هنيئا لحزب العدالة و التنمية ، و ألف مبروك للشعب المغربي نعم ، لقد قالها الشعب المغربي و بصوت عال سمعه القاصي و الداني و بتحضر يندر وجوده في عالمنا العربي و الإسلامي الحديث : نعم لإسقاط الفساد و الإستبداد ، نعم للتغيير السلمي ، نعم لتطوير النظام و إصلاحه ، نعم للقطع الأبدي مع أساليب الماضي، فجعلوا من صناديق الإقتراع ميدان تحريرهم يوم الجمعة المباركة، حيث إعتصمت أصواتهم لتقول للمراقبين و المحصين و الملاحظين : نعم للعدالة و التنمية ، و لا أملك بهذه المناسبة إلا تهنئة الحزب الفائز الذي اكتسح الإنتخابات بشكل أكسبه دعما شعبيا لا نظير له و شرعية ديمقراطية لقيادة البلد إلى النهضة و التقدم و تجنيبه شر الفساد و الفتن ، و أيضا الدعاء لهم و لكل الغيورين على و طنهم بكل أطيافهم و شواربهم سواء شاركوا في الحكم أو المعارضة بالتوفيق في مسيرة الإصلاح و التقدم و القضاء على الفساد المتفشي في مجتمعنا و تجفيف منابعه . حزب العدالة و التنمية و المسؤولية العظيمة الملقاة على عاتقه قد يبدو أنني مفرط في التفاؤل و التصفيق لنتائج الإنتخابات ، و هذا لأني أفضل أن أضيء شمعة أو مصباحا على أن أدمن لعن الظلام كما يفعل الجاهلون و المتطيرون و القانطون من رحمة الله ،ففوز الحزب الإسلامي أعتبره فوزا للشعب المغربي كافة ، فهو أرادها إمارة مؤمنين برلمانية ديمقراطية حداثية لا إنجليزية و لا إسبانية ، و لا غربية و لا شرقية ، و لا مملاة من قطر أو الناتو ، بل "مغربية خالصة" سلمية بدون إراقة دماء ، لكن ما جاء به هذا العرس الديمقراطي لا يجب أن ينسينا وعورة المرحلة القادمة و جسامة التحديات التي تنتظر الحزب و الحكومة الجديدة و عموم الفاعلين في الحياة السياسية المغربية ، فالبلد مقبل على إنتقال ديمقراطي و إصلاحات في كل المجالات في بحر من العواصف الإقليمية و العالمية ، من ثورات الجيران الدموية ، و الأزمة الإقتصادية التي أصبحت تقض مضاجع أعتى الدول و المؤسسات المالية ، هذا بالإضافة إلى العراقيل التي ستوضع في الداخل من كل جانب لإفشال هذه التجربة و الحالة الإقتصادية القريبة من السكتة القلبية التي يعانيها المغرب، و هذا كله سيستوجب على حكومة العدالة و التنمية أن تلتزم بالمصداقية و الشفافية و تفضيل مصلحة الوطن و المواطنين على المصالح الشخصية ،و أن يعتبر المسؤولون القادمون أن الإستوزار و المناصب العليا مسؤولية و تكليف و ليست بتفضيل و لا تشريف ، و أن يُبْدَأ بتطبيق البرامج الشفوية الطموحة ،التي اقتنعت بجديتها فئة غير قليلة من المغاربة ،من أول يوم للاعلان الرسمي على التشكيلة الحكومية بدون تقاعس و لا تكاسل ، فكما يعلم مدرس الفيزياء السابق ، و رئيس الحكومة الجديد، فالفرق بين المعارضة و الحكم ، كالفرق بين النظري و التطبيقي ، و لولا تطبيقات نظرية نيوتن في الجاذبية و معادلات ماكسويل الكهرومغناطيسية و غيرها من النظريات الفيزيائية في الواقع المعاش لما اعترف بها عامة الناس و لأعتبروا علم الفيزياء لهوا و هذيانا كما إعتبر القدماء علم الكيمياء سحرا و جنونا ، و كما ننتظر من الحكومة الجديدة أن تكون حكومة تنفيذية قوية و ليس حكومة تصريف أعمال كسابقاتها، فإن المشهد لن يكتمل إلا ببرلمان تشريعي قوي يحاسب و يسائل الحكومة و معارضة بنائة و ليس برلمان نيام و لا معارضة تصفية الحسابات الشخصية و الحزبية عبر الضرب تحت الحزام. و عودة إلى المرجعية الإسلامية للحزب التي أكسبته دعما و تعاطفا شعبيا ، فأود أن أشير أن الحزب قد حمل أمانة يا لشدتها و بأسها ، فهم قد عاهدوا باسم الإسلام و جزاؤهم سيكون مضاعفا سواء إيجابا أو سلبا حسب نتائج عملهم ، فإما الفلاح إذا كانوا من الذين وصفه الله سبحانه و تعالى في قرآنه الكريم :"وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا " و "وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ " ، وإما الخسران المبين إذا ما نقضوا عهدهم و اتبعوا أهوائهم و لن يكونوا إلا كمن إشترى بآيات الله ثمنا قليلا ، و ما عليهم إلا أن يعملوا بدون كلل فسيرى الله عملهم و المغاربة أجمعين و ليعلموا أن رغم الصعوبات التي سيواجهونها فإن الله يبشر من ينصره بنصرته : " إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ". القانون لا و لن يحمي المقاطعين ، و لن تقبل منهم شكاية و لا إحتجاج ، و ماهم بمنتصرين أما دعاة المقاطعة أو ما أسميها بالمواطنة السلبية ، فالاحزاب اليسارية المتطرفة المشكلة لتحالف المقاطعين تعلم أكثر من غيرها أنها لو شاركت مجتمعة في الإنتخابات الأخيرة لما حظيت و لو بمقعد واحد ، و لفضحت حقيقتها الشعبية ، لهذا فضلوا البقاء في الشارع ، أما جماعة آية الله الياسيني التي لا تعدو أن تكون إلا جماعة دينية ضالة شبيهة بجماعات عرفها التاريخ الإسلامي كالخوارج و الحشاشين ، فأتباعها يرفضون أن يعيشوا في جلباب دولة القانون و لا يرضون إلا بالدروشة في جلباب وليهم الصالح و شيخهم المعصوم و خليل رسول الله (حسب خرافاتهم) و التبرك بماء وضوئه و تراب بلغته و شعرات إبطه، و إني لدائما أنفجر بقهقهات ضحك كلما رأيتهم يعطوننا دروسا في الديمقراطية و ينسون أنفسهم ، فمرشدهم "عض" في ملك جماعته بأسنانه و أيديه و كريمته الجمهورية الأفلاطونية الفاضلة ، و هو الذي عاصر ثلاثة ملوك مغاربة إن لم أقل أربعة ، و هو الذي يطرد كل من يخالفه في الرأي (كالشيخ البشيري رحمة الله عليه) و يتلاعب بعقول الأتباع و المريدين بخرافاته ، و ما أبشع الخيبة حين تستفيق الشبيبة بعد حين من الأماني المعسولة على مرارة واقع العزلة الذي وضعوا أنفسهم فيه و هم لا يعقلون . و لن أختم إلا بما قاله أحد العلماء في رسالة له لغوث الزمان : "فإن رجعت إلى ربك، وسلكت سبيل السواد الأعظم وما عليه علماء الأمة مشرقا ومغربا، ووقفت حيث وقف الأولون، فإنك أخونا يجمعنا وإياك رحم الإسلام والدعوة، وإن أبيت إلا العناد والمكابرة فلله الأمر من قبل ومن بعد!! "