في سعي منها لكسب أصوات الناخبين، دخلت الأحزاب السياسية المغربية المشاركة في الانتخابات في نوع من المزايدة حول وثيرة النمو الاقتصادي الذي يحتل ركنا أساسيا في تصريحاتها، لتلتقي في تطلعاتها إلى تحقيق معدل نمو لا يقل عن 6 بالمائة، ويصل أحيانا إلى 7 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وتعد هذه الأحزاب في الوقت ذاته المواطنين بخلق وظائف تتراوح بين 200 و250 ألف وظيفة، فيما رفعت بعض التنظيمات السياسية السقف إلى 350 ألف وظيفة. إضافة إلى تلويح البعض بتخفيض الضرائب على الشركات من 20 إلى 30 بالمائة. هذه الأرقام المتفائلة في ظل ظرفية اقتصادية غير ملائمة، هي بنظر خبراء اقتصاديين مجرد دعاية انتخابية، لكون أصحابها لم يتحدثوا في برامجهم عن مصادر تمويل هذه السياسات الاقتصادية. عروض إشهارية في هذا السياق اعتبر عز الدين أقصبي، الخبير الاقتصادي، في تصريح ل " العربية نت"، أن ما تروج له الأحزاب السياسية المغربية في حملتها الانتخابية تحت يافطة البرامج السياسية، ما هي في حقيقتها إلا عروض إشهارية، لما ينقصها تبعا له من جدية، مؤكدا على أنها بالخطورة بمكان، لما تحمله حسب وجهة نظره، من أرقام وصفها بالجد جد متضاربة ومتفائلة. فالقول برفع نسبة النمو الاقتصادي إلى 6 بالمائة أو 8 بالمائة، قول في رأيه لا يرتكز على الواقع الحالي للبلاد وبما تعرفه الساحة الاقتصادية لأوروبا الشريك الأساسي للمغرب من أزمة. في ذات السياق، تناول المحلل الوضع الاقتصادي العالمي، مشيرا إلى اقتراب وثيرته في بعض البلدان من الصفر، والتراجع الحاد في نسبة النمو لدا بلدان أخرى، مقدما معطيات أساسية تهم الاقتصاد المغربي تدحض في سلامة هذه الأرقام المتفائلة، فعلى مستوى إحداث مناصب الشغل، قال أن معدل العشرية الأخيرة بناء على التقارير الرسمية للمندوبية السامية للإحصاء تبين أنه لا يتجاوز 120 ألف منصب شغل، والوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالشؤون الاقتصادية والعامة يذهب في تصريحاته، حسب أقصبي في نفس المنحى. كما تحدث أقصبي، عن بعض البرامج التي ذهبت إلى خلق 300 ألف منصب شغل في الوظيفة العمومية، قائلا بأن هذا الرقم لم يسبق أن تجاوز بدوره 12 ألف منصب في السنوات الفارطة بدون احتساب المتقاعدين، وأنه يصعب في الظرف الحالي للميزانية خلق مناصب أكثر من السنة المنصرمة، مبرزا أن ميزانية 2012 التي قدمت للبرلمان ثم سحبت منه قبل المناقشة، تشير إلى مستوى العجز في حدود 22 مليار، مضافا إليها مخصصات صندوق المقاصة لدعم المواد الأساسية والذي عرف ارتفاعا هذه السنة بنسبة 30 بالمائة بميزانية بلغت 45 مليار درهم، وأن هناك تخمين حسبه بخفضها إلى 24 مليار درهم. وقال الخبير الاقتصادي: "يبدو أن هناك نوع من التعتيم وتقليم المصاريف التي ستكون مرتفعة، سواء تعلق الأمر بصندوق المقاصة أو بكتلة الأجور..."، مشيرا في نفس الوقت إلى 42 مليار ككلفة فقط لإعادة جدولة ديون المغرب سنة 2012، وهي ديون سائرة حسبه في الارتفاع في ظل معطيات مالية وصفها بالصعبة ووثيرة نمو يجزم بأنها لن تسير نحو التطور. وبذلك فإن ما تقدمه هذه الأحزاب تظل في نظره مجرد وعود للوصول إلى برلمان ليست له شروط تمثيلية، وبأنه لن يكون إلا كسابقيه، لأن المشاريع التي لها كلفة وترهن البلاد والعباد بديون خارجية أو تساهم في تطوير الاقتصاد، كالقطار الفائق السرعة والبرنامج الاستعجالي لإصلاح التعليم وغيرها من المشاريع الكبرى، تتخذ حسبه، القرارات بشأنها، خارج المؤسسات التشريعية، مما يعني بالنسبة إليه، أن ليس هناك رغبة في إحداث تغيير حقيقي. ظرفية صعبة من جانبه يرى إدريس بن علي الخبير والباحث الاقتصادي، في حديث خاص ل"العربية نت" أن الطلب في المغرب على الشغل يصل إلى 400 آلاف منصب، وكل سنة يتزايد عدد العاطلين ب 200 ألف، والبلد لا يوفر منها إلا 150 ألفا كل سنة، ويندرج ضمن هذا الرقم الأخير حسبه، العمال الموسميين ومعاوني الفلاحين وهم ينتمون في الغالب إلى أسرهم، وبالتالي فتوقعات الأحزاب في ما يخص التشغيل حسب الباحث، لم تأخذ بعين الاعتبار الانتقال الديموغرافي. إدريس بن علي، أشار أيضا إلى أن المغرب لا يعتمد على مقاييس الدول الصناعية، بحيث ترتبط مناصب الشغل لديها بخلق قيمة مضافة، في حين أن أغلب المناصب التي تحدث في المغرب تبعا للباحث، تندرج في غالبها في إطار المساعدة الاجتماعية أو العمل الإداري الغير المنتج. وشدد الباحث بأن لا يمكن بناء اقتصاد على الخدمات، بل يفترض توظيف الإمكانيات الاقتصادية التي تتميز بها كل منطقة في إطار من التكامل، معتبرا أن خلق فرص الشغل له ارتباط وثيق بارتفاع نسبة النمو في حدود 6 بالمائة على الأقل إلى 7 بالمائة، وهي الأرقام التي بشرت بها الأحزاب، لكن تحقيقها في نظره يعد من الصعوبة بمكان، مشيرا إلى أن نسبة النمو التي تحقق على عهد الحكومة السابقة لم يتجاوز 4 بالمائة، وأن هذا هو المعدل العادي الذي ظل يتراوح على امتداد عقود ما بين الرقم المذكور و 4,5 ، باستثناء سنة 2008 ، التي بلغ فيها 8 بالمائة وارتبط ذلك في نظر المتحدث، بالظرفية الاقتصادية التي شهدها المغرب آنذاك وما تميزت به من موسم فلاحي جيد وارتفاع ملموس لعائدات المهاجرين المغاربة. واستحضر الباحث الظرفية الاقتصادية الداخلية والخارجية التي لا يمكن أن تساعد في تحقيق نسبة النمو المبشر بها من طرف الأحزاب في حملاتهم الانتخابية، ومنها على المستوى الداخلي: مشاكل التوازنات الماكرو اقتصادية، ونسبة العجز المسجل في المالية العمومية بنسبة 5 بالمائة، و المديونية السائرة في الارتفاع، فيما تشهد تنافسية المغرب تراجعا، وأن الميزان التجاري لا يغطي إلا 47 في المائة من الصادرات للواردات، والحساب الجاري عرف تراجعا ب 5 بالمائة، أما مخزون العملة الصعبة فالمغرب لا يتوفر منه حسب الباحث إلا على خمسة أشهر، مقابل 11 شهرا المسجلة في السنوات الثلاثة الماضية. على المستوى الخارجي: أبرز بن علي أن الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعرفها أوروبا سيكون لها انعكاس على عائدات العملة التي يتم تحويلها عبر العمال المهاجرين أو من خلال قطاع السياحة، كما أثار مسألة تخفيض الطلب الأوروبي على السلع المغربية، وبالتالي تقليص الصادرات، وكذلك الاستثمارات الخارجية، عوامل يرى، بأنه سيكون لها تأثير سلبي على الاقتصاد الوطني، وبالتالي فإن مجمل هذه العوامل لا تسمح بتحقيق نسبة النمو المعلن عنها في البرامج الانتخابية، وإذا حقق المغرب في هذا الإطار نسبة 4.5 بالمائة، فسيكون ذلك ممتازا من وجهة نظر الباحث، خاصة إذا كانت السنة الفلاحية المقبلة جيدة. الاقتصادي المغربي، محمد بوستى، يشير بدوره، إلى أن التزام بعض الأحزاب بخفض الضريبة على الشركات من 30 بالمائة إلى 25 بالمائة، يقتضي بنظره، توضيح كيفية تعويض النقص الذي سينجم عن ذلك بالنسبة لخزينة الدولة في ظل الصعوبات التي تجدها السلطات العمومية على مستوى الميزانية، خاصة في ظل ارتفاع النفقات الذي سينجم عن الزيادة في الأجور التي تعتبر حسب الباحث، نفقات لا يمكن الضغط عليها.