تشكل الحياة المدرسية نواة أولى لإنتاج الوعي الاجتماعي، ومجالا رحبا لممارسة التربية الجيدة، المبنية على أسس متينة وصلبة، من خلال مسار يتحكم في بلورة فكر قادر على الفهم والتحليل، وإبداء الرأي، واحترام الاختلاف، ويتأسس على أساسيات التنشئة الكفيلة بإعداد الطفل للحياة الاجتماعية التي تنتظره . إن الجانب الاجتماعي في المدرسة هو الذي يفرض تناول القضية من جانبها التنشيطي التفاعلي، و كذا من خلال أدوارها الحاسمة، التي وجب الوقوف عند حدودها وقفة تحليل ثم تقويم، فإذا كانت الحياة المدرسية، أسلوبا لتنزيل المناهج البيداغوجية الصحيحة، تلك التي باستطاعتها تجاوز وضعية الجمود، وقادرة على تبني أنشطة تتعدى الأساليب الكلاسيكية، التي باتت متجاوزة، ولا تخدم تحديات الوضع الراهن، بكل سماته ومظاهره، والتي لا تزيد سوى من تكريس الملل، وإنتاج اللافكر، فإن المقومات الأساسية قد برزت بشدة، بل فرضت النقاش الحاسم بصددها، ذلك المرتبط بالنتائج التي تتمظهر في المجتمع، باعتباره مساحة تجلي، وفضاء خصبا يساعد على تحرير الطاقات، التي تبقى حبيسة الذات في غياب فضاء ملائم لاستثمارها، وبذلك تتحول إلى مكتسبات ومعارف أساسية يتم إنتاجها من خلال مجموع الأنشطة والممارسات الصفية، التي تراعي، في جميع أشواطها، الأسس القارة والثابتة، والهادفة إلى تنمية الكفايات والمهارات والقدرات، وتكريس مظاهر السلوك الإيجابي، من خلال منح الطفل حق المشاركة الفاعلة في مختلف أنشطة الحياة المدرسية، والمساهمة في إنتاجها وتتبع سيرورة مراحلها، ضمانا للنمو المتوازن عقليا، وجدانيا، وحركيا، وترسيخا للسلوك السوي لديه، فالتنشيط المدرسي بإمكانه جعل الطفل في قلب الاهتمام، وتعويده على التفكير السليم و الفعل المنتج، وإشباع مختلف حاجياته، كما يجعل العمل اليومي مجالا للإقبال على متعة التحصيل، ومبادرة تمكنه من حس تدبير الزمن، وجعل المكان مساحة فضلى للاستثمار. شرطان أساسيان لأجل أدوار فاعلة في البيئة المدرسية، وهما : التواصل، والحكامة الجيدة .
يقصد بالتواصل، في المجال المدرسي، تلك العملية، المنظمة، التي تربط عناصر، من خلال لغة مشتركة ترتكز على أهداف مشتركة، بآليات وأساليب مختلفة، الغرض الأساس منها توحيد المواقف و الاتجاهات، وخلق البدائل الصحيحة، فهناك التواصل الرمزي، والتواصل اللغوي، والتواصل عبر الإيحاء أو الرمز، ولكل هذه الأنواع من التواصل مهام وأدوار تصب في نفس المنحى، وتتجه نحو التأسيس لمدرسة الغد، في إطار منظومة مشتركة، تشترط جملة أساسيات من مظاهرها: تبادل الأفكار، خدمة المنحى التعاوني، جعل الإشعاع وسيلة لربط الاتصال بين جميع الأطراف، محليا، جهويا، وطنيا، عن طريق العمل على انتشار المعلومة، وإخضاعها لمنهج التقويم التشاركي التفاعلي، ذلك التقويم القادر على الإنتاج وإعادة الإنتاج، التكوين وإعادة التكوين، ضمانا لسيرورة العملية البيداغوجية في إطار التغذية الراجعة المستمرة . إن الأزمة الفعلية للمدرسة المغربية، ليست أزمة أهداف أو غايات، بقدر ماهي أزمة أساليب وآليات، أدوار ومهام جديدة، فرغم صياغة واضحة لأهداف، مسطرة سلفا، وفق خطة محكمة، واستراتيجية فاعلة وتفاعلية، فلابد من توفير أفضل الأساليب، وانتقاء أنجع الآليات، تلك القادرة على ربط المواقع بالمسؤوليات، حسن التدبير، وعقلنة الأعمال والبرامج، واعتماد الحكامة الجيدة، المتجلية في جملة معايير و مؤشرات على رأسها : معيار التشارك في صياغة القرار الأنسب، معيار العدالة في ربط الحق بالواجب، تكريس نهج الكاريزما، الذي يمكن من ضبط العلاقات في إطار القيادة السلسة والجيدة المبنية على التأثير والتأثر.
لقد أفرزت المرحلة رهانات، جمعت بين الأولويات والأساسيات، غير أنها لم تترك المجال واسعا لكسب هذا الرهان أو ذاك، بل فرضت وعاء زمنيا جد مركز، فلا مجال لإهدار الوقت والجهد في عمليات لا طائل من ورائها، سوى تكريس نفس الإيقاع، وتزكية نفس الوضع، لقد باتت المدرسة المغربية تسبح في فلك دائري بدون نتائج ولا مردودية، فإلى أي حد جاز لنا أن نتساءل: أين مكامن الخلل؟ وأين مواطن الداء؟
من الصعب الجزم بأحادية الأسباب والمسببات، أو الادعاء بامتلاك الحل السحري، الكفيل بعلاج الكدمات والجراح التي سببتها تراكمات عديدة ومتنوعة، لدرجة تشابكت الخيوط، وازداد الأمر تعقيدا، لكن كلما كان التشخيص واقعيا وموضوعيا، ينطلق من مكانه الحقيقي، ويرتكز على الاستعداد التام للتدخل الجدي، و الرغبة الصريحة في انقاد الوضع من الانفجار، وكلما تكرست الوقفة الذاتية، المركزة، لأجل التقويم التصحيحي الحقيقي، للمنظومة البيداغوجية في شموليتها، كلما توفرت بدائل مدرسة الغد، حينها سوف تتقلص الهوة بين الأزمات و الحلول .