إن الحجر الزاوية والأساس في كل العلاقات الزوجية هو الصحبة والإقتران القائمان على الحب والتألف ، بالإضافة إلى الغاية المنشودة في إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل وتكوين أسرة ، لكن إذا اشتدت النزاعات والخلافات ولم يجد الزوجان الحل الكفيل لهذه المشاكل ، وأصبحت حينها مسألة البقاء تحت السقف الواحد تسبب الشقاء والكد ، والعجز في إقامة المصالح بينهما لتباين الأخلاق وتنافر الطباع ، أباح الله تعالى لهما الإنفصال ، بمعنى حل عقدة الزواج ، لشرعية الطلاق في حالة مخصوصة للتخلص من المكاره الدينية أو الدنيوية ، ويبقى الطلاق أبغض الحلال إلى الله . غير أن النظرة الدونية تجاه المرأة المطلقة ، والأحكام الصادرة في حقها تبقى مجحفة وغير منصفة ، كما أنها لا تتوافق البثة مع العصر الحالي ، هذه النظرة السوداء القاتمة المحاطة بسياج من الكتمان والسرية ، نجدها تسلب المرأة المطلقة كرامتها وكبريائها وعزتها ، إذا ما تمت مقارنتها بنظرة المجتمع تجاه الرجل المطلق، خصوصا إذا ما كان الأمر بين أوساط مجتمعات لا زالت حبيسة مجموعة من السلوكيات والقوانين والتفسيرات التي من شأنها سيطرة الذكور على الإناث، مما يجعلها تصنف بالمجتمعات الذكورية . فهذه الأفكار التقليدية المغلوطة بخصوص المرأة المطلقة ، والأحكام الجاهزة والمستهلكة ذات الطابع الرجعي المنغلق ، ما عادت تلائم الزمان في تطوره وتحظره ، أكثر ما تعد عائقا أمام المرأة المطلقة في إثبات ذاتها ، هذه الأخيرة هي الوسيلة الأنجع لإرتقاء المطلقة بكيانها وكينونتها وفرض وجودها ، من خلال الثقة بالنفس ومعرفة الحقوق والواجبات . ومنه فمسألة تحكم المرأة المطلقة في شخصيتها وأخلاقها، وقوة إرادتها ، وتحديها كل الصعاب في مجابهة ومواجهة الظروف القاسية التي أملتها عليها تجربة الزواج الفاشلة ، وإستمرارها رغم ذلك في تكملة مشوارها نحو إثبات الذات ، لهي التقنية الصحيحة للقطع مع النظرة المنحطة التي تواجهها داخل محيطها الصغير والكبير، وذلك من خلال الدفاع عن الحقوق الشخصية الفردية المشروعة ، سواء عند الإحتكاك بالأخرين من الغرباء أو الأقارب ، أو في العمل ، هذا الأخير الذي تتعرض فيه أغلبية النساء المطلقات ، إلى الإصطدام بمحاولات التحرش ، أو التلميح إلى الرغبة بإقامة علاقات غير شرعية من قبل الأخر الذئب ، الذي فور علمه بمسألة الطلاق يصبح متربصا ومتحايلا للفرصة ، لكن عند عدم نزول المرأة المطلقة لتحقيق رغباته الشيطانية ، تنال المسكينة تهميشا وتقزيما ومضايقات ، أو لربما طرد في قادم الأيام ، مما يجعلها حائرة بين خيارين أحلاهما مر ، إما القبول وعصيان المولى عز وجل ، أو الرفض والحرمان من لقمة العيش . وفي هذه الحالة (المرأة المطلقة والعمل) يجب عليها التمتع بالشجاعة الكافية ، وعدم الخوف من التعبير عن الشعور الحقيقي ، بما في ذلك التحلي بالقدرة اللازمة لرفض الطلبات غير المعقولة أو الضارة بسمعتها وصحتها ، ورعاية تصرفاتها بأن لا تتظاهر بالإستخفاف في الإعتدال والرزانة وإحترام النفس ، وتحديد مواقف الزمالة وتأطيرها ، فهي أسلحتها لمحاربة أعدائها والتي بها تقتحم طريق المستقبل الذي لايزال غامضا أمامها ، وأما الخوف على ضياع فرصة العمل وفقدان لقمة العيش فهنا أشير إلى أن خير تجارة تلك التي مع الله وهو خير الرازقين .