدرسين أمام ارتفاع وتيرة المحالين على التقاعد وقلة فرص التوظيف، وينسجم مع الرؤية الاستراتيجية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين (2015-2030)، التي تقوم على التنوع والانفتاح والملاءمة والابتكار، من أجل بناء مدرسة حديثة ومنصفة، قادرة على خلق تكافؤ الفرص بين أفراد الشعب وتوفير الجودة لهم، للارتقاء بالمجتمع وتعزيز مكانة المغرب في مجال المعرفة ضمن البلدان الصاعدة. ألا يجدر بسيادته في ظل تفاقم أوضاع منظومتنا التعليمية، القيام باستثمار مؤهلات هؤلاء الخريجين في النهوض بجودة التعلمات وحل مشكل الخصاص الصارخ، عوض التمادي في اعتماد الحلول الترقيعية من قبيل: الاحتفاظ بالمدرسين المحالين على التقاعد إلى نهاية السنة الدراسية ضدا عن إرادتهم، زعزعة الاستقرار بإعادة الانتشار، تكليف أساتذة التعليم الثانوي بتدريس المواد المتجانسة، نظام المدرسة الجماعاتية والساعات الإضافية، تقليص عدد الحصص الأسبوعية في المواد الأساسية واللغات الأجنبية، حذف التفويج في علوم الحياة والأرض والفيزياء، إقبار مادة الترجمة، إلغاء بعض المواد من مستوى الجذع المشترك، وضع خرائط مدرسية تكرس الاكتظاظ (70 تلميذا في القسم)...؟ أبهكذا إجراءات لا تربوية، يمكن تأمين الجودة لأبنائنا وضمان تكافؤ الفرص بينهم في القطاعين العام والخاص؟ إننا إذ ندعم بقوة ملف خريجي البرنامج الحكومي، وندعوهم إلى الصمود ومواصلة النضال دفاعا عن حقهم المشروع في الشغل، فإننا نأمل أن يسارع كل شرفاء الوطن من مختلف المواقع إلى مساندتهم في معركتهم العادلة، وأن تعجل الحكومة بإدماجهم في أسلاك التعليم، لاسيما أنهم خضعوا لانتقاء أولي وامتحانين كتابي وشفوي، تلقوا تكوينا رفيع المستوى ومستعدون لاجتياز مباراة التوظيف، فضلا عن أن قطاع التعليم يشكو خصاصا رهيبا، يقدر بحوالي 30 ألف منصب خلال الموسم الدراسي المقبل: 2016/2017. فمن غير "المعقول" الاستمرار في التعنت والارتجال، والتعلل بالإكراهات وضعف الميزانية وقلة المناصب المالية، والحال أنكم تغدقون بسخاء على "خدام الدولة" من وزراء ورؤساء جهات وعمد مدن وولاة وبرلمانيين ومفتشين عامين... فلتوقفوا مسلسل استنزاف مالية الخزينة العامة، وترحموا أبناءنا من رعونة سياساتكم الهدامة.