مرت 16 سنة على وفاة الملك الراحل الحسن الثاني رحمة الله عليه ، نعم كان ذلك اليوم ، يوم جمعة, أتذكر جيدا و انا ابن 18 سنة ، بعد عصر تلك الجمعة التي توازي تاريخ هذا اليوم أي 23/07/1999 ، الموافق ل 09 ربيع الثاني ،رغم أن ذكرى وفاة الملوك و السلاطين يتم تقويمها بالتاريخ الهجري ، بدت حركة غير عادية في كل شارع و زقاق بالصخيرات ، شبه إنزال لرجال السلطة و الدرك و أيضا العساكر ، لدرجة أن الكل انتبه لهذه التحركات غير الطبيعية ، تلاها بث مفاجئ و بشكل غير معتاد لآيات القرآن الكريم بالقناتين الاولى و الثانية ، قبل أن يتم الاعلان الرسمي عن وفاة الحسن الثاني حوالي الساعة السادسة مساء، حيث عم الحزن في جميع ربوع المملكة ، و خرج المواطنون إلى الشوارع بكل طواعية تعبيرا منهم عن وفاء و حب كبيرين صنعا مجد هذا الوطن الحبيب في ظل عرش ملك عد من أبرز ملوك سلاطين جيله ، ملك عبقري داهية استطاع بتبصره و حكمته البالغة ان يرسي الدعائم الأولى لمغرب اليوم منذ ذلك الزمن الجميل ، قبل ان يتذكره الرحمان ، و يختار أن ينتقل إلى جواره تعالى . و بالرجوع إلى بعض الكواليس الخاصة ،و الدقيقة التي رويت عن الحسن الثاني يوم وفاته، و التي قالت أن الراحل ظل طيلة صبيحة يوم الجمعة تحت العناية المركزة، حيث تناول دواءه بشكل عادي، ولم يجد أطباؤه أدنى سبب لتنقيله لمستشفى ابن سينا، فقد كان يتحدث مع أبنائه وطاقمه الطبي دون أدنى صعوبة، وفي الزوال وبشكل مفاجئ سقط الحسن الثاني مغمى عليه، وفقد الوعي تماما، فتم تنقيله على وجه السرعة إلى مستشفى ابن سينا بالرباط، ووضع بجناح الأمراض القلبية. حضر جل أبناء الحسن الثاني، وأصهاره باستثناء الأمير مولاي هشام، الذي استقل مباشرة بعد علمه بخبر نقل الحسن الثاني للمستشفى، أول طائرة متجهة نحو المغرب، لكنه وصل متأخرا عند الساعة الخامسة زوالا. أعلن عن وفاة الحسن الثاني عند الساعة السادسة زوالا، بعد أن نقل لمستشفى ابن سينا في حالة غيبوبة، وبعد محاولات طبية فاشلة لإنقاذ حياته. ومع الزوال بث التلفزيون المغربي آيات من القرآن الكريم، استمرت من الثانية إلى الثالثة زوالا، أما الأمير سيدي محمد وولي العهد، فقد هاتف الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي ليطلعه على الأمر، وفي الساعة العاشرة ليلا اجتمع جميع أفراد العائلة الملكية بالقصر الملكي بالرباط، بعد أن نعى ولي العهد وفاة والده إلى الشعب المغربي، وسط غياب النساء عن حفل تقديم البيعة احتراما للتقاليد المرعية داخل العائلة العلوية. وقف كل من الأمير مولاي رشيد، والامير مولاي هشام، وشقيقه مولاي إسماعيل إلى جانب محمد السادس، بعد أن بايعوه ملكا جديدا للمملكة، كما قدم العلماء، وأعضاء الحكومة، وكبار ضباط الجيش بدورهم البيعة للملك محمد السادس. ارتدى الملك والأمراء الجلباب المغربي، باستثناء الأمير مولاي هشام، الذي لم يسمح له الوقت لتغيير ملابسه. وبقلمه وقع الجميع على وثيقة البيعة، بقيت أبواب القصر الملكي موصدة احتراما لروح الراحل الحسن الثاني، انتهى حفل البيعة عند حلول منتصف الليل، كما رسم الحسن الثاني ذلك، حيث كان يحرص على انتقال سلس للعرش إلى ابنه، ومباشرة بعد ذلك اجتمع الملك الجديد بعائلته، فتحدث الجميع فيما بينهم في جو من الدموع والحزن إلى حدود الساعة الرابعة صباحا، حيث انفض الجميع استعداد لجنازة الراحل الحسن الثاني ، التي كانت جنازة أسطورية بحجم و قيمة هذا الملك العبقري ، حضرها عظماء العالم و ملوكه و رؤوساه ، ناهيك عن أفراد شعبه من أقصاه إلى أقصاه جاؤوا ليلقوا النظرة الاخيرة لملكهم المحبوب الحسن الثاني رحمة الله عليه.