كنت في الشارع وإذا بفتاة جميلة تقف على الرصيف، في حلة وكأنها في ذاهبة إلى حفل الزفاف.. مثير لباسها،شقراء شعرها..عيناها جميلتان بفعل العدسات والألوان. بدأ بعض الشباب، ممن يجلسون على رصيف المقهى يراقبون حركاتها..يصفرون وكأنهم يطلبون النادل: بيبسي..كل منهم يريد أن تلتفت إليه.. بعضهم يعض شفتيه..البعض يتوقف بسياراته أمامها لعلها تكن من الصاعدات.فجأة،جاء أحدهم يحرك ذراع دواسة دارجته بنعليه.. وقف أمامها لعلها تلتفت إليه.. لكنها لم تلتفت.. فقط تبسمت برقة تكاد لا تلمح..ربما استصغارا لشأنه، أوأنها راضية عن مقدار رضى الناس عنها..كيف لا وهي المثيرة برأي كل من حولها..ذهب صاحبنا ثم عاد وكأنه ندم أو فكر وفسر حركة عينيها وإيماءاتها تفسيرا يصب في صالحه..لكنها لم تلتفت للمرة الثانية..قرر أن ينزل إليها فصاحبنا شجاع بما يكفي لأن الصيد ثمين بمنظوره.. أخذ يركن دراجته الهوائية فالقضية تحتاج لحوار.. وما انتهى وهم بالقدوم حتى بسيارة جميلة وأنيقة تتوقف.. تصعد الفتاة إلى جانب السائق الوسيم والثري.. ينطلقا بسرعة كبيرة.. بقي صاحب الدراجة يراقب السيارة والفتاة وهما تغيبان عن عينيه غياب شمس المغيب.. كأنه كان في حلم واستيقظ.. انتبه لضحكات مستفزة من سكان الرصيف وكأنهم يرشون الماء على وجهه ويقولون له:استفق يا مغفل..شعر بألم الفرق والفراق.. شعر بألم الفقر والحقرة والتهميش وضياع الفرص في مقابل الثروة والتمكن لمن يسرت له الدنيا. كانت هذه واقعة من وقائع ظاهرة التحرش الجنسي التي شهدت عليها،ظاهرة يتطلب تقسيمها،فكلمة تحرش تستلزم الفاعل والمفعول به، أي المتحرش والمتحرش به،ومن هنا فتحرَّش فلان بالشَّخص أي تعرَّض له ليهيِّجه ويستفزَّه .أما كلمة الجنسي فتعني الطبيعة إما مذكر وإما مؤنث، وبالتالي فنحن أمام فعل قد يكون فرديا أو جماعيا يمارس من قبل طرف ضد طرف بغية تهييجه من أجل تلبية رغبة جنسية دفينة.إن التحرش يمارس من كل الشرائح الاجتماعية بدون استثناء في ظل الكبت الجنسي الرهيب لأسباب اجتماعية وتربوية وأخلاقية. يحصل غالبا في أماكن الازدحام كالشوارع والحافلات والشواطئ والأعراس حيث تتاح فرص التنفيس عن الكبت وتفريغ الشحنات الجنسية وفرار الغريزة من عقالها. في الحافلات مثلا ترى مشاهد الاحتكاك والالتصاق العمد، خاصة إذا تواجدت الطالبات والمدرسات والتلميذات. في الشوارع والشواطئ يوجد تحرش على الهواء وتحت الماء وفوق الرصيف. أما في الأعراس المختلطة فكل ضاغط على الزناد يقنص، وكل يتابع طريدته، وأحيانا يتحول الرقص والغناء إلى تحرش أمام الملأ،كيف لا وكلمات معظم أغانينا تحوي معجما تحرشيا ناعما وخشنا،كيف لا ومن الرقص ما هو افظع من التحرش،خاصة رقص الراقصات، لغة يستنبط منها التحرش وأخوات التحرش بإرسال رسائل بالمرموز ليظل الفاتح فمه في فرقة الغناء فقط الغير المعنيين ،والذين جاءوا بنية خالصة،أما الذئاب ففي أفعالها تنسج وتحيك. حتى ما يسمى بالغرامة فظاهرها تنافس في الكرم وتملك للمال،وباطنها عند البعض لغة تحرشية لا يفهمها سوى الفاعل والمفعول. لقد تعايش مجتمعنا المغربي مع التحرش فسادت ثقافة التطبيع معه ،حتى أن بعض الفتيات لا يرضين بغيره بديلا، فهو ترجمة إحصائية لعدد المعجبين، عدد ينم عن مدى جمالهن حسب اعتقادهن،حتى صار بعضهن يسرن أمام السيارات وعينهن على ردة فعل السائق. اعتبر البعض أن الشبان المتحرشون ضحية المجتمع؛ فحتى لو كان هذا صحيح نسبيا، إلا أنه لا يمكن أن يكون سببا كافيا لقيامهم بانتهاك خصوصيات الآخرين والتعدي عليهم. والقول بأن ملابس المرأة وفتنتها هي السبب هو تبرير سطحي وعقيم، لأن في هذا تشريع للفوضى في المجتمع، إذْ وبنفس المعيار سنكون مدعوين لتبرير السرقة؛ لأن السارق لم يقدر على مقاومة إغراء المال، وتبرير سطو جائع على مطعم لأنه عجز عن مقاومة إغراء الطعام الشهي، وتبرير كل الجرائم من بعدها لأن المجرم لم يتحكم في غضبه أو في غرائزه وشهواته، أي دعوة للعيش في شريعة الغاب. فالأوْلى أن يتحكم الإنسان في شهواته وغرائزه ويضبطها، قبل أن يفرض على الآخرين كيف يجب أن يكون مسلكهم ولباسهم .. فالتحكم في النفس هو الفرق بين الإنسان والحيوان.إن تجريم فعل التحرش يستلزم توفر أدلة قطعية تؤكد عدم حصول تناغم ورضا بين المتحرش والمتحرش به، وإلا أصبح قانون تجريم الظاهرة كلمة حق يراد بها باطل.ثم إن التوعية بالظاهرة ومخاطرها عن طريق المقاربة التروية والحقوقية لابد أن تكون النبراس الحقيقي قبل التفكير في إنزال العقاب ,