اعتبر شاوي بلعسال، رئيس فريق الاتحاد الدستوري بمجلس النواب، أن مشروع القانون التنظيمي للجهات لم يكن في مستوى الانتظارات وذلك خلال مداخلة له بالجلسة العمومية التي خصصت للتصويت على المشروع الذي مر بالإجماع يوم الجمعة الماضي. وأرجع بلعسال أسباب ذلك إلى إن المشروع لا يستحضر المشروع لوضع أقاليمنا الجنوبية المسترجعة، ولا يأخذ المشروع بعين الاعتبار مبدأ فصل وتوازن السلط في الهندسة القانونية التي يقوم على أساسها المشروع، و يأخذ بمقاربة خجولة على مستوى الاختصاصات. وقال رئيس الفريق الدستوري "نتساءل عن الإضافات الأخرى التي يمكن أن تتمتع بها الأقاليم الجنوبية على ضوء المخطط الذاتي، الذي نعتبره إطارا لحل هذا النزاع المفتعل، وتحرير أوضاع هذه الأقاليم من الانتظارية والجمود في ظل جنوح جارتنا الجزائر إلى إطالة أمد هذا النزاع، بما يخدم أهدافها السياسية الداخلية الضيقة"، موضحا في ما يخص توازن السلط أنه "ليس هناك توازن بين المنتخبين، والسلطة التنفيذية من ممثلي الدولة المركزيين والترابيين، ولذلك جاءت المطالبة بإعادة صياغة المشروع في اتجاه إضفاء نوع من التوازن بين سلطة المنتخب وسلطة المعين". وأشار المتحدث ذاته إلى أن التأويل الذي أقدمت عليه الحكومة حول علاقة السلطة المركزية بالجماعات الترابية يظل تأويلا غير ديمقراطي وتهيمن عليه النزعة التحكمية في التدبير الجماعي الحر النزيه، مضيفا بالقول " لا يستقيم تمتيع الجهات بحرية تدبيرها ومقررات مجالسها تظل رهينة التأشير، على أبسط الأمور بدءا بجدول الأعمال، ولذلك أخذنا على عاتقنا في المعارضة مطلبا بضرورة الانخراط في تقوية مبدأ التدبير الحر تماشيا مع جوهر الفقرة الثالثة من الفصل 145 من الدستور، أخذا بعين الاعتبار أن شكل الدولة يبقى موحدا في ظل ملكية موحدة وأن اللامركزية التي اختارتها بلادنا هي لا مركزية إدارية وليست سياسية". وفي ما يتعلق بالاختصاصات، فأبرز بلعسال أن مشروع القانون التنظيمي عوض أن يعمل على تقوية الاختصاصات الذاتية للجهات باعتبار صدارتها كجماعة ترابية دامجة لباقي الجماعات الترابية الأخرى، نجده لا يستثمر بالشكل الكافي عددا من التوصيات الوجيهة من النقاش العام حول الجهوية، أو تلك المنبثقة عن اللجنة الإستشارية حول الجهوية، يقول بلعسال، الذي يؤكد أن "المشروع لم يعمل على تحديد واضح لمفهوم نقل الاختصاص والتمييز بين نقل التدبير ونقل الخدمات على غرار التجربة الجماعية في الموضوع، كما أن التعاقد كمفهوم وظيفي يجب حذفه عند الحديث عن الاختصاصات المنقولة، على اعتبار أن هذه الاختصاصات تصبح ذاتية لحظة نقلها، ولا يمكن أن نتعاقد على صلاحية هي في الأصل ذاتية". كما لم يعمل المشروع في الجانب المالي على تقوية القرار الجهوي فالموارد المالية الضامنة لاستقلالية الجهة هي الطريق لتنفيذ الالتزامات التي تعهدت بها أمام الساكنة من خلال برنامج العمل، ومن خلال الشراكات المطلوب إبرامها، وممارسة كافة اختصاصاتها سواء كانت ذاتية أو مشتركة أو منقولة، يضيف بلعسال. وفي ما يتعلق بمميزات المشروع، فتحدث رئيس الفريق الدستوري عن أن "المشروع يشكل اليوم، لبنة أخرى متميزة على صعيد تحديث المنظومة الترابية، إلى جانب الإصلاحات الكبرى التي دشنها جلالة الملك منذ اعتلاء عرش أسلافه الميامين، بدءا بالمفهوم الجديد للسلطة منذ أكتوبر 1999 ومرورا بالمسلسل الإصلاحي المستمر عبر خطاب يناير 2010 الذي كرسه للجهوية، والتي تأسست على إثره اللجنة الإستشارية للجهوية، حيث ترسخت هذه السنة في ذاكرتنا كسنة للجهوية بامتياز، وتتويجا بالتكريس الدستوري والإستفتاء الشعبي المباشر الهادف إلى جعل الورش الجهوي رافعة حقيقية للتنمية المجالية، وفضاءا للتدوال الديمقراطي، التشاركي والتعاوني". وأضاف بلعسال أن تحقق ذلك كان "بفضل النظرة الإستباقية، والتعاطي الإيجابي لملك البلاد، مع مختلف التحولات التي يشهدها العالم من حولنا، وكذا مع التطلعات المشروعة للشعب المغربي في حالة من التفرد والإستثناء لللموذج المغربي، فإن على الحكومة أن تعمل على تفعيل، وتجسيد منظور جهوي متقدم على درب اللامركزية، واللاتمركز النافذين من جهة، وعلى درب الديمقراطية المعمقة، والتحديث الإداري والخدماتي للبلاد والحكامة الجيدة من جهة أخرى"، معتبرا أن هناك رغبة قوية كانت تحدو فريق الاتحاد الدستوري، بوصفه امتدادا لحزب أولى منذ البداية لخيار الجهوية مكانة متميزة في برامجه وأدبياته السياسية، أن تعجل الحكومة بتنزيل هذه النصوص التنظيمية المرتبطة بالإصلاح الترابي، ليعقبها نقاش سياسي هادئ، ولكن بدل ذلك، يضيف رئيس الفرق، " لاحظنا نوعا من الانتظارية، والتلكؤ في تقديم هذه المشاريع ذات النوعية الخاصة، والتي كان من المنتظر أن تكون ذات جودة عالية بدل أن تكون قوانين ذات نفس تكتيكي قصير الأمد وبرؤية لا تنخرط كلية مع طموحاتنا ومع مضامين الدستور الجديد " وقد تساءل بلعسال عما إذا كان هذا المشروع يرقى إلى ما كنا نتوخاه منه في ظل المكانة التي بوأه إياها الدستور الجديد، وفي ظل المبادئ التي ضمنها كمبدأ التدبير الحر، على اعتبار أن النموذج المقترح هو نموذج ديمقراطي الجوهر؟ وههل يرقى هذا المشروع إلى أن يجعل من الجهات شريكا حقيقيا للدولة؟ ومن بين التساؤلات أيضا هو "هل يتوفر هذا المشروع على عناصر، ومقومات لإحداث التنمية الجهوية المتوازنة والمنشودة؟ وهل يستمد روحه من المنظور الاستراتيجي للدولة المغربية الذي يجعل من الجهات رهانا لكسب التنمية المطلوبة من جهة، وورقة مهمة في التعاطي مع القضايا التي يثيرها النزاع المفتعل حول أقاليمنا الجنوبية من جهة أخرى؟ وعن ماذا سيتخلى المركز لفائدة الجهات؟ وأبرز بلعسال أن طرحه لهذه الأسئلة لا تنطلق من خلفيات جاهزة، بل هدفها السعي إلى فهم المشروع الذي جاء محايدا باردا، ولم يأت بعناصر قوية توحي بأن ثمة تحول حقيقي قد حدث. ومن الإيجابيات التي رصدها المشروع، وفق رأي بلعسال، هو "اعتماد العلنية في التصويت على الهياكل، ومحاربة أشكال الترحال تماشيا مع روح القانون التنظيمي للأحزاب"، معربا عن أمله أن "تكون المحطة الانتخابية المقبلة مناسبة لتحقيق قفزة نوعية على مستوى الممارسة الديمقراطية النزيهة والشفافة، والتي تعطي أهمية للمشاركة السياسية لدى عموم المواطنين". ونبه الرئيس بلعسال إلى أنه رغم ما يشهده المشهد السياسي من توتر، بالنظر إلى الانحدار غير المسبوق في مستوى الجدل السياسي الدائر في بلادنا، فإن الفريق تفاعل بإيجاب مع مشروع القانون، مبينا أن المعارضة تقدمت بعدة تعديلات الهدف منها تقوية مؤسسة رئاسة المجلس الجهوي، وكذا تقوية دور الأحزاب السياسية، وتوسيع حالات التنافي بالنسبة لرئاسة المجلس لتشمل بعض هيئات الحكامة، وعقلنة تدبير الزمن السياسي، وضمان الاختيار الديمقراطي، واحترام التعددية، وأجرأة مبدأ المناصفة، وتحديد آجالات إخراج النص التنظيمي، وتبسيط المساطر، وتمكين الجهات من موارد قارة، وغيرها من التعديلات. وسجل المصدر ذاته التجاوب النسبي للحكومة مع هذه التعديلات، وكذا انخراط أحزاب المعارضة في خدمة الأوراش الوطنية الكبرى في إطار من المسؤولية الجادة، والوطنية الصادقة، وحتى لا تتهم كما هي عادة البعض في رميها بالعرقلة أوالتماس التأجيل، يوضح رئيس فريق الاتحاد الدستوري الذي أشار إلى أن الفريق يعتبر مشروع القانون التنظيمي للجهات "مدخلا أساسيا واستراتيجيا للإسهام بشكل حاسم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، وفي الاستثمار الأمثل للمؤهلات والموارد الذاتية لكل جهة، واستنهاض حجم مختلف الفاعلين المحليين، والمشاركة في إقامة، وإنجاز المشاريع الهيكلية الكبرى، وتقوية جاذبية الجهات وصولا إلى التنمية الشاملة، المنشودة لكل أجزاء ، وجهات المملكة."