"كسروا جمجمته وأضلاعه، أما الآخر فقد نجا بأعجوبة، ولكن ملء سمعه التهديد بالانتقام مهما طال الزمان!وهنا كسروا واجهات أو خلفيات السيارات، وهناك أمطروهم بوابل من الحجارة، ثم انسحاب أو هروب قوات الأمن!!" مفردات معركة شرسة!! أليس كذلك؟ هل اقتحم العدو الحدود على حين غرة من الجنود المرابطين؟ كلا! بل تلك أحاديث الأساتذة بعد انتهاء الامتحاناتالإشهادية! إنها معركة أداء الواجب وبناء المستقبل المتناقضين! أداء الواجب كما يقول الأستاذ، وبناء المستقبل كما يلح التلميذ. "أداء واجب وطني، أضحي فيه بحياتي وممتلكاتي" يصر الأستاذ. و"بناء مستقبلي، لن أسمح بهدمه، وسأضحي فيه بأستاذي وممتلكاته" يعارض التلميذ. كنا في زيارة لضحية من ضحايا المعركة العتيدة، استقبلنا بوجه تكسوه الكدمات الزرقاء والحمراء، ومد إلينا يدا ملفوفة بضماد ثخين، وعلى عاتقه شريط مبتل بالدم القاني، فلم نستطع معانقته ولا مصافحته! بادره أحد الزائرين بسخرية لا تناسب الموقف: "تؤدي الواجب الوطني أم تمارس السلطة؟!" ابتسم رغم آلامه العضوية والنفسية وقال يجاريه في السخرية: "هذا قدرنا، ننتصر أو نموت!". "ماذا؟ الانتصار في معركة لا تملك فيها غير جسدك العاري، ويملك فيها (خصمك) أدوات الانتصار السريع والأكيد؟ أليس قاصرا لا يقاضى؟ أليس تجسيدا عمليا لتربيتك وتعليمك؟ أليس ابن الشارع الذي تربى بين الحشاشين والمجرمين؟ أليسابن فلان المسموع الكلمة في الجهة؟ أليسابن البيئة الصحراوية ذات الحساسية المفرطة؟ وهلم جرا. لقد كانت لك في الحكومات العربية أسوة حسنة". سألته باقتضاب: "كيف؟". أجاب جادا أو هازلا: "إذا رأيت تلميذا ضعيف البنيان، فأنخ عليه بكلكلك كليل امرئ القيس، ومارس سلطتك العنيفة، وطبق القانون حرفيا، وإذا رأيته متين البنيان طويلا عريضا، ملامحه إجرامية، فاطو عنه كشحك، وربت على كتفه، وغيب صرامة القانون، وانشر روحه، وكن كمن أحرق المسلمين في الميادين، ومد يد السلام أوالاستسلام إلى إسرائيل، أو كمن استأجرته لمنازلة التماسيح المنتشرة في المزرعة، فأدار إليها ظهره، وانساح في الغابة يحوش الأرانب الوادعة، فيتسلى باصطيادها!! و.....". قاطعه الزائر الثالث: "دعنا من السخرية، فنحن أمام ظاهرة تجب معالجتها بجدية وصرامة...". "كلا، بل الأمر كله سخرية أي سخرية! بأي قانون يتقاضى التعويضات الضخمة النواب الإقليميون ومديرو الأكاديميات ومن على شاكلتهم ممن يراقبون المعركة من بعيد، ويحرم منها الأساتذة الذين يصلون نارها، ويخوضون لجتها بحجة أن ذلك من ضمن مهامهم؟؟ فهل النواب والمديرون من رعاة المواشي في البوادي طيلة السنة، ثم يكلفون في هذه الفترة بما ليس من مهامهم فيتقاضوا عليها أجرا عظيما؟ وإذاتكونكريهةٌأُدعَىلها ... وإذايُحاسالحيسُيُدعَىجُندبُ ولجندبٍصفوُالمياهِوعذبُها ... وليالملاحُوماؤهنّالمجدبُ بل ضحايا هذه الامتحانات أو بالحرى المعارك كصاحبنا لا يعوضون، ولقد عرفت أستاذا اعتدي عليه، فرفع قضيته إلى السلطات المعنية، فقيل له: هذا أمر عادي، فلا داعي للتقاضي!!". "وما الحل في نظرك؟" أنشد ساخرا: دع المقادير تجر في أعنتها..... ثم أضاف: "ألا تعجبك السياسة العربية المقترحة؟ ألم تسر بهاالأمور على ما يرام،وتحررت الأوطان، فنام الزعماء العرب ملء جفونهم عن (شواردها)؟ وما يضيرني إن .....". "أما أنا فأرى أن تتخذ إجراءات قاسية في حق هؤلاء المشاغبين، يشرد بها من خلفهم، وتجعلهم عبرة لغيرهم..." عاد الساخر فقال" "قد يكون العكس هو الأجدى أعني أن يكون هؤلاء الضحايا من الأساتذة عبرة بالغة لغيرهم، فينضبطوا (باش كلشي ينجح)!! والحق أن الحلول لن تكون مجدية ما دام القانون الفرنسي القديم هو الذي تسير مؤسساتنا على هداه، ولم يعد العمل به ساريا في فرنسا نفسها، وما دامت إعادة التمدرس التي هي سياسة خرقاء تتيح الفرص للكسالى للتعششوالتحشش في المؤسسات، بدل أن تبنى لهم المعامل ومراكز التكوين، فالتلميذ الذي يرى نفسه متقدما في السن، وهو في الإعدادية، ويرى من حولهتلاميذ جددا في السنة الأولى في سن أحفاده لو تزوج، ثم لا يلبثون أن يتخطوه ويغادروا إلى الثانوية، تنمو في نفسه العقد النفسية والأحقاد السوداء ينفس عنها في هذه الامتحانات. على أني أسأل: ما الهدف في التشديد على هؤلاء التلاميذ لإبقائهم في المؤسسات، وهم مصدر الشغب والإزعاج والاكتظاظ؟ والأساتيذ باللغة السطوطية يعلمون أن هؤلاء المعششين في المؤسسات لن يتعلموا شيئا، والوزارة لن تفصلهم بل انتهجت سياسة إعادة التمدرس، وبذلك أراحت نفسها من مطالبهم المزعجة لو نجحوا! ولعل ما وقع لك يا أخي دعوة مستجابة من أستاذ قضى ليلته في الدعاء والجؤار إلى الله أن ينجح هؤلاء المشاغبون، فيستريح منهم، فأبيت إلا أن تلصقهم بجلده الناعم جربا حكاكا!!