أن تقرأ خبر إقدام وزارة التربية الوطنية على تدريس العلوم باللغة الأمازيغية ستحس بالفخر بتنمية الثقافة المغربية و إحداث المنافسة بين الاصطلاحين العاملين في حقل تنمية اللغة الأمازيغية ونظرائهم المتخصصين في علوم اللغة العربية أو الدرجة المغربية. لكن الصدمة الكبرى أن يتم التخلي عن اللغة الدستورية و تعويضها بلغة دخيلة وغريبة عن التربة المغربية و التي تم فرضها بالحديد و الدم إبان الفترة الاستعمارية عكس اللغة العربية التي احتضنها سكان المغرب الأمازيغ لأسباب دينية خصوصا و أن سلالات أمازيغية تعاقبب على حكم المغرب كالمرابطين و الموحدين تبت أنها كانت تعتني باللغة العربية و تطورها وما المقدمة الأجرومية إلى خير دليل على العناية الفائقة التي حظيت بها اللغة العربية من طرف المغاربة. لكن ما لا يستسيغه العقل في القرن الواحد و العشرين هو التخلي عن اللغات الوطنية واختزال وظائفهم في مجالات محدودة. إننا في أمس الحاجة اليوم إلى إعادة الاعتبار للثقافة المحلية و تنميتها وجعلها أداة للتفوق الحضاري عوض الانسياق وراء حضارات أخرى لأنه مهما اجتهدنا فسنبقى تابعين لرواد الحضارة التي نتبعها و قد ينعكس ذلك بالسلب على التنمية المحلية نظرا لضعف توطين المعلومة. فأنت تحتاج إلى ترجمة المعارف العلمية الجديدة إلى اللغات و اللهجات المحلية حتى تعم الاستفادة مما سينعكس بالإيجاب على سلوك المواطن و الظواهر الاجتماعية التي يتخبط فيها المجتمع. و لابد في هذا الإطار أن نشدد على أهمية الترجمة إلى اللغات الأم وضرورة تطعيمها بمعارف جديدة لتحقيق النهضة العلمية المحلية وتغيير العقليات نحو الأفضل لأن الوقاية العلمية خير من علاج الآفات الاجتماعية. و ينبغي في هذا الإطار تزويد اللغة الأمازيغية بمعارف علمية ودينية و ما أحوجنا إلى ترجمة كتب و أشرطة حول المذهب المالكي حتى لا تتسلل الأيادي الخبيثة و تستغل الفراغ للعب على الوتر الديني الحساس و تعويض النقص الحاصل وكذلك عدم اختزال هذه الثقافة في التعبيرات الموسيقية من لدن البعض حتى لا نعمم. ويبقى تحقيق تعليم فعال رهين بمدى إدراج اللغات الوطنية في النسيج التربوي و تعميم وظائفهما على اعتبار أن النماذج التعليمية الناجحة اليوم كلها تعتمد على لغاتها المحلية. ولا أرى عيبا في الإبقاء على اللغة العربية و دمج اللغة الأمازيغية تدريجيا في النسيج التربوي حتى يتم تقبلها من لدن الجميع، بيد أنه على المدافعين عن هذه اللغة اتباع مقاربة وظيفية نفعية عوض السعي إلى فرض نموذج أحادي على الجميع. فالمغاربة هم الآن مزيج من عدة أعراق و يستحيل أن نزجم أن الكل عرب أو أمازيغ أو أفارقة أو أندلسيون أو أوروبيون من أصل روماني أو وندالي ولايجب كذلك أن ننسى الخلاصين أو المختلطين. و يكفي أن ينظر الإنسان إلى الملامح و القسمات و الطلعات ويرى الاختلاف الحاصل و إن لم نبالغ فعندنا تقريبا في المغرب جميع الأشكال البشرية و هذا ما قد يشجع أحيانا رواد السينما العالمية للتصوير في المغرب لغنى التنوع البشري. ما نحتاجه اليوم هو تغيير المقاربة المتبعة في تدريس اللغات الأجنبية و ليس التخلي عن اللغة العربية كأداة لتدريس العلوم في المغرب. فالمقاربة اللغوية المتبعة لا تشجع كثيرا على ضبط اللغات الأجنبية لأنها لا تراعي مدى استفادة الدارس لغويا من المستوى الدراسي الذي يدرس فيه و ينتقل التلميذ إلى القسم الموالي أحيانا دون اكتساب مهارات لغوية جديدة مما يخلق حالة من اليأس لدى التلاميذ و العدوانية تجاه مدرسي اللغات لأنهم يحسون بالإحباط و عدم القدرة على مواكبة المقرر الدراسي الجديد و لا أتكلم من فراغ فقد درست أكثر من ستين فصلا و أعرف حاجات التلاميذ ومعاناتهم. و ما يحتاجه تلاميذ اللغات في المغرب هو فصل تدريس اللغات عن باقي المستويات الدراسية وقد بينت ذلك في أحد المقالات تحث عنوان" نحو مقاربة جديدة لتدريس اللغات الأجنبية في المغرب" وهو متوفر ويمكن الاضطلاع عليه بكتابة عنوانه في مواقع التفحص على الإنترنيت. أما مسألة الانفتاح على العالم فأصبحت ضرورة لا محيد عنها و لهذا وجب تكوين موارد بشرية قادرة على التواصل مع العالم وإغناء الثقافة المحلية بكل العلوم الجديدة دون التخلي عن اللغات الوطنية. ووجب في هذا الباب التفريق بين تدريس العلوم باللغات المحلية و تدريس اللغات الأجنبية و إدخال لغات جديدة كاللغة الصينية و الروسية نظرا للأهمية الإستراتيجية و الجيو سياسية لأن روسيا و الصين لاعبان دوليان من الحجم الكبير ووجب أن لا نضع كل البيض في سلة واحدة حتى نتمكن من الاستفادة و التعامل مع الجميع وحتى لا نربط تطلعاتنا ومصالحنا بجهة وحيدة . فالحكمة تقتضي الانفتاح على الجميع بحذر شديد. إن مبدأ الاختيارية هو سبيل النجاة من عواقب تبني اختيارات لغوية مصيرية و إستراتيجية و يفتح المجال للجميع للتنافس دون الإحساس بالإقصاء و تكوين مشاعر اجتماعية سلبية من شأنها أن تؤثر على الصيرورة التنموية التي انخرط فيها المغرب تحث القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة محمد السادس نصره الله. و آنذاك يبقى الخيار لولي أمر التلميذ إذا ما كان يريد أن يدرسه العلوم باللغة العربية أو الفرنسية أو الإنجليزية أو الأمازيغية. و ما على وزارة التربية الوطنية سوى تكوين موارد بشرية قادرة على ايفاء حاجيات المواطن المغربي المعرفية و اللغوية حتى لا يتهم بلدنا العزيز أنه يحارب لغة القرآن وما لذلك من تداعيات اقتصادية و سياسية و ثقافية.