تعرف المملكة المغربية حركة استباقية للسلطات الأمنية تمكن من تفكيك الخلايا الإرهابية قبل تمكنها من تنفيذ عملياتها أو توسيع نشاطها الإستقطابي. وتعد الإستراتيجية المغربية في مكافحة الإرهاب نموذجا فعالا أثبت نجاعته في القضاء الإستباقي على الإرهاب منذ ما عرف بأحداث 16 ماي المؤسفة التي غيرت استراتيجة المملكة في التعامل مع ملف الإرهاب. ففي أسبوع واحد تمكنت الأجهزة الأمنية المغربية من تفكيك شبكة إرهابية خطيرة بمدينتي فاس ومكناس أكدت وزارة الداخلية في تقرير لها أنها كانت تعتزم تنفيذ عمليات إرهابية خطيرة على أراضي المملكة .كما تم إيقاف عنصرين من نفس الشبكة بمدينتي طنجةوفاس وهما معتقلين سابقين في قضايا الإرهاب أحدهما كان يتزعم خلية إرهابية سبق تفكيكها سنة 2005. وحسب بلاغ لوزارة الداخلية فالأبحاث الجارية أظهرت التوجه المتطرف الخطير لأفراد هذه الشبكة، بالنظر للعمليات الإجرامية البالغة الخطورة التي قاموا بتنفيذها أو خططوا لها والتي تشكل تهديدا لأمن واستقرار المملكة. وكانت أجهزت المخابرات المغربية قد قامت بتنسيق أمني مع دولة هولندا في وقت سابق أسفر عن اعتقال إرهابي من جنسية مغربية كان يعتزم تنفيذ عمليات خطيرة بهولندا.. إلى ذلك أعلن المكتب المركزي للأبحاث القضائية عن تفكيك خلية إرهابية تتكون من أربعة أفراد ينشطون بمدينة العيونجنوب المغرب، وحسب بلاغ لوزارة الداخلية فعناصر هذه الخلية منخرطون في في أجندة المنظمة الإرهابية المسماة اختصارا ب"داعش" كانوا يسعون لارتكاب جرائم إرهابية خطيرة بالمملكة. وأفادت تقارير أن عناصر هذه الخلية أصدروا "فتوى" تجيز اختطاف أحد معارفهم بهدف حرقه حيا بعد اتهامه بالكفر. وذلك على النهج الترهيبي لقادة هذا التنظيم الإرهابي الدولي. وأشارت تقارير أخرى أن زعيم الخلية الأخيرة المفككة بالعيون استطاع اكتساب خبرة واسعة في صناعة المتفجرات والعبوات الناسفة تمهيدا لاستعمالها في تنفيذ مشاريع إرهابية ضد أهداف حساسة بالمملكة. وتأتي هذه الإنجازات الأمنية المتفوقة بعدما أعلن تنظيم الدولة الإسلامية ببلاد العراق والشام المعروف اختصارا ب"داعش" غيرما مرة عن استهدافه للملكة المغربية، ونيته تنفيذ عمليات بالمغرب، معتمدا في ذلك على عاملي الخبرة الدولية التي اكتسبها، والعناصر المغربية الجنسية التي تنتمي إليه.. لكن "عيون" المملكة الساهرة وأبطالها الأفذاذ حالوا ويحولون وسيحولون لا محالة دون بلوغ هذا التنظيم الإرهابي لأهدافه داخل هذا البلد الكريم. إن تحليلا بسيطا لهذه الدينامية الأمنية "الإستباقية" كفيل بدفع المواطن المغربي وضيوف البلد إلى استشعار الأمن والأمان بمختلف ربوع المملكة، نظرا للمرتكز المتمثل في المعطيات الميدانية التي تؤكد نجاعة المقاربة الأمنية المعتمدة على الدعم الإستخباراتي والتنسيق الأمني داخل البلد وخارجه. ويؤكد ذلك مساعي دول عرفت بريادتها في المجال الأمني والسياسي دول مثل فرنساوهولندا وغيرها.. والتي باتت تستلهم التجربة المغربية في وضع مخططاتها الأمنية لمكافحة الإرهاب.. للدرجة التي بات فيها المغرب يرسل "خبراءه" لتأطير دورات تكوينية وتدريبية ببلدان القارة العجوز..
وقد ساهم الاستقرار العقدي الذي يشهده البلد أيضا في تضييق الخناق على دعاة الغلو وموظفي التأطير الإيديولوجي الإسلاموي في تكوين الخلايا الإرهابية.. فمكونات المجتمع المغربي التي تعتنق الإسلام وتتأطر بالمذهب المالكي لم تترك لباقي المكونات العقدية المهملة من حيث خطورتها الترهيبية أي مجال، بل ستساهم أيضا الروح الوسطية والإعتدالية في التعامل مع المعطى الطقوسي وحتى العقدي، الذي جعل الوطن كثلة واحدة لم تفلح معها مختلف محاولات خلق الفصام داخله. فحتى الاستعمار الفرنسي لم يفلح في خلق التفرقة وزعزعة روح التكامل والتكافل فيما عرف تاريخيا ب"الظهير البربري" والذي كثف اللحمة بين عرب وأمازيغ المغرب، عوض خلق مناخ التفرقة.. فالمواطن المغربي مجبول على التلاحم والتعاضد ضد المخاطر، في تشخيص لأحد ابرز المبادئ التي تقوم عليها النظريات الأنتروبولوجية التي شكلت أيضا أرضية لتحليلات العلامة ابن خلدون في مقاربته لمفهوم العصبية..
وشكل المنعطف السياسي الذي يمر به المغرب إثر فوز حزب "إسلامي"بزعامة الانتخابات التشرعية وتنصيص الدستور المغربي على تكليف زعامته برآسة الحكومة .. عاملا مساعدا جدا في خلق الإجماع السياسي الذي جنب المغرب بعض مناقب زلزال الربيع العربي الذي اجتازته البلد بدون خسائر في الأرواح ولا في الممتلكات. فتكليف أحد أبرز زعاماته المعروف بمواقف تاريخية صلبة وقوة في الآداء والخطاب السياسي، دفع بالبلاد نحو حل النزاع المجتمعي من خلال المسار السياسي بدل المواجهة الميدانية أو الخيارات الثورية.
إن زعامة عليا بالبلد تتسم بالشجاعة السياسية وعدم التخوف من الاختيارات المجتمعة، والناحية نحو العامل الاحتوائي للنبض المجتمعي، والتي بدت واضحة جلية في خطاب يعتبر مفصليا في مسار الحراك المجتمعي إبان بديات هذا الحراك الذي لازم الربيع العربي، شكلت عاملا حاسما في خلق الإجماع الوطني وترجيح الخيارات السياسية على المواجهة الهدامة. مما شكل فصلا جديد مما عرف بتلاحم العرش والشعب عبر تاريخ المملكة.
أمن المغاربة.. خط احمر.. ليس فقط عند السلطات والأجهزة الأمنية..بل عند الجندي الأول المدافع عن حوزة الوطن .. إنه ذاك الذي لا يجد في نفسه غضاضة في التبليغ بكل جرأة وحزم عن من يتوجس فيه خطرا على أمن البلاد والعباد.. إنه المواطن المغربي الذي أتقدم شخصيا بكل التحية لمن يدافعون عن أمنه وأمانه وأيضا لمن خصصوا منابرا ويتحملون مشاق تأسيسها ورعايتها على حساب راحتهم ومصاريف بيوتهم ..