منذ أن أقدم البوعزيزي ؛ البائع المتجول بتونس ؛ على إحراق نفسه ، شعورا منه بتحقيره وإذلاله من طرف السلطات ... منذ هذا الحادث "المشؤوم" الذي كان إيذانا لدخول عديد من الأنظمة العربية نفقا مظلما ، سارعت السلطات المغربية ؛ في حينه ؛ إلى تدشين إجراءات أمنية احترازية اتقاء ل " غوغاء الشارع " ؛ يأتي على رأسها دستور 2011 الذي ولد ميتا ، وتخفيف " قبضة المخزن " اتجاه بعض الحريات العامة ، والتي أفضت ؛ فيما بعد ؛ إلى فوضى عارمة أو ما يشبه " زمن السيبا " ، طالت جميع مؤسسات الدولة والمرافق العمومية ، من حيث التدبير والمراقبة والتمويل .. فما وقع هذه الفوضى وآثارها الجانبية على المجتمع المغربي ؟ وكيف استغلتها طغمة فاسدة ممن يحسبون من مكونات المجتمع المدني ؟ وكيف أصبحت صورة المغرب من المنظور الدولي ؛ من خلال منظماته ، وتقاريره .. وهل ارعوى المغرب أم ما زال سجين ثلة من الفسدة يبعثرون خيراته ويعبثون بمصيره ؟ أيها الشعب اختر بين الإثنين الإرهاب أم الفوضى ! في سياق الأحداث الفظيعة التي شهدتها بعض الأقطار العربية بفعل امتداد نيران الإرهاب إلى كثير من مواقعها ، رأت السلطات المغربة ؛ كسياسة فعالة لتحصين حدودها وجبهتها الداخلية ؛ أن جردت جميع مؤسساتها ، بما فيها التشريعية والإدارية ، من صلاحياتها الدستورية ، لتتجمع جميع القرارات في أيدي جهات عليا ، متصلة بمحيط القصر ، وللحؤول ؛ في آن واحد ؛ دون امتداد أيادي إرهابية لاختراق المؤسسات والتحكم في سياساتها وأنظمتها الداخلية . وكان من النتائج الأولية المباشرة لهذا التوجه "السياسي" ، أو المقاربة الأمنية "العمياء" تراجع أو بالكاد اختفاء أجهزة المراقبة على المؤسسات الإدارية والمالية ومرافقها الاجتماعية ، وتم الالتفاف على بعض الموارد المالية ، والتلاعب بشأن أوجه صرفها .. مما حولها ؛ في بعض الأيادي القذرة ؛ إلى مواقع للنهب والتدليس ، والنصب والاحتيال والاغتناء السريع ، وتمرير الصفقات المشبوهة ... وسط هذا المناخ السياسي القذر والموبوء ، تولدت قناعة لدى العديد من رجال السلطة ، وبعض مكونات المجتمع المدني كالهيئات الحزبية والنقابية ؛ وبإيعاز من أطراف أخرى ؛ بأن اعتماد " الفوضى الخلاقة " أرحم من مواجهة الإرهاب ! صورة المغرب في المنظار الدولي تكاد تجمع كل الهيئات والمنظمات الدولية النشطة في مجالات الحقوق والحريات ؛ ومن خلال العديد من التقارير الدورية ؛ على أن هناك ؛ في المغرب ؛ تراجعا مخيفا لمجالات الحقوق والحكامة ، وتضاعف مستوى الفساد السياسي والمالي ، الذي ينخر مؤسساته ، حتى إن أرقام استثماراته الأجنبية انخفضت بشكل مريع ، لانعدام وجود بيئة سياسية سليمة ومراقبة .. بالرغم من محاولات المغرب الخجولة ؛ في الثلاث سنوات الأخيرة ؛ لبحثه عن أوجه التعاون وعقد شراكات مع بعض البلدان الإفريقية والآسيوية ، ودول الخليج ، التي يعتبر انخراطه ضمن هذه الأخيرة بمثابة مرحلة مشروطة فقط بانضمامه للحلف العربي ضد اليمن ، ودول بالشرق الأوسط .. وتبني موقفه من ملف الصحراء المغربية . ترويض الشعب المغربي على الضربات الموجعة لم يعان الشعب المغربي قط مثل ما عاناه ؛ في ظل الحكومة الحالية ؛ التي روضته على مكابدة الصعاب ، وتلقي ضربات اقتصادية موجعة غير مسبوقة : كتوالي الغلاء الفاحش لمستوى العيش ، وتصاعد وتيرة الزيادة في أسعار المحروقات ، ومواد البناء ، هذا إلى جانب ضرب قوته الشرائية من خلال مافيات المضاربات التي طالت كل المجالات والمرافق الحيوية . كما يمكن القول ؛ وأمام هذا التعفن السياسي ؛ بأن الحكومة وراء تمييع أدوار الهيئات النقابية والحزبية ، وغض الطرف عن بعض مؤسسات مراقبة المال العام ، أو تعطيلها بالمرة ، وإظهارها مجرد قطع أثاث لتلميع المشهد السياسي العام . أوضاع الشعب المغربي على فوهة بركان تتوالى على المغرب ؛ وفي الظرفية الراهنة ؛ أزمة نهب المال العام ، وسوء التدبير القطاعي ، وهدر الميزانيات العامة .. دونما وجود مخرجات إيجابية تذكر ! مما يزيد في حدة التوتر الاجتماعي ، والذي قد يفضي إلى تفجيرات غير محسومة المدى , رغم تعزيز أدوات الحماية التي لجأت إليها الحكومة مؤخرا بتسمين أجور قطاع واسع من موظفين ينتمون إلى وزارة الداخلية والأمن ، بيد أن هذه الحماية ؛ وبالنظر إلى عفن السياسة المغربية الراهنة ؛ يمكن التشكيك في مصداقيتها ما إذا كانت تحمي الشعب المغربي بجميع شرائحه أم فقط ثلة من مصاصي دمائه .