ما بين التصريح الحكومي الذي قدمه رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران وتصريحاته أمام المشاركين في دافوس تبدو هوة سحيقة، فخلال مشاركته في المنتدى العالمي نزل بنكيران لأول مرة إلى أرض الواقع، واعترف بعجزه في حل المعضلات الحقيقية التي يتخبط فيها المغرب، ليتأكد أن رئيس الحكومة جازف كثيرا وهو يقدم أرقاما يبدو تحقيقها اليوم من قبيل المعجزات، خصوصا، في ظل تنامي مشاكل البطالة وارتفاع نسبة الفقر، وتقهقر القدرة الشرائية، وهي الملفات التي راهن عليها حزب العدالة والتنمية خلال انتخابات 25 نونبر الماضي ومنحته أصوات الناخبين. ويظهر من خلال الواقع الراهن أن هناك فرقا بين التصريح الحكومي والانتظارات الكبرى للشعب المغربي الذي لن يكون في مقدوره تحمل مزيد من تبعات فشل تدبير الشأن العام. وسيكشف القانون المالي الذي لم يتم طرحه للنقاش، صدق نوايا بنكيران، ومدى قدرته على تطبيق ولو الحد الأدنى من الأرقام التي أعلن عنها خلال التصريح الحكومي، خصوصا، أن قانون المالية الجديد سيكون عليه التأقلم مع الظرفية الاقتصادية الصعبة، ومع تراجع القدرة الشرائية للمواطنين المغاربة من ذوي الدخل المحدود، في انتظار أن تتحق رؤية بنكيران. البطالة : الشبح المخيف وعد عبد الإله بنكيران بتقليص نسبة البطالة بنسبة 8 في المائة خلال السنة الحالية، على أن تصل النسبة مع نهاية ولاية حكومة بنكيران 7 في المائة، وكان المعدل مع متم سنة 2011، هو 9.1 في المائة، مسجلا بذلك ارتفاعا قدره 0.1 نقطة بالمقاربة مع الفترة ذاتها من سنة 2010، وبالنظر إلى الظرفية الاقتصادية العالمية والتي انعكست سلبا على المغرب، فإن تقليص نسبة البطالة يبقى أمرا مشكوكا فيه، هذا إذا لم يتم تسجيل ارتفاع في معدلها. وقال خبراء ومحللون، إن هناك فقرا واضحا على مستوى المشروع الاقتصادي، في ظل أوضاع معقدة وصعبة تتطلب منهجية أخرى تعتمد الاجتهاد وتعتمد كذلك الجرأة، وليس مجرد أرقام يبدو تطبيقها من قبيل المستحيلات، وأوضح المحللون، أن بنكيران اعتمد نوعا من الاستخفاف الخطير بمضاعفات الأزمة الأوربية على المغرب، بل إنه ذهب إلى حد التأكيد على أن المغرب بمنأى عن الأزمة العالمية، بفضل مناعته الاقتصادية، وهو تصريحات كان يرددها قبله عباس الفاسي، قبل أن يقف المغاربة على حجم المأساة التي يعانون منها، مؤكدين على أن تقليص نسبة البطالة مرتبط عضويا بنسبة النمو، فعندما يتم تحديد معدل النمو في مستوى لا يتجاوز 5.5 في المائة خاصة إذا ربطنا ذلك بتخفيض البطالة بنقطة واحدة فهذا التخفيض يتطلب على الأقل إحداث مابين 350 و400 ألف منصب شغل سنويا، وهو الأمر الذي لا يمكن تحقيقه، بل إن التصريح الحكومي نفسه حدد عدد مناصب الشغل التي سيتم إحداثها سنويا في 250 ألف وظيفة، وبالتالي كيف سيدبر بنكيران ما تبقى من وظائف الشغل. ويرى مراقبون، أن سيناريو نسبة 5.5 في المائة يعتبر جد متفائل بل ومجازفة خطيرة، كما أنه يتنافى مع كل التوقعات بخصوص الاقتصاد العالمي والجهوي والوطني بالنسبة للسنتين المقبلتين، ويرى هؤلاء المراقبون أن الأزمة العالمية، وخاصة أزمة الديون السيادية لم ترم بظلالها بعد، وحتى في حال تمكنت منطقة اليورو التي يرتبط بها المغرب عضويا، من تجاوز أزماتها المتتالية، فإن عودة الانتعاش لا يمكن أن تتحقق إلا في حدود سنة 2016، هذا في حال تم التحكم في الأزمة الراهنة من خلال إجراءات عالمية محددة، ومن هنا سيكون رهان حكومة بنكيران على اقتصاديات بديلة من قبيل تركيا أمرا فيه كثير من المغامرة، خصوصا، أن تركيا كشريك اقتصادي تبدو نوعا ما مغامرة غير محسوبة، ولا يمكن أن تساهم في تنشيط عجلة الاقتصاد الوطني الذي يعتمد بشكل كبير على دول من قبيل فرنسا وإسبانيا تقليص العجز إلى 3 في المائة يراهن عبد الإله بنكيران على تخفيض العجز التجاري إلى 3 في المائة، دون الأخذ بعين الاعتبار الظرفية الاقتصادية الحالية وتواصل ارتفاع أثمنة المحروقات، إلى جانب نقص التساقطات المطرية التي تهدد الموسم الفلاحي، مما سيسجعل المغرب مضطرا لاستيراد حاجياته من القمح، وقال محللون، إن الأرقام التي قدمها بنكيران غير مقبولة من الناحية الاقتصادية لأنها لم تأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الاقتصادية المحيطة بالمغرب، والتي تهدد بمزيد من الانفجار، خاصة أن المغرب مرتبط اقتصاديا بدول الاتحاد الأوروبي. وكانت بيانات رسمية قد أكدت، أن العجز التجاري ارتفع بنسبة 25 بالمائة في 2011 ليسجل أعلي مستوياته علي الإطلاق عند 185.7 مليار درهم (21.2 مليار دولار) بسبب ارتفاع واردات الطاقة والقمح. وأظهرت البيانات الصادرة من مكتب الصرف أن إيرادات السياحة ارتفعت 4.3 بالمائة في 2011 إلي 58.8 مليار درهم، بينما ارتفعت تحويلات المغاربة المقيمين في الخارج ومعظمهم في غرب أوربا 7.3 بالمائة إلي 58.4 مليار درهم، فيما تراجعت القروض والاستثمارات الأجنبية الخاصة 35 بالمائة إلي 25.5 مليار درهم، وظل المغرب يعتمد كليا على السياحة وتحويلات المغاربة في الخارج، لكن مع صعود الإسلاميين تضرر القطاع السياحي بشكل كبير في انتظار رسائل الإطمئنان من جانب الحكومة المغربية، التي يمكن أن تشكل حجر عثرة في سبيل تطوير القطاع السياحي، أما تحويلا المغاربة في الخارج، وفي ظل الأزمة التي تضرب أوزروبا اليوم، فإن آلافا من المغاربة باتوا مهددين في وظائفهم، بل إن موسم الهجرة المعكوسة انطلق فعلا، لتجد الحكومة نفسها أمام أعباء جديدة قد يصعب عليها مواجهتها. وعلاوة على ذلك تواجه حكومة بنكيران معضلة جوهرية تتمثل في عجز الميزان التجاري المغربي وارتفاع الدين العام، حيث بلغ عجز الميزان التجاري في عام 2011 حوالي 20 مليار دولار، بنسبة ارتفاع بلغت 24% عن عام 2010، كما تفاقم العجز المالي ليبلغ 5.7% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2011، وهو الأمر الذي يعني أن الاحتياطي المغربي من العملة الأجنبية لا يكفي سوى لمدة خمسة أشهر فقط. وتواجه حكومة بنكيران معضلة جوهرية فإضافة إلى تفاقم عجز الميزان التجاري تواجه ارتفاع الدين العام، حيث بلغ عجز الميزان التجاري في عام 2011 حوالي 20 مليار دولار، بنسبة ارتفاع بلغت 24% عن عام 2010، كما تفاقم العجز المالي ليبلغ 5.7% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2011، وهو الأمر الذي يعني أن الاحتياطي المغربي من العملة الأجنبية لا يكفي سوى لمدة خمسة أشهر فقط، فكيف سيدبر بنكيران هذه المعضلات الأساسية. خفض الأمية إلى 20 في المائة وعد عبد الإله بنكيران بخفض نسبة الأمية إلى 20 في المائة، وهو رقم اعتبره كثير من المحللين مبالغ فيه، لعدة أسباب، من بينها ارتفاع نسبة الهدر المدرسي، وتقلص نتائج برامج محو الأمية، وكانت حكومة عباس الفاسي توقعت خفض نشبة الأمية إلى 30 في المائة مع نهاية سنة 2012، مستفيدة من ارتفاع عدد المسجلين في برامج محو الأمية من سنة إلى أخرى، إذ انتقل من 286 ألفا، سنة 2002-2003، إلى ما يفوق 702 ألف مستفيد ومستفيدة، سنة 2010-2011، ورغم ارتفاع الأصوات بشأن فعالية هذه البرامج، إلا أن حكومة بنكيران لم تقدم أي بديل حقيقي من أجل الاستفادة من التربية غير النظامية التي يمكن أن تجني ثمارها حكومة بنكيران، من خلال تعبئة الإمكانيات المتوفرة وعدم الركطون إلى ما تم إنجازه خاصة على عهد الوزير التجمعي أنيس بيرو. ويخصص الاتحاد الأوروبي منحة سنوية لدعم جهود المغرب في محاربة الأمية حيث خصص لها 300 مليون درهم في الفترة ما بين 2008-2013، مبرزا، أن قيمة الدعم تمثل 20 في المائة من الميزانية المخصصة لمحاربة الأمية، وهو ما يعني أن عمل حكومة بنكيران سيقتصر على تفعيل البرامج المطروحة، واعتماد إرادة سياسية حقيقية لإصلاح منظومة التعليم خاصة داخل العالم القروي الذي تقدر نسبة الأمية فيه بأكثر من 80 في المائة، إذ أن جهود الحكومة السابقة لم تسعف في تدبير قطاع التعليم بشكل يساهم في الحد من الهدر المدرسي. الاستثمار طريق بنكيران إلى الجنة اعتبر بنكيران أن تنشيط وتعزيز الاستثمارات الخارجية، تعد أولوية لدى حكومته، سواء في القطاعين العام أوالخاص، مع زيادة برامج التأهيل المهني، وتعهد بنكيران بشن حملة غير مسبوقة على الفساد الذي يكلف المغرب حوالي 2% من الناتج المحلي الإجمالي سنويا، لكن بنكيران وفي خضم حماسه لم يقل كيف سيعمل على تنشيط الاقتصاد في ظل الأزمة الراهنة التي جعلت كثيرا من المستثمرين يغادرون المغرب في اتجاه دول أخرى مثل أمريكا اللاتينية، خصوصا، مع المخاوف التي أثارها الربيع العربي وصعود الإسلاميين إلى السلطة. ويعتقد خبراء ومحللون، أن برنامج الحكومة لم يتضمن الخطوات الفعلية والخطط التي ستساهم في تنفيذ البرنامج الحكومي في مجال الاستثمار، مؤكدين، على صعوبة تنفيذ هذا البرنامج في ظل وجود مجموعة ضخمة من التحديات والصعوبات، والأهم من ذلك في ظل الإنكماش الاقتصادي الذي يهدد المؤسسات الحالية بالإفلاس، وسيكون على حكومة بنكيران التعامل مع تداعيات الأزمة المالية العالمية وتأثيرها المباشر على الاقتصاد المغربي إلى جانب اختلالات الميزان التجاري وتراجع احتياطي العملة الصعبة، وهي كلها عوامل يمكن أن تقف حجر عثرة في طريق تنشيط الدورة الاقتصادية، لتجد الحكومة نفسها أمام حلقة مفرغة. ويؤكد المحللون، أن البرنامج الحكومي لن يكون من الممكن تحقيقه إلا من خلال تحقيق قفزة اقتصادية متكاملة، لأنه لا يمكن توفير الوظائف دون زيادة حجم الاستثمار وتحقيق معدل أكبر للنمو، كما لا يمكن أن تنجح الحكومة اقتصاديا وحتى اجتماعيا دون إنجاز مشاريع اقتصادية كاملة، تعتمد على رفع معدل النمو، الذي يمكن من خلق فرص العمل، إلى جانب إصلاح الأوضاع الاجتماعية للمواطنين، ومحاربة الفقر والتهميش وتأهيل الاقتصاد والقضاء على الاقتصاد الريعي والمضاربات ومحاربة الرشوة والأهم من كل ذلك تحقيق العدالة المواطنة التي يمكن أن تعيد للمستثمر الأجنبي ثقته في القضاء المغربي.