إذا عدنا إلى الأحداث السياسية والأمنية التي عاشها المغرب هذه السنة التي لن يبق في حياتها من العمر سوى بضعة أيام، والتمعن بعين عقل وفكر في كل ما جرى ويجري، سنلاحظ بل سنتوصل إلى نتيجة واحدة وهي أن كل هذه الأحداث مرت وكأنها مسلسل تلفزيوني قام بتمثيل أدواره عدة ممثلين محترفين في مجال الإجرام والنصب والاحتيال. وحتى لا نعود إلى ظهور ما يسمى بالربيع العربي الذي خلف رضيعة تم تسجيلها في سجل الحالة المدنية المغربية تحت إسم حركة 20 فبراير، وما جاء بعدها من أحداث متتالية كحادث أركانة واعتقال في نفس اليوم الزميل رشيد نيني والاستيلاء على شركته الإعلامية، تعديل الدستور، انتخابات برلمانية سابقة لأوانها، حادث سير الذي تعرض له الجنرال العنيكري، تعيين فؤاد العالي الهمة مستشارا للملك... ستتضح لنا الرؤى. في الحقيقة إنها أحداث مترابطة ومتشابكة ، وكأنها سلسلة مكسيكسية مدبلجة باللهجة المغربية. لا يهمنا من هو المخرج لأن إسمه غالبا ما يكون في آخر الكتابة الإلكترونية للجنريك وبخط عريض حتى يتعرف الجمهور على صاحب المشروع التلفزيوني أو السنمائي، في المقابل نجد أسماء الممثلين الرئيسيين دائما في مقدمة الجنريك ومن ثم أسماء الممثلين الثانويين. وهذا ما حدث بالمغرب خلال هذه السنة ولا زال مستمرا، وخصوصا بعد فوز العدالة والتمنية في الانتخبات التشريعية الأخيرة التي هي جزء من المسلسل المكسيكي المدبلج. الغريب في الأمر أنه تم تعيين رئيسا للحكومة من طرف العاهل المغربي، لكن لم ينشر في الجريدة الرسمية ظهير التعيين كما هو منصوص عليه في الدستور، في المقابل نجد عباس الفاسي لازال يزاول مهامه كرئيسا للحكومة بين قوسين ! في المقابل يتفاوض عبد الإله بنكيران مع رئيس الحكومة عباس الفاسي من أجل تشكيل حكومة، ما يعني تفاوض بين رئيسين لحكومة واحدة وهمية ... إذا عدنا إلى الجارة الشمالية الإسبانية التي يقتدي بها المغرب، فسنجد أن خوسي لويس راخوي زعيم الحزب الشعبي شكل حكومة قبل فوزه في الانتخابات، وبمجرد تم الإعلان رسميا عن الفوز الساحق وفي ظرف أسبوعين كان كل شيء جاهز لتسيير البلاد سياسيا ،اقتصاديا ،اجتماعايا و... يعني كان كل شيء تم التحضير له منذ شهور قبل الانتخابات. أما في مغربنا حيث تنطبق عليه المقولة الشعبية الشهيرة: * ما دمت في المغرب فلا تستغرب *، نجد رئيس حكومة منتخب يتفاوض مع رئيس حكومة لازال يزاول مهامه وهذا خرقا واضحا للدستور والقوانين، وإن دل ذلك على شيء إنما يدل على أن عباس الفاسي تم الاحتفاظ به واستخدامه من مخرج المسلسل للضغط على الممثل الرئيسي عبد الإله بنكيران للخضوع للشروط والقيود المفروضة من الجهات العليا، وحتى أكون واضحا أكثر، شروط وقيود مستشاري الملك الجدد وعلى رأسهم فؤاد العالي الهمة الذي كان بالأمس القريب رأسه مطالبا في الشوارع المغربية. لكن ذكائه وحنكته في لعبة الشطرنج، ساعداه للخروج من النافذة والعودة من الأبواب الواسعة ليتحكم في زمام الأمور بجانب زملائه في الدراسة.