تقديم كتاب الصحراء المغربية أرض النور والمستقبل بدوسلدورف ألمانيا    من المسؤول عن تعطيل عملية تسليم الشقق للمنخرطين في مشروع القدس 1 المنتهية أشغاله بودادية النجاح للسكن بأكادير    المنتخب المغربي يصل إلى فرانسفيل    السياحة المستدامة والتحول الرقمي محور الدورة الثالثة لملتقى المقاولة بالحسيمة    "الفعل الاجتماعي" في المغرب .. مسؤولية الحكومة وانتظارات المواطن    المغرب والسعودية يتفقان على تسهيل عملية ترحيل المحكوم عليهم بين البلدين    مسؤول برئاسة النيابة العامة يوضح النطاق المحمي بمقتضى قانون الصحافة وموجبات تطبيق القانون الجنائي    الولايات المتحدة.. ترامب يعين ماركو روبيو في منصب وزير الخارجية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    جهة الداخلة تعزز الشراكة مع إسبانيا    هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة غدا الخميس بعدد من أقاليم المملكة    باليراريا" تنقل فرق مغربية ومعدات شفط المياه لدعم جهود الطوارئ في فالنسيا            رقم قياسي.. المغرب استقبل 14.6 مليون سائح حتى متم أكتوبر الماضي    أمن العيون يطيح بشبكة إجرامية تنشط في سرقة الأسلاك الكهربائية    تقرير: 16% فقط من المغاربة يعيشون حياة "مزدهرة" و69% يفكرون في تغيير وظائفهم    جمعية ثاويزا آيث شيشار تكتشف و ترصد دولمن مدفني بجماعة بني شيكر يعود لألاف السنين    لجنة المالية تصادق على مركزية الأجور والمناصب المالية وصفة موظف عمومي لمهنيي الصحة        المغرب يستقبل أكثر من 14 مليون سائح في 10 أشهر    في لقاء إعلامي قبل التوجه إلى الغابون : الركراكي يؤكد أن المنتخب الوطني يشهد تنافسية كبيرة وزياش يغيب بسبب ضعف الجاهزية    شاحنات مغربية تصل إلى إسبانيا للمساهمة في إزالة مخلفات "دانا" بفالنسيا    المغاربة يواصلون الاحتجاج ضد الإبادة في غزة ومطالب بتوضيح حكومي حول سفينة متجهة لإسرائيل    لأول مرة.. "حزب الله" يعلن استهداف وزارة الدفاع الإسرائيلية بتل أبيب    تقديم 21 شخصا أمام وكيل الملك بتارودانت على خلفية أحداث شغب مباراة هوارة وأمل تزنيت    المغرب يحتضن المرحلة الأولى من الدوري الإفريقي لكرة السلة    أخنوش يبرز تجربة المغرب في "كوب29"    فيضانات جديدة تجتاح جنوب وشرق إسبانيا    هذا ما قرره وكيل الملك بتارودانت في حق المتورطين في أحداث شغب ملعب هوارة    بعد قطع عملية الإعدام الأولى .. إعدام رجل شنقا "للمرة الثانية"    "ذي غارديان" تتوقف عن نشر محتوياتها على "اكس"    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (الجزء2 فيديو)    بمناسبة اليوم العالمي لداء السكري…كيف نقي أنفسنا من داء السكري؟ غزلان لحرش تجيب عبر "رسالة24"    الركراكي يستدعي رضا بلحيان لتعويض أمير ريشاردسون المُصاب        ملف الطالب بدر يعود للمحكمة وهذه تفاصيل أولى الجلسات    صندوق النقد الدولي يشيد ب"التقدم المطرد" الذي يحققه المغرب    الدوري السعودي يضم 7 لاعبين بين أعلى الأفارقة أجرا عالميا ب 2.9 مليون إسترليني أسبوعيا    وليد الركراكي: لن نبكي على أحد.. من يريد تمثيل المغرب عليه بالصبر    حميد زيان ينهي تصوير الشريط التلفزيوني "بنت العم"    فيلم "مورا يوشكاد".. يجوب قاعات السينما المغربية ويكشف مآساة الاستغلال القسري للعمال المغاربة بفرنسا    واقعة الصفعة تحيل الفنان عمرو دياب إلى محكمة الجنح    احتفاء بالمنتخب الوطني للملاكمة بعد احرازه بطولة إفريقيا بكنشاسا    فوز البريطانية سامانثا هارفي بجائزة بوكر الأدبية العريقة للعام 2024    اختبار أول شبكة اتصالات تجمع الذكاء الاصطناعي وتقنية الجيل الخامس    إفريقيا تعتمد اختبار "بي سي آر" مغربي الصنع للكشف عن جدري القردة    أسعار صرف العملات العالمية مقابل الدرهم .. التحليل الكامل    كابوس النظام الجزائري ماركو روبيو.. المرشح الأبرز لمنصب وزير للخارجية الأمريكية في إدارة ترامب    "أجيال" ينقل الجمهور إلى قطاع غزة    حملة توعية بضرورة الكشف المبكر عن سرطان الرئة    تقارير.. المغرب من أكبر مستوردي الأدوية الروسية في إفريقيا    دراسة: تناول الدهون الصحية يقلل من احتمالات الإصابة بالسرطان    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهوية المغربية و تحدي التحالف الصفوي-العرقي
نشر في أخبارنا يوم 16 - 06 - 2015


- من وحي الأحداث .. توضيح لابد منه
بعد إفراغ المكون الأمازيغي من شحنته الوطنية الأصيلة، باعتباره مكونا أساسيا من مكونات الهوية الوطنية إلى جانب العروبة و الإسلام، يبدو أن التيار العرقي قد حول الأمازيغية إلى حصان طروادة يوظفه كل من يريد اختراق النسق الهوياتي المغربي لتفكيكه من الداخل، فبالإضافة إلى التوظيف الصهيوني و الفرنكفوني للأمازيغية، الذي كشفنا عنه في مقالات سابقة باعتماد دلائل واضحة و مكشوفة، نجد التيار العرقي يكشف عن لعبة جديدة، في إطار التحالف العرقي الصفوي الموجه، بالدرجة الأولى، إلى تصفية الحساب مع مكون العروبة في النسق الهوياتي المغربي.
يتعلق الأمر بما تم الإعلان عنه إعلاميا تحت مسمى "الائتلاف الإسلامي الأمازيغي" و هو ائتلاف يجمع بين مكونين مختلفين، بل و متناقضين، يدعي أصحاب الائتلاف أن الهوية المغربية توحدهما !!!
• من جهة، هناك المكون العرقي الأمازيغي، و عندما نتحدث عن البعد العرقي فإننا لا نقصد الأمازيغية كمكون هوياتي وطني تجسده مجوعة من الرموز الوطنية مثل: المختار السوسي و عبد الكريم الخطابي ... و لكن نقصد الخطاب الإيديولوجي العرقي الذي يعتبر منتوجا كولونياليا خالصا تم إنتاجه في مختبرات السوسيولوجيا الكولونيالية، و تم توظيفه في ساحة المعركة بهدف تفكيك الروابط الاجتماعية و السياسية في المغرب.
• و من جهة أخرى، هناك المكون المذهبي الصفوي الشيعي، و هنا نميز كذلك بين المذهب الشيعي في بعده الديني الخالص، و هو بذلك مذهب إسلامي يمتلك رؤيته الدينية الخاصة التي يجب مجادلتها بالعلم و احترام مبادئ الاختلاف، و بين الإيديولوجية الصفوية الفارسية التوسعية التي توظف المذهب الشيعي من منظور استراتيجي قائم على أساس استعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية القديمة، من خلال السيطرة على الامتداد العربي الإسلامي، مشرقا و مغربا، بادعاء الانتماء إلى المذهب الشيعي.
هذا التوضيح ضروري، لكي لا نسقط في اللعبة المذهبية- العرقية الخبيثة التي تسعى إلى تعويم النقاش، و ذلك حينما توظف مكونات الهوية المشتركة لصياغة وضعيات إيديولوجية خاصة، و الهدف من ذلك امتلاك حق الحديث باسم التاريخ و رهانات الحاضر و المستقبل، بصيغة جمعية، مع العلم أن الأمر يرتبط بأجندة فئوية خاصة توظف العرق و المذهب لتحقيق مشروع لا ينسجم، بالضرورة، مع المشترك الاجتماعي و السياسي، على مستوى الوطن و الأمة.
و هذا التوضيح ضروري كذلك لأن المجندين العرقيين و المذهبيين يمتلكون أجوبة جاهزة على الأسئلة المثارة، فهم غالبا ما يحسمون النقاش مع كل مختلف عبر استدعاء نظرية المؤامرة، و كذلك عبر ادعاء المظلومية، فهم دائما يدعون أنهم مستهدفون من طرف الجماعة الاجتماعية و السياسية و الدينية، التي تمنعهم من اقتطاع أجزاء من هويتها المشتركة قصد الحديث باسمها .
- العروبة كعدو مشترك بين العرقيين و الصفويين
لما نعود إلى الأرضية النظرية، التي صاغها الائتلاف الإسلامي- الأمازيغي، نجد تركيزا مفرطا على المكون العربي، في الهوية المغربية، باعتباره مكونا دخيلا في مقابل أصالة البعد العرق الأمازيغي و البعد المذهبي الشيعي، وهذا واضح من خلال ادعاء الائتلاف تحرير التصور الإسلامي من النزعة العروبية استنادا إلى التجربة التاريخية لآل البيت في بلاد المغرب، و كذلك من خلال ادعاء الائتلاف تقديم تصور مغاير للجماعات الإسلامية التي تقدم تصورا إسلاميا عروبيا للدين.
و هكذا، يبدو أن المشترك بين طرفي الائتلاف الصفوي-العرقي المعلن عنه في المغرب، هو محاربة المكون الهوياتي العربي، الذي يعتبر أساس البناء الحضاري المغربي، قديما و حديثا، إذ لا يمكن تصور أي وجود حضاري للمغرب في منطقة البحر الأبيض المتوسط و شمال إفريقيا خارج البعد الهوياتي العربي، فالدولة المغربية مدينة، منذ تأسيسها و إلى حدود امتدادها الحالي، لهذا الانتماء العربي الذي يتجاوز حدود المقاربة العرقية الضيقة، ليندمج ضمن تصور حضاري عام كان الأمازيغ المغاربة شركاء في صناعته، منذ البوادر الأولى للشراكة العربية الأمازيغية التي أسسها القائد العربي موسى بن نصير إلى جانب القائد الأمازيغي طارق بن زياد، و قد تطورت هذه الشراكة و أثمرت علاقة سياسية و اجتماعية أكثر عمقا، جسدتها شراكة القائد العربي إدريس الأول مع القائد الأمازيغي عبد الحميد الأورَبي، و نتج عنها تأسيس الدولة الإدريسية برمزيتها الحضارية الطافحة التي تمتح من معين حضاري مشترك بين العروبة و الأمازيغية.
و لعل هذا التراث الحضاري المغربي الأصيل، هو المستهدف اليوم من طرف التحالف الصفوي-العرقي بعدما كان مستهدفا، من قبل، من طرف التحالف الفرنكفوني– العرقي، و الهدف هو محاولة استئصال الجذور الحضارية العميقة التي تربط المغرب بامتداده العربي، من أجل تحويله إلى دولة لقيطة قابلة للتبعية و التوظيف من طرف جميع القوى الكولونيالية و التوسعية. لكن ما يجب أن يعيه الكولونياليون و التوسعيون هو أن المغرب، منذ تدشين الشراكة العربية-الأمازيغية الناجحة سياسيا و اجتماعا و ثقافيا، أصبح عصيا على الاستتباع الحضاري لأنه تمكن، بمجهود ذاتي متواصل، من تأسيس خصوصيته كمكون فاعل ضمن الامتداد الحضاري العربي، و هذا ما سماه العلامة المغربي عبد الله كنون بالنبوغ المغربي.


- بحث أركيولوجي في الجذور النظرية للخطاب العرقي - الصفوي
بهدف استيعاب أعمق لهذا التوجه العرقي –الصفوي لتصفية الإرث الحضاري العربي في المغرب، لابد من القيام بدراسة أركيولوجية في المتن المؤسس لهذا التوجه الإيديولوجي الجديد في المغرب، و هذه المحاولة ستدفعنا، بالضرورة، إلى النبش في المتن التاريخي و السوسيولوجي الكولونيالي المؤسس للخطاب العرقي، في علاقته بالعروبة في المغرب، و كذلك ستدفعنا هذه المقاربة إلى النبش في المتن الفكري الصفوي التوسعي، الذي وظف المذهب الشيعي بهدف استئصال مكونات الهوية العربية في مجموعة من الأقطار العربية، تهييئا لربط هذه الأقطار بمشروع ولاية الفقيه الفارسية .
• الخطاب العرقي و المتن التاريخي و السوسيولوجي الكولونيالي
في علاقة بالمتن التاريخي الكولونيالي، فقد كان التركيز دائما على محاولة إقصاء المكون العربي في الهوية المغربية، و ذلك من خلال الادعاء (الإيديولوجي) بأن المغرب يمثل امتدادا خالصا لمنطقة البحر الأبيض المتوسط التي تعتبر جزءا من الحضارة الهيلنستية القديمة، و قد تم تجسيد ذلك سياسيا عبر تبعية المغرب للامتداد الروماني, أما الحضور العربي في المغرب فقد صورته الدراسات التاريخية الكولونيالية في شكل حركة استعمارية عابرة لم تؤثر في البناء السياسي و الاجتماعي المغربي.
لقد ركزت بعض هذه الدراسات، في الدخول العربي إلى المغرب، على الهجرة الهلالية ( نسبة إلى قبائل بني هلال) ملغية كل ما سبق ذلك من شراكة سياسية و اجتماعية عربية- أمازيغية، و ذلك فقط لأن دخول هذه القبائل إلى المغرب صادف تراجعا سياسيا للدولة المغربية، فكان أسهل مبرر هو ربط هذا التراجع بالدخول الهلالي الذي تم تعميمه ليصبح دخولا عربيا.
للتوسع في الموضوع :
George Marçais – la Berberie Musulmane et l'orient en moyen âge- Paris 1946
بينما ذهبت دراسات أخرى في اتجاه إيديولوجي مفضوح، حينما تعاملت مع المتن التاريخي الخلدوني، من منظور إيديولوجي أجوف و مغرض وصل إلى حدود اقتراف أخطاء علمية خطيرة لتبرير الصورة الاستشراقية الملفقة عن الحضارة العربية، و ذلك حينما تم الخلط، عن عمد، بين الأعراب Bédouins و العرب arabes و بذلك تم ربط كل ما يتعلق بحديث ابن خلدون عن الأعراب الرحل، ثقافيا و سياسيا و اجتماعيا، بالعرب الذين يمثلون حضارة إنسانية عظمى اعتبرها مؤرخ الحضارات (أرنولد توينبي) من بين أهم الحضارات المشكلة للتاريخ البشري.
و يعتبرالبارون دوسلان( 1801-1878) مترجم مقدمة ابن خلدون أول من تعمد هذا الخلط، ذي النزعة الاستعمارية، حيث كان يضع كلمة " عرب" في ترجمته لألفاظ ترد في المقدمة مثل: "أعراب"، " بدو"، " رُحَّل. و عندما نبحث في سيرة دوسلان نجد أنه، في ترجمته للمقدمة، لم يكن يقوم بعمل علمي موضوعي، بل كان مبعوثا لدى وزارة التربية و التعليم الفرنسية إلى الجزائر سنة 1845 حيث كانت مهمته ذات طبيعة استخباراتية أكثر منها علمية، و لعل هذا هو ما أهله، بعد ذلك، للتعيين في وظيفة كبير المترجمين لدى الجيش الفرنسي في الجزائر.
إن هذا المتن التاريخي المُزَوَّر هو الذي شكّل الأرضية النظرية الخصبة للمتن السوسيولوجي الكولونيالي، الذي تعامل مع المغرب كجزيرة معزولة في منطقة البحر الأبيض المتوسط عملت فرنسا على اكتشافها على شاكلة اكتشاف الأوربيين لأمريكا الشمالية !!! و تعود صناعة هذا الوهم الكبير إلى الكتابات التاريخية الكولونيالية التي عملت، عن عمد، على إلغاء كل ما يمت بصلة إلى الحضور العربي في المغرب، حتى و لو تعلق الأمر بإمبراطوريات كبرى لم تكن تغرب عنها الشمس، و هذه الإمبراطوريات لم تكن سوى تعبير عن نجاح التجربة الحضارية المغربية التي تقوم على أساس الشراكة العربية-الأمازيغية.
لقد همشت السوسيولوجيا الكولونيالية جميع هذه الإنجازات الحضارية الكبرى، و تخصص روادها في الحديث عن الأوليغارشيات البربرية - بتعبير روبير مونتاني- التي خرجت من رحم الحضارة الرومانية، و استطاعت بناء كيانات سياسية أمازيغية مستقلة، لذلك يبقى نجاح المشروع الكولونيالي في المغرب، حسب منظري السوسيولوجيا الكولونيالية، رهن استعادة الروح الأمازيغية القديمة لمواجهة الإرث الحضاري العربي، الذي يشكل حاجزا صلبا أمام مشروع الاستتباع الحضاري للمغرب.
Robert montagne - les berbères et le makhzen dans le sud du Maroc –Ed : Alcan- paris 1930
إن الخطاب العرقي، في أصوله الكولونيالية، لا يخرج عن هذا المنطق في تعامله مع العروبة في المغرب، و هذا ما تتم ترجمته على مستوى الممارسة السياسية التي تتحكم فيها أبعاد إيديولوجية كولونيالية مسبقة، هي التي توجهها و تحدد رؤيتها في الصراع. و لذلك، فإن فهم هذه الأصول النظرية الكولونيالية يمنحنا قدرة على فهم و تفكيك الخطاب العرقي السائد من خلال ربطه بأصوله.
و لعل ما يؤكد هذا الطرح، هو أن الخطاب الأمازيغي الوطني، في المغرب، لا يقيم علاقة صراع مع المكون الحضاري العربي بل، على العكس من ذلك، هناك علاقة تكامل و انسجام تام يمكن أن نربطها رمزيا بوحدة الرؤية السياسية و الاجتماعية و الثقافية، بين المكونين العربي و الأمازيغي، و لعل هذه الوحدة هي التي أهلت المغرب، قديما، لتحقيق استقلاله عن القوى التي كانت مهيمنة على منطقة البحر الأبيض المتوسط، كما أهلته، حديثا، لتحقيق الاستقلال و بناء الدولة الوطنية.
و لعل عودة سريعة إلى تراث رموز النضال الوطني الحديث، من الأمازيغ، لتؤكد على هذه الوحدة و الانسجام في الرؤية, فقد آمن القائد الأمازيغي الوطني ( عبد الكريم الخطابي) بوحدة الأمة العربية، هذه الوحدة التي تتجاوز البعد العرقي الضيق لتتجسد كوحدة حضارية ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ المشترك، و لذلك فقد اختار أن يربط مصير المغرب في التحرر بمصير المشرق، و ربط النضال الوطني المغربي بأبعاده الحضارية العربية، و لعل هذا هو ما يفسر انخراط القائد العربي (جمال عبد الناصر) ضمن الاستراتيجية الوطنية المغربية في محاربة الاستعمار، عندما دعم حركة التحرر الوطني المغربي، و استضاف قائدا فذا من قادتها على أرض مصر مُوفّرا له كل الظروف المادية و الرمزية اللازمة لمقارعة المشروع الاستعماري في المغرب.
لقد كان القائد (عبد الكريم الخطابي) و هو يربط مصير المغرب بمصير الأمة العربية، كان ينطلق من تصور وطني للهوية المغربية، و هو تصور لا يمت بصلة إلى التصور الكولونيالي المُتَرجَم عرقيا، و القائم على أساس خلق علاقة صدام بين العروبة و الأمازيغية في المغرب، لقد عبّر القائد عبد الكريم الخطابي، و معه كل الأمازيغ الوطنيين، عن حقيقة الشراكة و التكامل بين مكوني العروبة و الأمازيغية، و كانوا بذلك أقرب إلى درجة الشراكة العربية-الأمازيغية القديمة، إبان مرحلة تأسيس الدولة و المجتمع في المغرب، و بذلك تمكنوا من حماية وحدة المغرب من خلال حماية مكونات الهوية الوطنية و الدفاع عن انسجامها و تلاحمها .
• الخطاب الصفوي و الإيديولوجية الفارسية التوسعية
إذا كان الخطاب الإيديولوجي العرقي، في نسجه للعرب-فوبيا، يستند إلى المتن التاريخي و السوسيولوجي الكولونيالي، الذي سعى إلى تهميش الدور الحضاري العربي في تاريخ المغرب، فإن الخطاب الإيديولوجي الصفوي يشترك مع الأطروحة العرقية في هذا التوجه الإيديولوجي العرب-فوبي.
فمنذ قرون عدة وظف الصفويون الفرس المذهب الشيعي لتحقيق اختراق حضاري للعالم العربي، و قد كان المشرق العربي مستهدفا أكثر من المغرب، لأن الفرس ينظرون إلى الجغرافية العربية كامتداد مباشر للإمبراطورية الفارسية التي يلتزمون باستعادة أمجادها القديمة، بعدما تمكن الفاتحون العرب من اختراقها من الداخل، و ربطها بالامتداد الحضاري العربي الإسلامي.
و منذ القديم تحدث المؤرخون عن "الشُّعُوبِيّة" التي تُعرِّفها المعاجم بأنها " كراهية غير العرب، من المسلمين، للعرب المسلمين" و قد تم ربط هذه الكراهية، بشكل خاص، بالفرس الذين تمكنوا، خلال العصر العباسي، من تحقيق اختراق إيديولوجي للدولة العربية الناشئة على أنقاض الدولة الأموية، و بذلك وظفوا الإمكانيات السياسية و الثقافية المتاحة لاستئصال عناصر الهوية العربية. فقد ربط مؤرخوهم و أدباؤهم العروبة بالبداوة ( يمكن اعتبار أن الخلط بين العرب و الأعراب يعود إلى هذه المرحلة قبل توظيفها من طرف ابن خلدون) بينما قدموا خصوصيتهم السياسية و الثقافية الفارسية كجزء من المشروع الحضاري البديل، الذي وظفوا إمكانيات الدولة الناشئة لترسيخه كمشروع عربي إسلامي يسعى إلى إخراج العالم العربي من البداوة إلى التحضّر !
و في سياق هذا المشروع الصفوي الفارسي، فقد تم توظيف المذهبية الدينية من أجل تحقيق أهداف جيواستراتيجية صرفة تتعلق بالمشروع التوسعي الذي خطط له الفرس، منذ القديم، و جاءت الثورة الخومينية لتخرج هذا المشروع القومي من سباته العميق, و لعل هذا هو ما يكشف عنه مفكر إيراني شيعي هو (علي شريعتي) في كتابه (التشيع العلوي والتشيع الصفوي) حيث يذهب إلى أن الصفوية، بهدف ترسيخ أفكارها وأهدافها في ضمائر الناس وعجنها مع عقائدهم وإيمانهم، عمدت إلى إضفاء طابع ديني على عناصر حركتها وجرها إلى داخل بيت النبي، إمعاناً في التضليل لتتمخض عن ذلك المسعى حركة شعوبية شيعية مستغلة التشيع، لكي تضفي على الشعوبية طابعا روحيا ساخنا، ومسحة قداسة دينية، ولم يكن ذلك الهدف الذكي متيسراً إلا عبر تحويل الدين الإسلامي وشخصية محمد عليه الصلاة والسلام، و شخصية علي رضي الله عنه إلى مذهب عنصري وشخصيات فاشية، تؤمن بأفضلية التراب والدم الإيراني والفارسي منه على وجه الخصوص .
علي شريعتي التشيع العلوي والتشيع الصفوي- ترجمة و تحقيق: حيدر مجيد- دار الأمير للثقافة و العلوم- ط: 2 - 2007 - ص: 122.
في المغرب، يعتبر بعض أتباع المشروع الصفوي الفارسي أن الدولة المغربية، عند تأسيسها، كانت دولة شيعية، و هذا ما ذهب إليه إدريس هاني الذي يعتبر أن الدولة الإدريسية قد شكلت البوادر الأولى لتسرب الفكر الشيعي إلى المغرب، و يستند، في ذلك، إلى انتشار مجموعة السلوكيات الثقافية - بالمعنى الأنطروبولوجي- سواء ما تعلق منها بحضور أسماء مرتبطة بآل البيت (فاطمة الزهراء) أو الاحتفال بعاشوراء ... مع العلم أن هذه السلوكيات منتشرة في مجموع بقاع العالم الإسلامي، و لا تحيل على أي ارتباط بالمذهب الشيعي الموظف إيديولوجيا من طرف الصفويين الفرس.
أنظر : إدريس هاني -المغرب والتشيع: أية علاقة؟ - مجلة وجهة نظر – ع: 39
و لعل ما يحيل على وحدة التصور، بين التنظير و الممارسة، في الخطاب الصفوي في المغرب، هو أن الأرضية النظرية التي يروجها الائتلاف الإسلامي الأمازيغي، إعلاميا، تردد نفس الأسطوانة المشروخة التي تمارس تزويرا مفضوحا لتاريخ المغرب. فقد جاء ما يلي : " الائتلاف يمثل حالة الاستمرارية التاريخية لذلك العقد التاريخي الذي قام بين مولاي إدريس بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن المجتبى بن علي المرتضى وفاطمة الزهراء بنت الرسول، وبين الأمازيغ السكان الأصليين لبلاد المغرب".
لكن لما نقوم بقراءة موضوعية لتاريخ المغرب، فإننا لا نعثر على أي أثر سياسي للشيعة، في الغرب الإسلامي إجمالا، غير دولة الفاطميين التي نشأت بتونس وساندتها قبائل أمازيغية ككتامة و صنهاجة في منطقة القبائل الجزائرية، و مكناسة في المغرب الأقصى، لكن كانت نهايتها مأساوية، حيث نشأت ضدها ثورات كثيرة تم تحضيرها معنويا من قبل فقهاء المالكية وساندهم في ذلك كل ضحايا الجباية الفاطمية التي اشتدت على أهالي الشمال الأفريقي .
للاستفاضة في الموضوع أكثر يمكن العودة إلى كتاب مجمل تاريخ المغرب للمفكر عبد الله العروي
إن التيار الصفوي في المغرب، و هو يؤسس لتاريخ موهوم، يريد أن يؤسس لشرعيته من داخل البناء الرمزي المشترك بين المغاربة، و ذلك من أجل تأسيس نوع من الأصالة المتخيلة التي تمكنه من اختراق البيئة الاجتماعية و السياسية في المغرب، هذه البيئة التي ظلت ممانعة للاختراق المذهبي الشيعي، منذ القديم، و هي الآن أكثر استعدادا من قبل لمواجهة الإيديولوجية التوسعية الفارسية، التي توظف المذهب الشيعي بهدف تحقيق أغراض إستراتيجية بعيدة المدى .
و لنا في الأحداث الجارية في المشرق العربي خير عبرة، فباسم مجموعة من الأحداث التاريخية المزورة تمكن الحلف الصفوي الشيعي من اختراق المجتمعات العربية، من الداخل، و نجح في استقطاب مجموعات وظفها في الصراع السياسي الجاري في المنطقة العربية، و كل ذلك خدمة للمشروع الفارسي التوسعي، الذي لا يكتفي بالحديث عن الخليج الفارسي، بل يتجاوز ذلك إلى التخطيط لتصور إمبراطوري فارسي ينقل العاصمة السياسية من طهران إلى بغداد، و لم لا فاس مستقبلا !!!
و لعل ما يُخَطَّط له، اليوم، في المغرب لا يختلف عما جرى التخطيط له في المشرق، بالأمس، فمنذ الثورة الخومينية 1979 وصلت الدعاية الشيعية أوجها، و تم استهداف الأمن الروحي للمغرب، من خلال التركيز على الجالية المغربية المقيمة في الخارج (و خصوصا في بلجيكا التي عرفت اكتساحا شيعيا) و هكذا تمكنت الإيديولوجية الصفوية من اختراق البيئة الاجتماعية و السياسية في المغرب، و عبرت عن نفسها من خلال حركات سياسية و مدنية مختلفة، يصعب على الباحث المتابع حصرها لأنها حركات تخترق الجسم الاجتماعي و السياسي، من خلال أعضائها الذين يمارسون مبدأ التقية.
- عود على بدء
في سياق الصراع العربي الفارسي ( و ليس السني الشيعي) الجارية أحداثه في المشرق العربي، و خصوصا منذ تدخل ميليشيا حزب الله في الصراع السوري، و مرورا بسيطرة ميليشيا الحوثي على السلطة في اليمن، و اندلاع عاصفة الحزم ضدها، في سياق هذا الصراع الجارية أحداثه يجب أن ننظر بعين الريبة إلى حدثين متزامنين في الساحة السياسية و المدنية المغربية :
• يرتبط الحدث الأول بالإعلان عن الائتلاف الإسلامي-الأمازيعي الموجه ضد مكون العروبة في الهوية المغربية، و هو بذلك يدخل ضمن الإستراتيجية الفارسية الموجهة ضد الامتداد العربي، جغرافيا و قيميا، و هي استرتيجية تسعى إلى توظيف آليات قديمة في الصراع ضد العرب، من خلال التركيز على الانتماءات العرقية لخلق فوضى اجتماعية و سياسية، يتم استغلالها من طرف نظام الملالي لتحقيق الاختراق الاستراتيجي المأمول.
• يرتبط الحدث الثاني بإعلان إدريس هاني (المرجع الشيعي) للشيعة المغاربة عن انخراطه في العمل السياسي الحزبي عبر بوابة حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية، و هو حزب إداري صغير أسسه أمني متقاعد، و لا تأثير له في الساحة السياسية المغربية. و بالنظر إلى الارتباطات الخارجية لمنظر الشيعة المغاربة، فإن الانخراط في حزب صغير لا يمتلك هوية سياسية واضحة يدخل ضمن خطة الحلف الصفوي في المغرب لاختراق الحقل السياسي، الذي ظل عصيا على مجموعة من رموز الحراك الشيعي، الذين أنهت السلطات حياتهم السياسية بلغة قانونية حازمة. و ما يبدو هو أن إدريس هاني يريد أن يستنسخ تجربة حزب العدالة و التنمية، الذي ولج الحقل السياسي من بوابة حزب إداري هو حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية الذي أسسه عبد الكريم الخطيب، و ذلك بهدف اختراقه من الداخل و تحويله إيديولوجيا ليكون في خدمة الأجندة الشيعية الصفوية في المغرب.
إن هذا التزامن في تأسيس إطارين يشتركان في نفس التوجه الإيديولوجي، لا يمت إلى الصدفة بصلة بل يدخل ضمن تصور استراتيجي بعيد المدى، في علاقة بالرؤية الإيرانية للمنطقة العربية، و هي رؤية تقوم على أساس توسعي، قيميا و جغرافيا، و كل ذلك ضمن سياق إيديولوجي ملغوم يوظف رموز التاريخ المشتركة لخدمة أجندة فئوية ذات بعد مذهبي ضيق. و لعل أخطر ما يميز الحراك الشيعي الصفوي في المغرب، هو اعتماد مبدأ التقية القائم على أساس التخفي و الإضمار، مع استغلال مبادئ القانون الدولي، في حرية الرأي و التعبير، لتهديد مقومات الهوية المشتركة وطنيا بين جميع المغاربة، و كل ذلك في أفق إعلان (حزب الله) التابع لملالي إيران، في المستقبل القريب، إن لم نع كدولة و مجتمع الخطر القادم .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.