لم تكن جلسة أمس الثلاثاء 21 يوليوز 2015 الأولى من نوعها التي طالبت خلالها الوزيرة السابقة نزهة الصقلي من وزير الأوقاف أحمد التوفيق توظيف المسجد لتمرير مطالب فريق التقدم الاشتراكي ذي المرجعية الشيوعية. حيث سبق أن طالبت وزيرة التضامن والأسرة السابقة نزهة الصقلي خلال اجتماع وزاري من وزير الأوقاف "البحث عن مبرر شرعي لمنع أذان صلاة الصبح لأن ذلك يقلق راحة السائحين"، وفقا لصحيفة الأسبوع. وهو ما خلف -حينها- استياء عارما لدى الشارع المغربي؛ الذي شجب هذا التصرف؛ وطلب من الوزيرة أن تنكب على معالجة الوضعية المزرية التي بلغتها الأسرة المغربية خلال ولايتها، وتعمل على إصلاح صورة المرأة المغربية التي بات ذكرها يقرن في العالم أجمع بالدعارة وتجارة الرقيق الأبيض؛ بدل التدخل في أمور ليست من تخصصها. كما أن علاقة الوزيرة السابقة المثير للجدل بالعري واللباس المخل بالحياء ليس وليد اليوم، حيث تدخلت إبان نشر "نادية لاركيت" زوجة نور الدين الصايل؛ مدير المركز السينمائي المغربي سابقا؛ صورة لها وهي عارية من أي لباس، وقد صور نصفها العلوي، واضعة يدها على ثدييها ببطن حامل، على مجلة "فام دي ماروك". واعتبرت الصقلي حينها الصورة التي صدمت الكثيرين وأحدثت نقاشا حادا أنها "صورة عادية تماما.. وطبية في جانب كبير منها، ولا تحمل ملامح الإثارة والجنسية". وهذا أمر مفهوم تماما اعتبارا للمرجعية اللادينية التي يصدر عنها حزب التقدم والاشتراكية؛ لكن الذي يظهر من خلال التدخل الأخير لنزهة الصقلي في البرلمان والذي طالبت فيه ب"حق المرأة المغربية أن تلبس الكسوة أو السروال أو المايو في البحر، على غرار الرجل الذي إذا أحس بالحرارة فإنه يعري صدره ولا يكلمه أحد"، أنها تصريحات "فنتازية" استعراضية أكثر منها شيء آخر. لأن وضعية المرأة المغربية لا تخفى على أحد؛ ولباسها بلغ درجة من العري والتهتك والانحطاط لم يبلغها من قبل. والجهود الكبيرة التي بذلها الفصيل العلماني على مستويات التعليم والإعلام والأسرة آتت أكلها، وإن اقتصر الأمر على جانب السلوك والممارسة؛ ولم يبلغ التغيير القناعات والأفكار بدرجة كبيرة. لكن على كل حال شوارعنا العامة تحكي الحال الذي وصلنا إليه، ولا يحتاج المتابع إلى عناء كي يدرك أن العري ولبس السروال و"الصايا" و"المايو" و"الميني جيب" و"الطاي باس" وغيرها من الألبسة الغربية صار أمرا منتشرا ومستفحلا. والغاية من وراء هذه الخطابات الشاردة والمعارك الوهمية هو إثبات الوجود ولفت الأنظار؛ فالانتخابات على الأبواب، والحزب الذي يحظى بالأغلبية في البرلمان ذي مرجعية إسلامية، فلا مناص إذا من إثارة معركة الحريات الفردية من أجل ضخ دم الحياة في عروق كائنات حزبية شاخ جسدها وتكلس فكرها وفاتها القطار، وهي تسعى إلى العودة إلى الواجهة وإن بمواقف وخطابات شاذة تثير السخرية كثيرا والاشمئزاز أحيانا. إلا أن الغريب في تدخل الصقلي المثيل للجدل والذي طالبت فيه بأن المرأة حرة أن تلبس "المايو" و"الصايا" و"السروال" أنها قالت أنها -أي المرأة المغربية- "مسؤولة ماشي غتخرج على القواعد لي هي معروفة ومن حقها أنها تلبس لي بغات". فما هي يا ترى هذه القواعد المعروفة التي أحالتنا عليها الشيوعية السابقة والليبرالية الحالية عضوة الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية؟ ومن يحدد هذا العرف المعمول به مجتمعيا في اللباس؟ قلتها قبل وأكررها في الختام أن الوضعية التي بلغتها المرأة المغربية فيما يخص العري واللباس المخل بالحياء والقيم التي عشنا عليها، لم تبلغها في عصر من العصور من قبل، لكن هذا الواقع المخزي بدأ يتململ نحو التغيير، وبات المجتمع يعود إلى أصوله وقيم دينه، وأكثر من هذا لجأ بعض المواطنين إلى الاستنكار والتعبير عن ذلك عمليا في محطات مختلفة. ما يستوجب من الحكومة التدخل وأخذ ردود أفعال المجتمع بعين الاعتبار؛ وعدم تجاهلها والاقتصار على المقاربات الزجرية؛ كما وقع مؤخرا. أكيد أن في مناشدة الصقلي للتوفيق ببذل مجهود لنشر ثقافة المساواة وحرية اللباس رسالة يجب قراءتها والوقوف عندها مليا؛ فلولا مواقف وزير الأوقاف المتكررة التي تتماهى مع مطالب التيار العلماني، وسياسته القمعية اتجاه العلماء والخطباء ومنعهم من القيام بواجب النصح والبيان، وحرصه الشديد على فصل الدين عن الشأن العام والسياسة والواقع المعاش، وادعائه -مثلا- أن موازين مسألة خلافية بين الفقهاء.. لما طمعت الصقلي في استمالته ولما خصته بالحديث في تدخلها الذي سيسجل بكل تأكيد في خانة التدخلات الشاذة والنشاز.