بدأت السعودية ومعها دول خليجية وأخرى من العالم الإسلامي ،بشن حملة عسكرية على الحوثيين في اليمن، والتي سميت "بعاصفة الحزم" ، وذلك لإعادة الشرعية التي انقلب عليها الحوثيون والعودة إلى المسار الديمقراطي ، ولقد بدأت هذه الحملة العسكرية تحقق أهدافها على ما يبدو، خاصة بعد تراجع قوة الحوثيين، الذين تحولوا من موقع الهجوم إلى موقع الدفاع، كل هذا حصل في اليمن ،لكن هل هذه الغارات التي تشنها قوات التحالف ستنهي الاقتتال الدائر في اليمن ؟ وهل بإمكانها القضاء على الحوثيين وعلى قوتهم ؟ ألا يمكن لهذه الغارات التي لقيت مباركة من الجامعة العربية ومن الأممالمتحدة ،أن تأجج نار الفتنة بين الإخوة اليمنيين، وإدخالهم في أتون حرب طائفية لا شك أنها ستحصد اليابس والأخضر ؟ لا أحد ينكر أن جماعة الحوثي استأسدت وأفسدت في اليمن، وارتكبت جرائم حرب وانقلبت على الشرعية ،وأجهضت المسار الديمقراطي ، ولا أحد ينكر أن هؤلاء كانوا بصدد إقامة مشروع طائفي ايراني بالمنطقة ،لكن هذا لا يعني أننا يجب أن نواجه هذا المد الحوثي بمثل هذه العمليات التي ستقسم اليمن إلى ملل ونحل تتقاتل فيما بينها ،لأن العنف لا يولد إلا العنف، والقوة دائما ما تنتج عنها تداعيات خطيرة والتجارب كثيرة في بلداننا. واهم من يظن أن عاصفة الحزم ستضع حدا للمد الحوثي في اليمن ،لأن هؤلاء وإن كانوا سيتراجعون إلى الوراء ، وإن كانت قوتهم ستنهار بسبب محدوديتها ،التي لا يمكن مقارنتها مع قوة دول الخليج التي تملك أحدث الأسلحة، إلا أن ذلك لن يقضي على الحوثيين بشكل نهائي فهؤلاء سيفكرون في استراتيجية جديدة للمواجهة ، وربما سيلجأون إلى حرب العصابات ، في مواجهة قوات الرئيس عبد ربه منصور هادي التي يعرف الكل أنها ليست مؤهلة لمواجهة الحوثيين، وهذا ما سيرهق هذه القوات ومن الممكن العودة بالوضع في اليمن إلى سابق عهده. التحالف بين الدول العربية والإسلامية أمر محمود في مواجهة الأخطار، والتدخل من أجل إعادة الشرعية أمر بالغ الأهمية ، لكن لو كانت هذه الدول بالفعل تلتزم بهذه المبادئ وتستعملها في كليتها بعيدا عن الانتقائية، وبعيدا عن المصالح الضيقة ، فحتى لو صدقنا الرواية التي بدأت الدول المشاركة في هذه الحملة تروج لها الآن ، وحتى لو اعتقدنا أن عاصفة الحزم كما سموها جاءت استجابة لطلب الرئيس اليمني، وجاءت من أجل إعادة الشرعية التي تم الانقلاب عليها، فلماذا لم تقم هذه الدول بنفس الشيء لتعيد الشرعية في مصر بعد انقلاب دموي قاده السيسي وأعوانه ، بل لماذا كانت هذه الدول عونا لحاكم مصر الجديد في استكمال مسلسل الإنقلاب على رئيس شرعي، جاء عبر انتخابات نزيهة شهد العالم على نزاهتها ، لتأتي الآن هذه الدول لتحاول إعطاء دروس في الديمقراطية والشرعية وإلى ما هنالك من المصطلحات الرنانة التي أظهرت الأيام زيفها . حسب المنطق الخليجي فالانقلاب على الشرعية في اليمن يستوجب تدخلا عسكريا لإعادة الشرعية، أما في مصر مثلا فلا يستوجب ذلك تدخلا، وهذه مفارقة عجيبة من هذه الدول التي ما تزال تحاول إنكار النزعة الطائفية، وتحاول التهرب من الواقع الذي يبدو ظاهرا للعالم بأسره. الحملة العسكرية التي شنتها دول الخليج على مواقع الحوثيين في اليمن، تظهر بما لا يدع مجالا للشك، أن المنطقة سائرة في اتجاه حرب طائفية خطيرة ، فالتعامل بمنطق القوة لحل الخلافات بين الإخوة ،والانتصار لطرف على طرف آخر لن يحل المشكلة ، بل سيزيد من حدة التوتر والاقتتال ، فالغارات التي تشنها دول التحالف إذا ما حاولنا ربطها بما يجري في العالم العربي والاسلامي، سنجد أنها جاءت في إطار الحرب الطائفية بين ايران من جهة والسعودية وباقي الدول السنية من جهة أخرى، والوقائع على الأرض تظهر ذلك بشكل واضح. صحيح أن ايران الآن قد تدخلت في الشؤون الداخلية لأربع دول عربية، وزرعت فيها الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وصحيح أن ميليشياتها ترتكب أبشع الجرائم في حق السنة بهذه البلدان ، كل هذا صحيح ،ولكن هذا لا يعني أن تقوم السعودية وأخواتها باعلان الحرب على ايران من خلال البوابة اليمنية ،فمثل هذه التدخلات بالقوة العسكرية سيفتح الأبواب على مصراعيها لحروب قادمة ،ستكون أكثر طائفية من التي هي دائرة الآن وهذا ما لا نتمناه . على الشعوب الإسلامية الآن التي يقحمونها في مثل هذه الصراعات الطائفية، أن تعرف جيدا أن الطائفية ليست حلا ،وأنها على العكس من ذلك فهي بداية تخريب الأوطان، والعودة بالشعوب إلى قرون الجهل والتخلف ، فما نراه الآن يظهر أن هذه الدول، وإن كانت تدعي أنها في طريق بناء دول ديمقراطية تتسع للجميع، إلا أنها ما تزال تتخبط في الطائفية، وما تزال تحرض عليها ،وهذا لن يؤدي إلا لمزيد من الدماء ، فإذا كانت الأنظمة تحاول إذكاء هذا الصراع الطائفي ،وإذا كانت هي من تشعل فتيله فإن الشعوب في النهاية هي من تتحمل تبعاته وهي من تكون وقود هذه النار للأسف. الطائفية خطر محدق بالشعوب، والاستمرار في تغذيتها أخطر بكثير لأنها دائما ما ينتج عنها الاحتكام إلى القوة لمجرد الاختلاف ،ومن ثم خلق مجتمع يدين بالولاء للمذهب أكثر من الوطن، وهنا نهاية الدولة الوطنية ، فالديمقراطية هي الطريق الوحيد للخروج من براثن الطائفية ،والاحتكام إليها أساس بناء مجتمعات ترفض العنصرية والقبلية ، فما نراه ليس غريبا عن هذا العالم، فلقد سبق لأوربا أن عاشت نفس التجربة مع الطائفية البغيضة وخاصة بين البروتستانت والكاثوليك ، لكن استطاعت تجاوز ذلك بفعل الاحتكام إلى الديمقراطية والتداول على السلطة، وما أحوج دولنا السعيدة إلى مثل هذه التجارب التي قطعت مع النزعة الطائفية التي ما إن دخلت مجتمعا إلا وأهلكته .