بعدَ حديث ليسَ بالقصير مع أحدِ الأصدقاء...و لستُ متذكرا بالتفاصيل ما دفعه ليستل من جيبه بطاقة ،خطفتها من بين أصابعه و تمعنتُ جيدًّا ما دُوِّن فيها ،اسمه الشخصي و العائلي،لكن العبارة الأكثر استفزازًا " يجب توقير و تقدير حامل هذه البطاقة " سألته انذاك : لماذا يجب أن تحضوا بالتقدير و التوقير ؟ فأجاب ببساطة :لإننا شرفاء .تحاملت عليَّ مشاعر الغبن و الغيض و القلق …،حين يعتقدُ البعض من الذين نفترشُ معهم الأرض و نعيش معهم تحت سقف سماءٍ واحدة ،أنهم شرفاء مختلفون عن الباقي ،سألت نفسي سرًّا ،أن كان هؤلاء من يزكي شرفهم ،فمن نكون نحن إذن؟ أصدرت وزارتا الدّاخليّة و العدل الحُرّيات قرارًا مَانعًا لاستعمال بطائق الشرفاء و حتى بطبعها،في خطوة مصفق لها و تستحقُّ التنويه والإشادة ،لأنها ستقطعُ مع عهود من الشطط و " الغْمِيقْ" ، وقضاء مآرب كثيرة ،تصلُ إلى درجة الإفلات من العقاب ،فيكفي لحامل هذه البطاقة أن يضعها في الواجهة الأمامية لسيارته تقيه شرَّ المُساءلة حين الوقوع في الخطأ،فالقرار اتخذ تماشيا معَ الخطاب الرسمي الرائج الداعي إلى تسَاوي المواطنين في الحق و الواجب ،في ظل الحديث عن الدولة الحديثة . لعلَّ ما يثيرني و يبعث على التساؤل حول هذه البطائق أمرين اثنين ،أولهما مرتبط بالتسمية بطاقة الشرفاء ،يعني ذلكَ أن حاملَ هذه البطاقة يصنف ضمن قائمة صفوة الخلق في الأرض ، لا يحاسب و لايعاقب ...و أقصد حساب الدنيا.أما الأمر الثاني ،فما تتضمنه البطاقة من عبارة توجب توقير و تقدير حاملها ،فهذا معناه أن غير حامل لهذه البطاقة،لايعد شريفا ،فهو لا يستحق التقدير و الاحترام . قرار أجفَّ الصنبور على العصابات التي تُنَسِّبُ نفسها إلى الشرفاء ،لقي استنكارًا و شجبًا غابت عنه مسوغات غير مقبولة ،فالنسب الشريف لا يقاس بأمور شكلية كهذه من قَبِيل البطاقة أو غيرها،بل الشرف هو الإيمان بالحق و أداء الواجب ،إذا كنَّا حَقّا نعيشُ في قرون الحداثة و نسير نحوَ التغيير و ليسَ التمييز على أساس الجنسِ و اللغة و العائلة و النسب،فالمعارضون للقرار لهم مبرر واحدٌ لا غَيْرَ لهُ، أنهم مميزون و مُختارون عن باقي المواطنين ،فأرادوا للهوة الموجودة أصلًا لتتسعَ أكثرَ ،فلَا حاجة للبطاقة لكي تحصُلَ على الحقّ المكفولِ لك من قوانين الأرض و السماء ، فالشرف لصيق بأفعال إنسانية لا تختزلُ في بطاقة ملتصقة في زجاج السيارة أو مدسوسة في الجيب ،فالشرف هو ما تقوم به داخل مُجتمعكَ لتساهم في تقدمه و لا تكرسَ فيه قيم التفضيل و التمييز و الاستعلاء ،فالشرف هو أن تعي بمعاناة الاخرين تساعد و تتألمُ و تتضامن ... و تسهم في التغيير و كهذا يفهم الشرف ، فالشرف لخُّدامِ الوطن بالتفاني " وَكَالينْ عْرقهم" . إنَّ الشرف هو الإيمانُ بالمساواة و عدم التفريق بين الأفراد على أساس الجنس و النسب و الإنتماء و الهوية و اللغة، و تأدية الواجب و الاستفادة من الحق ،وهذا إن لم نسائل هؤلاء هل تجمعهم علاقة نسب حقيقية بمن ينسبون إليهم؟ أم أن الاعتكاف في ركن زاوية و احترام أبواب الأضرحة تجعلُك شخصًا شريفا.