سؤال كبير يطرح نفسه على كل متتبع ومواطن ، ويجب البث فيه بكل موضوعية : ما هو الدور الذي تلعبه الحكومة الحالية بالنسبة لعموم الشعب المغربي ؟ وإنما يُطرح هذا السؤال وبحدة ،لعدة أسباب ، في مقدمتها أن هذه أول حكومة بعد تعديل الدستور. ومعلوم أن دستور 2011 أعطى للجهاز التنفيدي صلاحيات عديدة ، وخاصة لرئيس الحكومة،يجب استثمارها لصالح المواطنين وخدمتهم. وثانيا : فهذه حكومة وصلت لتدبير الشأن العام بعد أحداث الربيع العربي ، ومهما قيل عن نهايات ومآلات هذا الربيع ، ومهما قيل عن حركة 20 فبراير التي وُلدت في خضم هذا الربيع ، فإن التغييرات التي عرفها المغرب وعلى رأسها دستور 2011 كانت من نتائج هذا المخاض العام ومن بركات ونضالات حركة 20 فبراير التي جسدت لحظة نضال انخرطت فيه فئات كثيرة من الشعب المغربي بعيدا عن الانتماءات الحزبية الضيقة. وثالثا :فإن حزب العدالة والتنمية الذي يقود الائتلاف الحكومي الحالي كون شرعيته وبنى نضالاته على شعار محاربة الفساد والاستبداد ووعد المواطن أو الناخب على الأقل بتغييرات جوهرية تحفظ كرامته وتحسن من مستوى معيشته . فهل تحقق شيء من هذه الوعود أم كانت مجرد شعارات انتخابية للاستهلاك اللحظي ولتحقيق نتائج إيجابية يوم الاقتراع العام ، وبعد ذلك يتم توزيعُ الحقائب بين الفرقاء ،تليها المغانمُ الاقتصاديةُ والمكاسب الاجتماعيةُ بشكل تناسبي مع قوة كل حزب داخل التشكيلة الحكومية ؟ أظن أن المواطن المغربي أصبح ،بحكم الواقع المعيش الذي يكتوي بناره ، يعرف جيدا أن كل قرارات هذه الحكومة في غير صالحه. فقد توالت عليه الزيادات وارتفعت تكاليف المعيشة بشكل كبير وأصبح كل همه أن يواجه الغلاء المستشري في كل شيء. لقد اعتمد رئيس الحكومة خطابا تبسيطيا أراد به القفز على كثير من الحقائق لكن شيئا فشيئا أصبح المواطن يعرف أن هذه الخطابات كلها كانت لتمرير وتنزيل القرارات اللاشعبية التي تُضيّقٌ عليه في رزقه وتسحب منه حتى تلك المكتسبات البسيطة. فالقرار القاضي برفع الدعم عن المحروقات ، والذي كانت له انعكاسات سلبية على مجموع المواطنين وخاصة الطبقات الفقيرة والمستضعفة ،برره رئيس الحكومة أنه لا يهم كل المواطنين وإنما أصحاب السيارات فقط ..يا عجبا !!. وهناك من كرر هذه المعزوفة دون تفكير أو تمحيص. لكن شيئا فشيئا سيتوالى ضرب القدرة الشرائية لعموم المواطنين من خلال الرفع من أثمنة الماء والكهرباء ومواد أساسية أخرى . ولعل "بُشرى" سنة 2016 كانت هي الرفع من ثمن السكر . وما أدراك ما السكر في حياة كثير من الفئات الشعبية بالمغرب التي لا تعرف طعم الحلاوة ربما إلا في الشاي باعتباره وجبة رئيسية. فهل يتطوع رئيس الحكومة من جديد كي يبرر هذا القرار بكونه يستهدف فقط أصحاب السيارات ؟؟ جميل أن يتحدث السيد رئيس الحكومة كل مرة عن تضحيات حزبه ومناضليه ورغبتهم في خدمة الصالح العام والتعالي عن المصالح والمكاسب واعتبار كل الجهد الذي يقومون به لوجه الله. لكن الأجمل هو أن تكون القرارات التي تتخذها حكومته عاكسة ومترجمة لهذه المعاني النبيلة والجميلة لا أن تكون قاصمة لظهور المواطنين، بل وزيادة على ذلك لا تخلو من استفزاز واستهتار بمشاعر الملايين ؟ نعود للسؤال الذي صدرنا به هذه المقالة : ما هو الدور الذي تلعبه الحكومة الحالية بالنسبة لعموم الشعب المغربي ؟ إن نازلة معاشات البرلمانيين والوزراء السابقين تستطيع أن تقدم جوابا شافيا في هذا الباب.إذ يكفي أن نعرف رأي السيد رئيس الحكومة في الأمر لنستخلص ما هو الدور الحقيقي الذي تقوم به هذه الحكومة لصالح الشعب المغربي. وبداية ، بعيدا عن الوعظ الأخلاقي المبتذل ، يجب أن يكون قرار وقف هذه المعاشات مستجيبا للرغبة الشعبية وللنداءات والحملات المتعددة على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى صفحات الجرائد والمجلات والمواقع الإخبارية الوطنية. وهذا من باب وعي النخب السياسية وتعاليها عن الريع وعن كل ما من شأنه أن يسيء لصورتها في أعين الناخبين. لقد توضح بالملموس أن هذه المعاشات لا مبرر لها ، وهناك من ذهب إلى حد وصفها بالجريمة في حق الشعب المغربي . ونتمنى أن تكون النخبُ السياسية، أحزابا وبرلمانيين ووزراء على وجه الخصوص ، في مستوى مسؤولياتها وأخلاقها ومبادئها كي توقف هدر المال العام خاصة وأنها ليست في حاجة ماسة لمثل هذه المعاشات التي يمكنها أن تساهم ولو بشكل بسيط في التنمية والتشغيل وحل بعض المشاكل التي يعاني منها مجموع المواطنين. نتمنى أن يكون وعي النخب في مستوى ما هو مطلوب منهم ولا داعي لمزيد من التصريحات المستفزة للشعور العام ، وخاصة حين تأتي من السيد رئيس الحكومة المفروض فيه أن يدافع عن مصالح الطبقات الفقيرة التي تعاني الهشاشة والبطالة وغلاء المعيشة ، لا أن يسوق مبررات واهية للدفاع عن هذه المعاشات التي أجمع كثير من المحللين على وصفها بالريع الذي لا أساسٌ قانوني يسنده، ولا مبدأ أخلاقي ولا نبل سياسي يكمنُ وراءه، بل هي المصالح الضيقة فقط. يرى السيد رئيس الحكومة أن النقاش حول هذه المعاشات "يهدف إلى التغطية على الإشكالات الكبرى التي يعرفها المغرب، والتي يجب التركيز عليها" و" أن عدد الوزراء المستفيدين من التقاعد لا يتجاوز 113 وزيرا، معلنا أن ما يستفيدون منه يبلغ في قيمته الإجمالية مليارين و400 مليون سنتيم سنويا، وأضاف: "لا يتعلق الأمر بالملايير كما يتم الترويج له لدى الرأي العام الوطني". ثم أضاف أن "تقاعد البرلمانيين أمر يخصهم، ويمكنهم إلغاؤه إذا أرادوا"، مشيرا إلى أنهم "هم من سيقرر ذلك بكل حرية، ولا دخل لرئيس الحكومة في ذلك". هل يمكن في دولة الحق والقانون ودولة الديمقراطية والمؤسسات القفز على رأي المواطنين بكل سهولة ودون اكتراث بالعرائض والاحتجاجات التي يقوم بها هؤلاء المواطنون ؟ هل يمكن تصور كل هؤلاء المواطنين لا تحركهم إلا المزايدات حتى وهم بعيدون عن المصالح والصراعات السياسية الضيقة ؟ وماذا لو كان الأصلُ هو الإنصات للمواطن وملاءمة القرارات بما يخدم مصلحته ويجيب عن تساؤلاته ويخدم انتظاراته ؟ من يقول لهؤلاء المسؤولين المشرفين على تسيير الشأن العام أن ما ترونه قليلا يراه الشعب كثيرا وكثيرا؟؟. وأن تلك الملايير، على قلتها في أعينكم ،يمكنها أن تحل إشكالات عويصة تخفف من معاناة المواطنين؟؟. فالملايير القليلة في أعين السيد رئيس الحكومة قادرة أن تشق مسالك تفك العزلة عن عدد من الدواوير والمداشر في العالم القروي ، وقادرة أن تبني مستوصفات بمواصفات جيدة في قرى نائية حتى لا تموت النساء الحوامل ولا يموت الشيوخ الكبار والأطفال الصغار خاصة في فصل الشتاء والبرد القارس. كما أن هذه الملايير القليلة يمكنها أن تبني خزانات للماء الصالح للشرب، وتمد كيلومترات من القنوات، فيصبح كثير من المواطنين قادرين على استهلاك ماء صالح للشرب يقيهم كثيرا من الأمراض التي سببها الرئيسي المياه الملوثة. إن الاستمرار في استفزاز المواطن البسيط والقفز على همومه الحقيقية والحديث بلغة تجرح مشاعره وكبرياءه يجيب على السؤال المطروح أعلاه . إن هذه الحكومة التي أصدرت لحد الآن قرارات كثيرة جلها ضد مصالح المواطنين لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتحدث عن إنجازات أو محاربة للفساد أو تحسين لمستوى عيش المواطن. ومادام الحال سيئا لهذه الدرجة ، فهل يتوقف مسلسل الاستفزاز الذي لا مبرر له ؟ ومع ذلك نتمنى أن يكون السادة النواب والوزراء المستفيدون من المعاشات حاليا ومن سوف يستفيدون قريبا ، نتمنى أن يكونوا مُنصتين لنبض الشعب مشاركين له همومه وتطلعاته المشروعة. فبعيدا عن زخرفة الكلام وتسمية الأشياء بغير مسمياتها فإن المال العام هو مال الشعب كله ومن واجبه أن يدافع عن حقه فيه. وهذه هي الديمقراطية الفعلية أن يكون للشعب صوت مسموع. (أسيدي ، خليو للشعب تلك الملايير القليلة، هو عارف آش يدير بها وفين قادرة تنفع فعلا..)