دونما الدخول في حيثيات وملابسات، عدم قدرة رئيس الحكومة السيد ابن كيران، على التعاطي مع أبرز أزمات حكومته، والتي دامت قرابة شهرين متتابعين لتنتهي بانسحاب أكبر فصائل ائتلافه الحكومي ممثلا في حزب الاستقلال، يهمنا اللحظة أن نعرف كم يلزمه من الوقت لترميم حكومته أو إعادة بنائها، ذلك أن حساسية المرحلة، تقتضي أن تجرى مفوضات دقيقة وسريعة لتدارك ما فات من الزمن الضائع، وأن يكون الحرص شديدا على عدم الوقوع في نفس الأخطاء، وتكرار التجربة الفاشلة ذاتها بإنتاج نفس الأزمة التي ضيع فيها صراعه مع السيد: شباط، الأمين العام لحزب «الميزان» من الوقت، ما كان جديرا بهما أن يستغلاه في ترجمة جزء من البرنامج الحكومي إلى حقائق ملموسة، ترضي المواطن الذي تحول حلمه الوردي إلى كابوس مزعج، إثر ذلك المسلسل الرديء من البوليميك الأرعن، الذي لم يزد المشهد السياسي إلا قتامة، والمواطنين عدا اشمئزازا ونفورا… حان الوقت لكي يؤمن الجميع، بأن الوطن أكبر من أن تعرض قطاعاته الحيوية في المزاد العلني، وأن مصلحة المواطنين فوق كل الاعتبارات، وأغلى من أن تتلاشى قيمتها وسط أصوات المزايدات، فحكومة السيد ابن كيران التي راهن عليها المغاربة، للاعتقاد السائد لدى شريحة واسعة من «الدراويش»، بأن حزب «المصباح» المتصدر لنتائج صناديق الاقتراع في 25 نونبر 2011، سيهديهم بنوره المتوهج نحو طريق المستقبل الزاهر، مادام «مناضلوه» من المتأسلمين لم تلوث أكفهم بدنس المال الحرام، وأن الفرج المنتظر سيأتي لا محالة عن طريقهم، لم تستطع المسكينة الوفاء بتعهداتها لأسباب متعددة، نذكر من بينها على وجه الخصوص: انعدام التجربة لدى رئيسها، وما ترتب عنه من عجز تام في تأمين التماسك اللازم وخلق روح التآزر والانسجام بين مكوناتها، وما تلا ذلك من تداعيات تجلت بالأساس في سوء إدارة الشأن العام، أدى في نهاية المطاف إلى تلك الإخفاقات المتواترة وذلك التصدع، الذي زرع البلبلة في صفوف المواطنين والمواطنات، وجعلهم يضعون أيديهم على قلوبهم شاخصين بأعينهم في السماء، ضارعين إلى العلي القدير أن يخرجهم من هول ما فعل بهم أبطال العبث السياسي … وعلى من يهمه أمر النهوض بمستوى هذه البلاد، التي تجرع أهلها من الحنظل ما لا تحصى كمياته، في ظل تحكم فئة قليلة من البورجوازيين، دون باقي الشرائح الاجتماعية من الفقراء والمعوزين، في ثرواتها بمباركة الحكومات المتعاقبة، أن يدرك جيدا ألا مجال في مثل هذه اللحظات التاريخية الفارقة، للمزيد من القهر والظلم والفساد والاستبداد، بالانشغال في التجاذبات والتطاحنات السياسوية، وتصفية الحسابات المجانية، وترك المواطنين غارقين في مستنقعات التخلف والجوع والأوبئة… ابن كيران رئيس حكومتنا «العرجاء» التي لا نتمنى أن يطول عرجها، مطالب بإعادة النظر في نهجه التكتيكي المتعنت والتخلص من عباءة حزبه، تفاديا لما حدث لغيره ممن آثروا الإنصات إلى محيطهم الضيق دون إشراكهم للآخرين في بناء القرارات المصيرية، ولإصلاح العطب القائم، يتعين لزوما أن تنطلق مشاوراته مع حليفيه المتبقيين، بوضع خطة مدروسة لا تمس بمصالح أي منهما، وفي نفس الآن تسعى إلى إرضاء الوافد الجديد، الذي لن يكون سوى السيد: صلاح الدين مزوار أمين عام حزب التجمع الوطني الأحرار، الذي ينبغي أن يعبر عن نبل مواقفه وصدق وطنيته، من خلال التسامي على المغريات وعدم استغلال الوضع المرتبك بفرض شروط تعجيزية تهدد بانهيار الأغلبية، والأمل معقود في نجاح الترميم المراد حدوثه، تيمنا بما يحمل الاسم من صلاح والحزب من لحمة «التجمع». من هنا نرى ضرورة الاستجابة لنداء الواجب الوطني، بنبذ الخلافات السابقة، ولم لا تحويلها إلى محبة لاحقة وصادقة؟ إن السيدين: ابن كيران ومزوار، ملزمان اليوم أكثر من أي وقت مضى، بعدم الالتفات إلى الوراء أو الإنصات إلى المغرضين من محترفي قطع الطرق، والترفع عن لغة الخشب من قبيل: «مافيديكش» أو « عجلة طوارئ احتياطية»، أن يتنزها عن تحويل الوطن إلى كعكة كبيرة، ويظهرا لهذا الشعب الأبي مدى مكانته وحبه في قلبيهما للنهوض بأوضاعه المزرية، وأن يبهرا العالم بما يختزنه هذا البلد المعطاء من كفاءات، قادرة على صنع المعجزات بالمرونة والتشاركية وقوة الإرادة، فالحالة الراهنة تستلزم قدرا وافرا من التفاهم والتنازل، بما يقرب المسافات بين الأطراف التي قد تشكل ائتلافا حكوميا جديدا نريده قويا ومنسجما، بتسريع وتيرة الترميم وفق شروط وقواعد متوافق عليها، ويكفل الحفاظ على ركائز البرنامج الحكومي باعتباره تعاقدا أخلاقيا، على أن يراعي المواطن ومختلف الفعاليات في المجتمع ظروف بعض التنازلات من هنا وهناك، بشكل يلبي مطامح الجميع ولو في حدودها الدنيا، لضمان استئناف طبيعي لسير أعمال الحكومة… هل تفلح النسخة الثانية من حكومة السيد ابن كيران في إعادة الأمل المشرق إلى النفوس الكئيبة؟ الاتحاد فيما بين مكونات الائتلاف الحكومي الجديد، العزيمة والقدرة على اتخاذ قرارات جريئة وشجاعة، أمام معارضة تشكل قوة اقتراحية حقيقية… تعد من ضمن أهم العوامل المساعدة على تحريك عجلة التنمية البشرية التي علاها الصدأ منذ زمن ليس باليسير، وترد بالإيجاب على السؤال المطروح أعلاه، بيد أن واقع الأمر يقتضي من السيد رئيس الحكومة بذل الكثير من الجهد، لرفع التحديات والتحرر من رواسب الانطلاقة المتعثرة وأفكار الزعامة الحزبية الضيقة، التي تشده بسلاسلها الفولاذية، وفتح عينيه واسعتين على الآفاق الرحبة للاستفادة من التجارب الناجحة للآخرين ممن حوله، بدل الاستمرار في التشكي وربط الإخفاقات بمقاومة من سماهم بالعفاريت والتماسيح وما إلى ذلك من النعوت والأوصاف، التي لن تخدم مصالح المواطنين أو تساهم في إخراجهم من دائرة البؤس، بعدما قهرهم طول الانتظار في ظل سياسات عمومية فاشلة، أنهكت جيوبهم بغلاء المعيشة، أغرقت مؤسسات البلاد المالية في القروض والمديونية ورهنت مستقبل الأجيال في غياهب المجهول… إن حاجة المواطن باتت أكثر إلحاحا، إلى الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، إلى إصلاح التعليم وتعميم التغطية الصحية، إلى الارتقاء بجودة الخدمات في الإدارة العمومية، وإلى تصحيح الأوضاع الأمنية والخروج من الأزمات الاقتصادية، إلى الحسم في إشكالية صندوق المقاصة وإصلاح أنظمة التقاعد وتحصيل الضرائب، إلى محاربة مختلف أشكال الفساد وتوظيف عائدات اقتصاد الريع لصالح الطبقات المعوزة، إلى القطع مع أساليب الميز والامتيازات وإعادة توزيع الثروات الوطنية بشكل عادل… وإلى أن يبادر الائتلاف الحكومي المرتقب تشكيله في أقرب الآجال، إلى جعل ما تبقى من شهور السنة الجارية: 2013 قاطرة متينة للعبور صوب تفعيل مقتضيات دستور2011، للقيام بما ينتظره من أوراش، والشروع في تجسيد مضامين الشعارات إلى منجزات حقيقية، والخروج من حلكة الأزمات الخانقة في أجواء من التفاؤل والهدوء، بعيدا عن التشنجات التي عصفت بآمال وأحلام الشعب، وإلا فلا داعي لترميم أو بناء أو انتخابات، ولا لحكومة ولا لدستور ولا لمؤسسات…. فهل بمقدور السيد: صلاح الدين مزوار أن يجر السيد: عبد الإله ابن كيران إلى ما لم يستطعه السيد: حميد شباط؟ نأمل أن تكون حمامة التجمع الوطني للأحرار رمزا حقيقيا للسلام وتحلق بنا عاليا دون الخروج عن السرب.