أخنوش يترأس جلسة عمل للوقوف على تقدم تنزيل خارطة طريق التشغيل    الوداد البيضاوي ينفصل عن موكوينا بالتراضي ويعين بنهاشم بدلا منه    نبيل باها : العمل القاعدي الحالي على مستوى كرة القدم سيجعل من المغرب "قوة كروية كبرى"    السلطات الألمانية توافق على تسليم محمد بودريقة إلى المغرب    المنتخب الوطني لأقل من 20 سنة يتوجه إلى مصر للمشاركة في كأس إفريقيا    دورة مدريد لكرة المضرب.. انسحاب ألكاراس من البطولة بسبب الإصابة    توقيف فرنسي مغربي للاشتباه في محاولة تهريبه لأزيد من 11 ألف من المفرقعات والشهب النارية    تأجيل جلسة محاكمة كريمين والبدراوي إلى غاية 22 ماي المقبل    منظمة دولية تندد ب"تصعيد القمع" في الجزائر    الملتقى الدولي لفنانين القصبة بخريبكة يؤكد ضرورة الفن لخدمة قضايا المجتمع    الكتاب في يومه العالمي بين عطر الورق وسرعة البكسل.. بقلم // عبده حقي    مهرجان سينمائي الفيلم التربوي القصير يرسخ البعد التربوي    بحث رسمي: 11.2% فقط من الأسر المغربية ترجح قدرتها على الادخار    نائب عمدة الدار البيضاء يتهم محسوبين على "جماهير الحسنية" بتخريب بعض مرافق ملعب محمد الخامس    واتساب تطلق ميزة "الخصوصية المتقدمة للدردشة" لحماية المحادثات من التصدير والتنزيل التلقائي    المجلس الاقتصادي والاجتماعي يدعو إلى احترام حق الجمعيات في التبليغ عن جرائم الفساد    كردية أشجع من دول عربية 3من3    دراسة: النوم المبكر يعزز القدرات العقلية والإدراكية للمراهقين    بنكيران يناشد "إخوانه" بالتبرع لتغطية تكاليف عقد مؤتمر "المصباح"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    سلسلة هزات ارتدادية تضرب إسطنبول بعد زلزال بحر مرمرة وإصابة 236 شخصاً    الصين تنفي التفاوض مع إدارة ترامب    وزراء الخارجية العرب يشيدون بالجهود المتواصلة التي يبذلها الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس من أجل الدفاع عن القدس الشريف    20 مليار مقطع فيديو حُمّلت على "يوتيوب" منذ إطلاقه قبل 20 سنة    الدورة الخامسة للمهرجان الدولي للفيديوهات التوعوية: منصة للإبداع المجتمعي تحت شعار "مواطنة مستدامة لعالم يتنامى"    روبي تحيي أولى حفلاتها في المغرب ضمن مهرجان موازين 2025    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    مديرة وكالة الدعم الاجتماعي من واشنطن: الميزانية السنوية للدعم الاجتماعي قد ترتفع إلى 30 مليار درهم    اتحاد طنجة يحتج بشدة على "المهزلة التحكيمية" ويطالب بفتح تحقيق عاجل    الملك محمد السادس يعطي اليوم انطلاقة أشغال مشروع القطار فائق السرعة "LGV" القنيطرة – ومراكش    مجلس حزب الاستقلال بإقليم ميدلت يدعو إلى تخليق الحياة العامة والنهوض بالأوضاع التنموية    حشود غفيرة تودع البابا فرنسيس    الجيش المغربي يجري مناورات "فلوطيكس 2025" في المتوسط لتعزيز جاهزية البحرية    وعي بالقضية يتجدد.. إقبال على الكتاب الفلسطيني بمعرض الرباط الدولي    المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة: المغرب نموذج بارز للابتكار    الحبس ثلاث سنوات لشرطي وسنتين لآخر وتبرئة الثالث في قضية ياسين شبلي ومحاميه يصف الأحكام ب"الصادمة"    الصين تعلن عن التجارب الجديدة لعلوم الحياة في محطة الفضاء    في 58 دائرة انتخابية.. "الأحرار" يهيمن على نتائج الانتخابات الجماعية الجزئية    شراكة رائدة بين بيوفارما و الفدرالية المغربية لمربي أبقار سلالة أولماس – زعير لتطويرهذه السلالة المغربية    خالد بوطيب يجبر فيفا على معاقبة الزمالك    كيوسك الخميس | المغرب وجهة استراتيجية للمصنعين الأوروبيين للسيارات    جهة الداخلة – وادي الذهب تضع الاستثمار في صلب دينامية التنمية الجهوية    برادة يحوّل التكريم إلى "ورقة ترافعية" لصالح المغاربة و"اتحاد الكتاب"    السبتي: العنف الهستيري ضد غزة يذكّر بإبادة الهنود الحمر و"الأبارتايد"    "الذكاء الاصطناعي" يرشد الفلاحين بالدارجة في المعرض الدولي بمكناس    إيواء شاب يعاني نفسيا مستشفى انزكان بعد احتجاج عائلته على عدم قبوله    مشاركة OCP في "سيام".. ترسيخٌ للعنصر البشري في التحول الفلاحي    منتوج غريب يتسبب في تسمم 11 طفلا باشتوكة    مقاضاة الدولة وأزمة سيادة القانون: الواقع وال0فاق    الحكم الذاتي والاستفتاء البعدي!    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    الحل في الفاكهة الصفراء.. دراسة توصي بالموز لمواجهة ارتفاع الضغط    أمريكا تتجه لحظر شامل للملونات الغذائية الاصطناعية بحلول 2026    المغرب يعزز منظومته الصحية للحفاظ على معدلات تغطية تلقيحية عالية    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقاطع عبثية، على هامش الانتخابات المحلية
نشر في أخبارنا يوم 03 - 10 - 2015

ضمن فعاليات مسرح اللامعقول المنتصبة خشبته على امتداد التراب الوطني, تابع المغاربة بدهشة واندهاش مسرحيات جرت أطوارها على هامش انتخابات الرابع من شتنبر, أدى ممثلوها أدوارهم مخلصين لمنهج العبث الذي لم يفارقهم ولم يفارقوه على طول أدائهم للعروض, وبعد هذا الأداء, محققين ميزة التفوق على أبطال مسرحيات هذا الفن, بحيث تبدو المغنية الصلعاء والنادل الأخرس ( وهما بطلا مسرحيتين عبثيتين عنونتا باسمهما) مجرد تلميذين لهم, وهو ما يجعلني أعتقد أن الرواد الأوائل لمسرح اللامعقول لو قدر لهم أن يكونوا على قيد الحياة و يتابعوا أطوار هذه المسرحة, لمنحوا وسام الاستحقاق من درجة دمى وعرائس لممثليها الذين تفننوا في إظهار عجزهم عن امتلاك أي وجود مستقل وأي أبعاد سيكولوجية أو اجتماعية أو ثقافية واضحة, وعجزهم عن التواصل فيما بينهم، سوء تواصل يبدو جليا من خلال حوارات مبتورة تفتقد إلى التجانس والترابط, يتحدثون من خلالها بلغة غير مفهومة جعلت كلا منهم عاجزا عن فهم الآخر.
وكما لو أن مسرحيات "الكراسي" و"الخراتيت" و"نهاية اللعبة" و"البينغ بونغ" كتب لها أن تتجسد على أرض الواقع, فإن المتتبع لكثير من أطوار اللعبة الانتخابية في نسختها المغربية يستنتج أن التشابه بينها وبين النماذج المذكورة يصل حد التماهي والاندماج, فهي بدورها تميزت ببداية دون أن تعلن عن نهايتها, أو تؤشر على وجود نهاية, وبأفكار غامضة عرضت بشكل غير متسلسل وغير منطقي, وبلغة هي أقرب ما تكون إلى أصوات وكليشهات فارغة من أي معنى, لغة هي قاب قوسين أو أدنى من أن تكون سفسطة وملء فراغ وكلاما من أجل الكلام. هكذا إذن رأينا جميعا كيف أن مسرحية "البينغ بونغ" لكاتبها آداموف تجسدت بكل تفاصيلها على أرض واقع تمسرح, واقع تقمص فيه دور بطلي المسرحية، آرتور وفكتور، الذين عجزا عن الحب والإبداع والانتماء بعدما استعبدتهما آلة اللعب الواعدة بالمال والقوة والنساء, أقول تقمص دورهما منتخبون أفلحوا إلى حد بعيد في تجسيد وإعادة إنتاج نفس السيناريو باحترافية منقطعة النظير، جاعلين منا نحن المواطنين المستهدفين بلغتهم الخشبية تلك الكرة الصغيرة التي لا يكلون ولا يملون من دحرجتها بينهم إلى ما لا نهاية، دون أن تكون لها القدرة، أو تملك بعضا منها لاتخاذ قرار التوقف أو الشكوى أو التمرد.
ولمن فاتته المشاهدة، ولمن شاهد ويحتاج إلى تذكير، والذكرى تنفع المومنين، سأعرض فيما يلي جزءا من مقاطع اللامعقول السياسي والعبث التي تشهد على عبقرية ممثلين استطاعوا أن يحولوا أفكارا مجردة، وأن يخرجوا نصوص اللامعقول من رفوف المكتبات لتصبح واقعا معيشا.
المقطع الأول: رئيس الحكومة المشرف الأول على الانتخابات يطالب الجهات المختصة بالضرب بيد من حديد على يد المفسدين الذين يستعملون أموال المخدرات في الحصول على أصوات المواطنين وشراء ذممهم، كما لو كان السيد بن كيران يتزعم المعارضة ولا يملك القرار، ولا يجد من حيلة إلا أن يتوجه بالخطاب إلى عبد الإله بن كيران رئيس الحكومة!!!
المقطع الثاني: حميد شباط يتهم رئيس الحكومة بالانتماء إلى داعش، ويجعل أولى أولويات حملته الانتخابية تحصين مدينة فاس من دخول الدواعش إليها، وعشية يوم الاقتراع يعلن إيمانه بفكرهم ودخوله تحت لوائهم.
المقطع الثالث: منتخبون يبنون مجدهم على أنقاض رؤساء جماعات تفننوا في تقديمهم إلى المواطنين في صورة بشعة، كلصوص أتوا على أخضر جماعاتهم ويابسها... حينما فازت لوائحهم وتمكنوا من الصعود إلى كراسي الرئاسة مرت عمليات تسليم المهام بينهم وبين هؤلاء "اللصوص" في جو أخوي هادئ يطبعه الاحترام المتبادل، في ظل حرص كل طرف على دغدغة مشاعر الآخر، حيث شكر اللاحق السابق على تفانيه في أداء واجبه، وتعبيره عن روح وطنية عالية خلال مدة انتدابه، وتمنى السابق للاحق بدوره أن يكون خير خلف لخير سلف.
المقطع الرابع: مستشارون شاركوا رؤساءهم في الولاية السابقة تدبير جماعاتهم، وكانت أصواتهم ومواقفهم دائما تحط الرحال بجانب الرئيس، ولم تصدر عنهم ولو شكاية واحدة حول طريقة تسييره للشأن المحلي، بل استعملوا كل مساحيق التجميل لإظهارها أمام الناس في أبهى وأحسن حلة، وأثناء الحملة الانتخابية تبرؤوا منه ومن طريقة تدبيره الفاشلة، وكشفوا للناس وجهها القبيح بتقرحاته وندوبه، محملين إياه وحده مسؤولية الوضع المتردي الذي آلت إليه جماعاتهم، وعند إعلان النتائج تحالفوا معه من جديد، وشكلوا وإياه مكتبا جديدا، معلنين استمرار التنسيق من أجل إتمام إنجاز المشاريع الكبرى التي دشنوها وإياه في الولاية السابقة.
المقطع الخامس: مستشارون رفعوا شكايات إلى القضاء يتهمون فيها خصومهم بإفساد العملية الانتخابية وتوزيع المال الحرام، محذرين في الوقت نفسه المواطنين من مغبة التصويت عليهم، لأنهم مجرد "شناقة" سيعمدون إلى استنزاف ميزانية الجماعة لتعويض ما فقدوه من أموال... وفي آخر المطاف تحالفوا معهم، ومنحوهم أصواتهم، ليتأتى أخيرا لهؤلاء المسمون "شناقة" الجلوس على كرسي الرئاسة.
المقطع السادس: مستشارون حذروا المواطنين من مغبة الوقوع في فخ شهادة الزور إن هم صوتوا لصالح الفاسدين، ومنهم من اجتهد فأفتى بأن المرء سيحشر يوم القيامة مع من صوت عليه، وأرفق فتواه بخطاب عاطفي أظهر من خلاله أنه إنما يخاف علينا أن يمسنا عذاب من الرحمان إن اتخذنا مع هؤلاء سبيلا، وبعد إعلان النتائج تحالف المحذرون (بكسر الذال) مع المحذر منهم (بفتح الذال)، وأخذوا معهم الصور التذكارية، ووقعوا وإياهم مواثيق الشرف، مبشرين المواطنين بأنهم سيجعلون وحلفاءهم من جماعاتهم جنات فوق الأرض.
هاهنا قاطعني رائد العبث واللامعقول يوجين يونسكو، وحال بيني وبين إتمام مقاطعي، حينما تدخل قائلا: " يبدو لي هذا الواقع وكأنه خال من المعنى، وهو واقع غير واقعي... هذا الشعور بزيف الواقع عبرت عنه شخصياتك التائهة في عدم الانسجام، والتي لا تملك شيئا خاصا خارج قلقها وندمها وإخفاقاتها وهجر عالمها، كائناتك غارقة في غياب المعنى... هكذا بدا لي عالمكم غير مفهوم، وأنتظر أن تفهموني إياه".[1]
اطمئن سيدي يونسكو لن تفهم شيئا من هذا الواقع، ولن نفهم نحن كذلك، ولن يفهم الممثلون الأدوار التي يؤدونها، فكلنا سائرون في درب العبث واللامعقول و "كيف ما شفتيها خليها"، وقبل أن تنتهي المحاورة تدخل العبثي صمويل بيكيت، واقترح علينا أن ننتظر "غودو" ليخلصنا من يأسنا وحيرتنا ويزيل عن تساؤلاتنا القلقة نقط استفهامها العريضة، ثم توارى عن الأنظار، مضيفا إلى عبثنا عبث انتظار تلظينا فوق جمره وسط يأس قاتل، عبث تحول إلى رعب، بعدما عمر طويلا دون أن تلوح في الأفق بوادر ظهور هذا "الغودو" الذي عمر انتظارنا له طويلا حتى هرمنا وهرم وشاخ هذا الانتظار ، وهو الذي خرج إلى الوجود منذ الخمسينات من القرن الماضي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.