لا أحد يستطيع تجاهل استفحال العنف في مدارسنا، فالاعتداءات المتكررة على الأساتذة تجعل الكل يدقون ناقوس الخطر. وقد تطرق مجلس الحكومة، في اجتماعه الأخير، للظاهرة. وللاقتراب منها أكثر والبحث عن حلول، استقت «المساء» آراء فاعلين تربويين ونقابيين.. نبه رئيس الحكومة، خلال الاجتماع الأسبوعي لمجلس الحكومة، الذي انعقد يوم 19 أبريل الحالي، إلى خطورة تنامي ظاهرة العنف من طرف المتعلمين ضد الأطر التربوية، وأكد المكانة المتميزة التي يحظى بها الأستاذ في المجتمع المغربي ودورهم الوطني الهام، وتوجه إلى المتعلمين لتذكيرهم بالاحترام الواجب لأساتذتهم، كما توجه إلى الآباء والأولياء لحثهم على ضرورة أداء دورهم التربوي تجاه أبنائهم وحثهم على احترام المؤسسات التربوية والأطر العاملين فيها. وقال بنكيران إن على الإدارة التربوية والسلطات المعنية الحفاظ على سلامة المؤسسات التعليمية وتوفير الشروط الضرورية لحسن سير العملية التربوية. والحديث عن العنف داخل مجلس الحكومة يعني أن المشكل في تنامٍ ولا يمكن السكوت عنه. وفي هذا السياق، قال الأستاذ محمد بن زاكور، نائب رئيس كونفدرالية جمعيات آباء وأولياء التلاميذ للتعليم الابتدائي والإعدادي بالمغرب: «تعبنا من الحديث عن تنامي العنف داخل المدارس وبعثنا مذكرات، لكنْ لا حياة لمن تنادي، وأصبح الكثيرون يحمّلون الأسرة المسؤولية، لكن الأسرة بريئة، بل إن وزارة التربية تتحمل جزء كبيرا من المسؤولية، لأنها تجهل الدور الحقيقي لها ، كما أن شركاءها الحقيقيين يوجدون على الورق فقط. لهذا نحتاج إلى حوار شفاف بين كل الأطراف، لمعالجة الظاهرة، التي لم تعد مقتصرة على المؤسسة بل بدأت تمتدّ إلى الشارع». وتابع المتحدث قائلا: «نرفض تحميل الآباء وأولياء التلاميذ عنف التلاميذ ونستنكر، كجمعية، هذا العنف المتنامي لكن المسؤولية متشعبة ومتداخلة، التفكك الأسري، الفقر، اكتظاظ الأقسام، العلاقة بين الأستاذ والتلميذ.. لهذا نحتاج إلى حوار هادف للقضاء على الظاهرة.. ونحن متخوفون من انتقال العنف إلى الشوارع، لهذا نرى أن المشكل يجب أن يعالج داخل المؤسسة وأن يفتح حوار مع المشاغبين من الأطفال، لأن ثقافة الحوار هي الأساس، وعلينا ألا نقصي بعضنا ونضع برنامج موحدا لتحدي للعنف». معاقبة التلميذ هي الحل يرى مربون آخرون أنه يجب معاقبة التلاميذ الذين يرتكبون أفعالا تسيء إلى المؤسسة التربية ومنعهم من الدراسة إلى أن يُحضروا أولياء أمورهم. ويجب أن تتكافل الجهود حتى تعود للمؤسسة التعليمية هيبتها ويصبح الاحترام مُتبادَلا بين الأستاذ وتلميذه، والتصدي بصرامة للظاهرة من أجل إنقاذ المؤسسة التعليمية من ظواهر دخيلة عليها ويجب أن يتحمل الجميع مسؤوليته، أسرة أو مربين. المنحرفون.. ضحايا اختلالات أكد بوشعيب الحرفوي، الكاتب الإقليمي للفدرالية الديمقراطية للشغل، أن ظاهرة العنف استفحلت في السنوات الأخيرة داخل بعض المؤسسات التعليمية وأصبح مجموعة من المدرسين، وخصوصا النساء منهم، يعشن جحيما يوميا بسبب انحرافات التلاميذ وشغبهم الذي لا ينتهي، مشيرا إلى أن مجهودات كبيرة تُبذل من طرف الإداريين والتربويين وكذا من بعض الآباء والأمهات من أجل الحد من الظاهرة، إلا أن الحالات النفسية والسلوكية للمنحرفين من التلاميذ أبرزت أنهم ضحايا اختلالات يعرفها الشارع العام، الذي تحول ليس فقط في إقليم ابن سليمان، بل في أغلب المدن والأقاليم، إلى بؤر سوداء لتجار المخدرات والأقراص المهلوسة. وبسبب الإعلام المرئي، الذي يعتبر خارج تغطية المجتمع المغربي، إضافة إلى ما يتلقاه الأطفال يوميا من الأنترنيت والفضائيات، في غياب أدنى توجيه من أسرهم. إجماع المدرسين أجمع العديد من المدرسين والإداريين على أن ظاهرة العنف أصبحت من أولى الأوليات التي يجب القضاء عليها بتضافر جهود كل الشركاء، مشيرين إلى أن سلوك التلميذ المنحرف هو نتاج لاختلالات مختلفة وقعت داخل وخارج المؤسسات التعليمية وأن السبب الأول هو أن التلميذ المنحرف غالبا ما يكون قد فقد الثقة والأمان في كل محتضنيه، انطلاقا من الأسرة ومرورا بالشارع ووصولا إلى المؤسسة التعليمية، وأنه أصبح حبيس ما ترسّخَ لديه من مغالطات وانحرافات وأصبح جهاز التحكم في مساره بين أيادٍ فاسدة. ويختلف انحراف وعنف التلاميذ حسب المحيط الذي يعيشون فيه والمستوى الاجتماعي والأخلاقي للأسر التي تحضنه. وإذا كانت بعض المؤسسات التعليمية تعرف عنفا بسيطا ونادرا، فإن هناك مؤسسات تعليمية في عدة مدن يعيش أطرها جحيمَ العنف بشكل يومي.. تحت رحمة المنحرفين كنموذج، يمكن الإشارة إلى إعدادية في مدينة ابن سليمان تعيش تحت رحمة قلة من المنحرفين، الذين استباح بعضهم سمعة وشرف مدرسين ومدرسات ذنبهم الوحيد أنهم قرروا الإخلاص في عملهم، وأقسموا على احتضان تلاميذهم ومنحهم تربية وتعليما في مستوى طموحات أسرهم. و«يستمتع» مجموعة من التلاميذ المنحرفين يوميا بإهانة وتعنيف المُدرّسين والمدرّسات، وحولوا فضاء وقاعات المؤسسة إلى مطارح للنفايات وإلى مراحيض.. وكسروا الأبواب والسبورات وزجاج النوافذ.. وأكدت فئة كبيرة من هؤلاء المنحرفين، حسب تصريحات متفرقة لأطر المؤسسة، عدم خوفها من الأمن أو من القضاء، و«تتباهى» ببعض أقربائها المنحرفين وتجار المخدرات.. وتهدد المدرسين بالتصفية الجسدية!.. وقد سبق ل«المساء» أن أشارت إلى الوقفة الاحتجاجية التي نظمها أطر المؤسسة أمام بابها الرسمي، بعد أن كسر تلميذ زجاج سيارتين تعودان لأستاذ وحارس عام كانتا مركونتين قبالة باب المؤسسة، كما عبث نفس التلميذ ببعض عتاد المؤسسة الداخلي وفر قبل تدخل العناصر الأمنية.. وعنّف تلميذ من ذوي السوابق الإجرامية أستاذة للغة العربية وطردها من القسم، قبل أن يعبث بمكتبها وحقيبتها ويرمي ببعض الطاولات على الأرض.. لحق بها وقال إنه لن يخرج من المؤسسة إلا قبل أن يهشم رأسها.. وظل يردد عبارة «ما نمشي حتى نفرشخ لأمها راسْها».. قبل أن يتدخل مجموعة من زملائها ويبعدوه إلى خارج المؤسسة.. يرى مجموعة من المدرسين أن سبب عنف وانحراف بعض التلاميذ يعود إلى تحدرهم من أسر معوزة، بعض من أفرادها منحرفون (مدمنون على المخدرات والخمور، مروجو خمور أو مخدرات). وتحدثت تصريحات متفرقة عن معاناة مجموعة من الأطر مع تلاميذ همهم الوحيد هو إزعاج المدرسين والإداريين. فهذا أستاذ للإنجليزية تعرّضَ للضرب من طرف تلميذ أصابه في أنفه إصابة بليغة، وما زال ملفه القضائي في رفوف المحكمة الابتدائية المحلية، وذاك أستاذ للاجتماعيات فوجئ بتلميذ يهاجمه بسكين (جنوي)، ففر هاربا طالبا النجدة.. وتلك أستاذة للغة الفرنسية «ممنوعة» من التدريس في فصلها من طرف تلاميذ منحرفين. وذاك أستاذ للرياضيات، تعترضه تلميذة من خارج فصله وتنعت أمه بكلام ساقط وتحاول تعنيفه... هنا كلام نابٍ وهناك صرخات تلاميذ مدمنين على المخدرات والأقراص المهلوسة (القرقوبي) الذي يستهلكونه قبل ولوجهم المؤسسة. من جهته، سبق لمحمد المختار الليلي، المندوب الإقليمي للتعليم في ابن سليمان، أن عبّر عن استيائه لما تتعرض له مجموعة من الأطر الإدارية والتربوية في الإعدادية من عنف وإهانة من طرف بعض التلاميذ المنحرفين، مؤكدا تضامنه التام مع الضحايا، وقال في تصريح سابق ل«المساء» إنه ضد تنازل أي إداري أو تربوي تعرض للإساءة أو العنف وأنّ على كل سلوك منحرف صدر من أي تلميذ أن يلقى العقاب اللازم وأنه إذا كان سلوكا يتطلب تقويما تربويا، وجب إحالة مرتكب السلوك على المجلس التأديبي، وإذا كان سلوكا إجراميا وجب وضع شكاية به لدى المصالح الأمنية والقضائية.. لضمان الحفاظ على حرمة المؤسسة التعليمية وتمكينها من أداء مهمتها التربوية والتعليمية، موضحا أنه لا يمكن فحص مَحافظ التلاميذ قبل ولوجهم مؤسساتهم، لأن ذلك يتنافى مع أهداف المؤسسة.
كيف نتجنب العنف لتفادي الظاهرة، يقترح الأستاذ فاضل الفقير، الفاعل التربوي، بضرورة المصالحة بين المجتمع والمدرسة لأن هذه الأخيرة تعتبر قاطرة للتنمية ولا يجب أن تبقى مقتصرة على المعرفة، ويجب أن تتفتح على محيطها وأن تستجيب المنظومة التعليمية لانتظارات التلاميذ وتجعلهم يحبون المدرسة من خلال القيام بأنشطة غير صفّية داخل القسم، تنظيم خرجات ورحلات، إعادة النظر في المقررات الدراسية، تطوير طرق التعليم، عدم إسقاط مقاربات تعليمية غربية ودمجها في المجتمع المغربي، محاربة ظاهرة الاكتظاظ، التركيز على مواد التفتح، التركيز على اللغات والفنون التشكيلية والموسيقى، إعادة الاعتبار للتربية البدنية داخل المؤسسة وإشراك الأسر في تدبير المؤسسة، من خلال جمعيات الآباء.