أجمع المشاركون في ندوة فكرية حول "المهدي المنجرة: المفكر والإنسان"، نظمتها، مساء اليوم الجمعة، المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، على أن تنمية الإنسان شكلت الهدف الأسمى للقضايا الكبرى التي شغلت فكر الراحل المنجرة وتمحورت حولها أغلب كتاباته ونقاشاته. وخلال هذه الندوة، وقف ثلة من المفكرين والباحثين ممن كان لهم احتكاك أو اهتمام بمجالات نشاط الراحل، وفي مقدمتهم السيد عبد الحق المريني، مؤرخ المملكة، والسادة ادريس بنصاري، وعمر الفاسي الفهري، وفؤاد بن شقرون، ويحيى اليحياوي ومحمد البغدادي، عند القضايا الكبرى التي كانت محط انشغالات المفكر المغربي، والتي ارتبطت على الخصوص بالذاكرة والقيم والديمقراطية والحوار. وفي كلمة خلال هذا اللقاء، قال السيد المريني إن المهدي المنجرة كان يؤمن بأن لا تنمية بدون تقدير لقيمة الإنسان، ومن ثمة ضرورة إعطاء القيمة الكافية للإنسان باعتباره ثروة لا تنضب، مضيفا أن هذا العالم، الذي جاب العالم مستكشفا أغوار الثقافات الأخرى، طالما حذر من مغبة التقليد الأعمى للنمط الوحيد في التفكير وكان يؤمن بأن الصراع بين الشمال والجنوب هو صراع حضاري بالأساس. كما اعتبر، السيد عبد الحق المريني، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء بالمناسبة، أن الراحل المنجرة كان عالما موسوعيا ومفكرا شموليا من طينة الدكتور المهدي بنعبود والفيلسوف محمد عابد الجابري، جاب عدة بلدان في العام وكان صوتا مغربيا مدويا في عدد من الجامعات العالمية، وكان يحض على تكوين الإنسان لأنه يصير عنصرا مهما في التنمية البشرية إذا كان مكونا. وأضاف أن نشر الثقافة والحفاظ عليها في الوسط المجتمعي كان من المبادئ التي دافع عنها الراحل، الذي كان يعتبر أن الثقافة هي أساس النهضة والتقدم والازدهار لكل مجتمع من المجتمعات، مشيرا إلى أن الراحل كان يهتم أيضا بعلم المستقبليات وهو من أدخل هذا العلم إلى المغرب واعتنى به وألف فيه لأنه كان يعتبر المستقبل والماضي مهمين على حد سواء بالنسبة للبحث. وبدورهم، أبرز باقي المتدخلين أن الذاكرة شكلت عنصرا محوريا في فكر الراحل المنجرة من منطلق كونها موروثا وكنها ثقافيا ولغويا وحضاريا لا يمكن في غيابها الحديث عن المستقبل بالنسبة للإنسان، معتبرين أن كل الحروب والصراعات التي يعرفها العالم تشكل الذاكرة خلفيتها وهدفها الأساس. وأشاروا إلى أن المفكر المنجرة يعرف التنمية بأنها هي العلم حينما يصبح ثقافة، ولذلك يعتبر أن نماذج التنمية في العالم الثالث والبلدان النامية لم تفرز منظومة اقتصادية واجتماعية سليمة، بل أفرزت فشلا سياسيا واحتقانا اجتماعيا. وشددوا، في سياق ذي صلة، على أن المفكر المنجرة، الذي زاوج بين العلوم الدقيقة والعلوم السياسية والاجتماعية، كان يؤكد في العديد من كتاباته ونقاشاته على دور التربية الهادفة إلى جعل الإنسان هدفا ووسيلة للتنمية بمختلف ابعادها. واعتبروا أن العالم المغربي الراحل كان شخصية فذة طبعت الفكر والثقافة المعاصرة بتوجه استراتيجي عقلاني وبالتعبير عن أفكار ونظريات بكيفية حرة تنأى عن ثقافة الاجترار والتحجيم، مقترحا طرحا استشرافيا يساعد على النظرة إلى العالم برؤية جديدة في سبيل إيجاد حلول للمشاكل والتحديات المعاصرة التي تزداد تعقيدا، مبرزين أن هذا الاستشراف طور علم المستقبليات الذي عرف به الراحل على المستوى العالمي. من جانبه، ذكر السيد عبد العاطي لحلو، نائب مدير المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، في الكلمة الافتتاحية لهذه الندوة، بأن أسرة الراحل المنجرة، وبرورا به، لم تتوان في تقديم مكتبته الخاصة، التي تجسد جزء من رصيده المعرفي، كهبة إلى المكتبة الوطنية لينتفع بها الباحثون ولتحفظ للأجيال القادمة، مبرزا أن هذه الهبة ستبقى شاهدة على عطاء المفكر المغربي وصدقة جارية تحيي ذاكرته كلما انتفع بها قارئ. وأشار إلى أن المهدي المنجرة يبرز كمفكر خبر علم الاقتصاد والسياسة والاجتماع بمفهومها الواسع وتقلد عدة مناصب في مؤسسات وأكاديميات ذات الصيت العالمي كنادي روما ومنظمة اليونيسكو وغيرها، كما أنه سافر واقام في عدة دول في القارات الخمس وهو بذلك متعدد الروافد والتخصصات وقد ساعد في ذلك تفتحه الكبير على الثقافات العالمية وإتقانه لعدة لغات. يشار إلى أن هذ الندوة الفكرية تناولت محاور تتعلق ب "دور التربية والتكوين لأجل مواطنة فاعلة عند المهدي المنجرة" و"أية نظرة مستقبلية لعالمنا المعاصر حسب المهدي المنجرة¿ "ودور علم الاستشراف عند المهدي المنجرة".