إن تحويل الرأي العام الوطني منه و الدولي عن المشاكل التي يعيشها الوطن، و التي لا تصلها وسائل الإعلام سواء المكتوبة منها أو المسموعة، هو ضرب من ضروب سياسة الإلهاء، التي يعتمدها النظام لتمويه الشعب، سياسة تعتمد التركيز على الجوانب التافهة التي لا تهم المواطن بالدرجة الأولى، و تمرر برامج لا علاقة لها و قضايا الوطن، "سكاتات" لا تعدو أن تكون إلا أدوات للتسلية و نسيان الهموم. إستراتيجية الإلهاء ضروريّة لمنع العامة من الاهتمام بالمعارف الضروريّة في ما يقع في الكواليس من صفقات خيالية، يتم فيها بيع و تفويت "الوطن" لمصالح خارجية. إستراتيجية لا يعيها و لا يعرفها إلا أصحابها، تجعل من الإعلام حجر الزاوية، تمرر عبره سمومها و تأتي أكلها غالبا. تخترع و تبتكر مواضيع ليست ذات أهمية حقيقية، تجعل الشعب يعيش و ينغمس في مشاكل بعيدة عن ما يعيشه في وطنه، فتراه يفتح فاه أمام التلفاز و يتلقى المعلومة دون نقد و دون "غربال" فيسيطر حديث التلفاز على لسانه و أحاديثه. لا شك أن ما يحدث في العالم من رياح التغيير و ربيع الحرية أحدث ما لم تحدثه أزمنة مضت، لقد أجج وتيرة المطالبة بالعدالة الاجتماعية و الكرامة، الشيء الذي ضايق الأنظمة الحاكمة فيها مما جعلهم يبتكرون أساليب جديدة لإلهاء شعوبها و جعلها تهيم و تنسى ما تطالب به. قد تقوم الأنظمة بتفجيرات في أماكن عامة، وتودي بعشرات الضحايا، قد توكل و تسخر "شبيحة" مكونة من جنودها، من أجل مضايقة بقية الشعب، وتسود الفوضى حتى يزرع العامة ثقتهم في النظام، قد تقتل جنودها و تصاحبها بضجات إعلامية و تجعل منها حديث الصباح و المساء، و تحافظ على تشتت اهتمامات العامة و تمرر خطاباتها المتعفنة. قد يصل بها الحد إلى ابتكار أيام تضامنية مع شعوب أخرى قد تكون دوافعها إنسانية، قومية، أو دينية، لكن الدافع الأساسي هو إلهاء الشعب و عزله عن مشاكله اليومية و ما يجري في الوطن بغية تمرير مخططات و عقد صفقات خارج نطاق المعهود و دون أن تلفت انتباه الآخرين في جو يسوده "حسي مسي" . واضحة حينا، غامضة في معظم الأحيان، يطليها الدهان، ترفرف رايتها عاليا، تمنح نفسها الشرعية و الثقة العمياء و تعطي وقتا كافيا و تفصيلا مملا عن أتفه الأشياء، ولا تلمح للأساسيات و المعاناة اليومية لبقية الشعب. و تقدم حلولا ساذجة لا تسمن و لا تغني من جوع. إن الحلول الساذجة الهينة التي تحل مشاكل العصر حلا وهميا بالفرار منها أو بإلغائها لا نفع فيها و لا عناء بل فيها الضرر الخسران، فلنكن على حذر من دعاتها و لنحاربهم بكل ما نستطيع. سياسة الإلهاء هاته تعتمد شعارا مفاده " إذا أردت أن تلهي شعبا ما، قم بإلهائه بقضايا تافهة، وخصص لها صفحات و أوقات كثيرة و ضجات إعلامية، وقم بإلهائه بقضايا أوطان أخرى، وجعلها قضايا حية و قضايا مهمة، واجعله ينظم مسيرات ومظاهرات مليونية لدعم تلك القضايا، وبالتالي ينغرس في هذه القضايا و ينسى مشاكله اليومية ثم ينسى نفسه " و أختم هذا المقال بعبارة لتشو مسكي يقول فيها “حافظ على تشتّت اهتمامات العامة، بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، واجعل هذه الاهتمامات موجهة نحو مواضيع ليست ذات أهمية حقيقيّة. اجعل الشعب منشغلا، دون أن يكون له أي وقت للتفكير، حتى يعود للضيعة مع بقيّة الحيوانات.” (مقتطف من كتاب أسلحة صامتة لحروب هادئة)