"بالأمس كنّا نفتقد الحرّية، اليوم نفتقد المحبّة ، أنا خائف من الغد لأننا سنفتقد الإنسانيّة" . ربما حل الغذ الذي كان يتحدث عنه محمود درويش , و فقدنا الانسانية حتى آخر ذرة و صارت مشاهد الدم و الدمار مألوفة بالنسبة لنا... عندما يبكي الرجال و تقضي النساء عدتهن بين الأزقة المخربة فقد مات الزوج و سقف البيت أيضا , عندما ينادي الأطفال بعضهم البعض بأسماء لا يدركون معانيها : شام , وطن , عربي , أمل و أحلام ... فأنت وصلت لوطن نزار و غادة السمان و أبو العلاء المعري . ان اغتصاب الروح أصعب بكثير من اغتصاب الجسد , أن تكون في مكان وروحك معلقة في مكان آخر في وطنك . ليصبح هذا الأخير مرادفا للموت للآسى , يبني لك قبرا في كل خطوة و لا ليريد منك سوى الموت على يده بدل من الموت لأجله هذا حال السوريون و الكثير من العرب . ربما الصور التي وصلتنا عن أهل حلب و الأخبار التي جاد الاعلام علينا بها كانت كفيلة بأن تقلب كل الموازين أن تجعلنا نكره الحرية و التغيير و الديمقراطية ألا نطالب بهم يوما إذا كان المقابل أرواحنا . جعلت مواقع التواصل الاجتماعي تضج لترفع الهاشتغات و تكثر التحليلات . لعل الذنب ليس ذنب الوطن وحده فهو ضحية كمواطنه بل أكثر يفرون منه و يهاجرون بينما هو لا مفر له من نفسه. فقد صارت أوطاننا أكذوبة الأوطان و ذلك الاحساس القديم بالتعايش السلمي و الاشراق لا يدوم طويلا فكلما شعرنا بشيء من الوصال منه كل ما فر من بين ايدينا كالفراشة الخائفة. لعل هذه الشعوب صارت تتلذذ بأوجاعها و اصبح الالم في حياتها شريعة و الهم سنة مؤكدة. فكما يأكل الصدأ الحديد و يأكل القط صغاره تأكل الثورة شبابها , تأكل كل شيء إلا فسادها و استبدادها. فجريمة حلب سيناريو يومي متكرر يمارس من الثمانيات دون كلل أو ملل كموظف مجتهد لا يتغيب عن عمله أبدا. حلب و قبلها بغداد و القدس و غيرهم , صارت مستشفياتهم تبحث عن متبرعين بالأكفان لا بالدم , امتزج عبير الياسمين برائحة الدم و صارت تتنفس أغصان الزيتون دخان القذائف ... فقد الصباح في الشام عذريته و انقطع صوت فيروز الذي كان يعلو الراديو و لا رائحة للشاي في الحارات . رحل نزار قباني قبل أن يشهد على رحيل وطنه , رحل و ترك أبياتا تحترق لاحتراق الشهباء : إذا أعلنوا ذاتَ يومٍ وفاةَ العربْ ففي أيِ مقبرةٍ يُدْفَنونْ؟ ومَن سوف يبكي عليهم؟ وليس هنالك حُزْنٌ وليس هنالك مَن يحْزُنونْ! سلا ما لحلب الشهباء سلاما لرجالها لنسائها ﻻطفالها