يقطع المشروع أشواطا، فهو يمر من التنظير نحو الممارسة، ومن تفاعل عصارة الأفكار إلى حسن تنزيلها، فقد تكون الأزمة الفعلية أزمة تنظير، حيث نجد أنفسنا? أحيانا أمام كم? من الأفكار التي قد تبدو نافعة، لكن سرعان ما تصطدم? بالجانب العملي، الذي يعتبر المحك الرئيسي للتحقق، فعند الشروع في عملية التطبيق تكون النتيجة عكسية، مما يصعب معه العودة من جديد إلى نقطة البداية، ولن تكون الفرصة سانحة لتكرار الأمر في كل الأحوال . فالشرط المطلوب لتتحقق الموضوعية والنجاعة، هو أن يتصف النظري بالدقة وانسجام الأهداف و الكفايات مع الواقع، بناء على الاهتمام بتقديم الحلول، إذ أن مرحلة التشخيص، والغوص في المشكلات المطروحة قد انتهت، فقد بتنا أمام مرحلة الحسم، تفريغ الآراء واستخلاص العملي منها في اتجاه التأسيس لوضع ينسجم و حجم الانتظارات? . فالعلاقة تكاملية بين عالم الأفكار والواقع، بين النظري و الميداني، و الحديث هنا يجرنا بالأساس إلى اعتماد خطة حاسمة ومشروع ناجح، فكل الأفكار التي تروم إصلاح? الوضع التربوي التعليمي علينا استحسانها، على الأقل في مراحلها الأولى، بل قد يكون الحكم عليها في الوقت الراهن بمثابة اغتيال لنية الإصلاح ومقاصده، وإصدار الأحكام الاستباقية لا تمثل سوى استثناءات شاذة قد تجرنا إلى نقد كل جديد، وكل نقد لا يقوم على أسس موضوعية بحثة، فهو من قبيل الهرطقات، ويظل التنظير سليما مادام محك الواقع لم يحكم بعدم صلاحيته، بشرط الاحتكام إلى المنهاج التنظيري الأقرب إلى التطبيق .?????? إن المجال التعليمي التربوي في حاجة إلى مشروع حقيقي، ولن يكون النجاح سوى إذا توفر عنصران أساسيان : التنظير الواقعي العلمي، والذي يعتمد على تراكم الخبرات والتجارب الميدانية، واتخاذ الخطوات المناسبة، ويبقى إشراك نساء ورجال الممارسة الميدانية في صياغة المشروع التربوي وفق مقاربة التعاقد، أبرز ركن ضمن معادلة الإصلاح، فمن دونه? يظل المشروع الإصلاحي ناقصا وغير مكتمل الأبعاد، فما المقصود بالتعاقد ؟ خامسا: بيداغوجيا التعاقد إن تحقيق العلاقة التفاعلية والمتشعبة بين مكونات المجتمع والأسرة والمدرسة كمؤسسات للتربية على القيم، ودعم مبادرات التكوين الذاتي، لا بد لها من بيداغوجيا التعاقد التي تمكن من خلق قيم التعاون، ونشر روح المسؤولية، لتحقيق الجودة التي يراهن عليها الجميع، ومن تمة فإن دور الفاعلين و الشركاء على السواء يتمثل أساسا في التوجيه وإرساء الحكامة الجيدة، وبناء الشخصية المتزنة للطفل، وترسيخ السلوك السوي لديه . فلا شك أن منظومة التعاقد تقتضي خدمة الغايات المشتركة لأجل بناء شخصية الطفل، وغرس روح الابتكار لديه، وتعويده على المبادرة الذاتية، و إعداده للانخراط في الحياة الاجتماعية وخدمة الجوانب المعرفية و الوجدانية لشخصيته. تعد المدرسة فضاء خصبا لإنتاج العادات السوية، وتصحيح التمثلات، فهي تصنف ضمن العوامل المساهمة في التنشئة الاجتماعية، لكنها تبقى غير مكتملة، فهي في حاجة إلى مشروع شمولي يندرج ضمن بيداغوجيا التعاقد المرتكزة على الطفل كهدف وكمحور العملية كلها، وإذا كان مضمون التعاقد هو ضبط العلاقة بين أطراف من أجل تبادل المنفعة التي تقتضي تحقيق أهداف مشتركة، فإن هاته العلاقة لا بد أن ترتكز على تعويد الطفل التعلم الذاتي ونشر قيم المبادرة والانفتاح على البيئة والمحيط، و في إطار التعاقد الثنائي، تبقى المدرسة والأسرة نواة التربية، باعتبارهما مؤسستان تعملان على خدمة الأبعاد المعرفية الثقافية والوجدانية، وكدا المساهمة في التنشئة الاجتماعية وتأهيل الفرد، وتيسير اندماجه في المحيط، وتنمية القدرة لديه على إبداء الرأي . من دون شك، فإن فلسفة التعاقد بين الفاعلين والشركاء، كأطراف، والمؤسسات التربوية الاجتماعية، ضمن معادلة بيداغوجية، كدينامية لا بد منها، تهدف خدمة جوانب الحياة المدرسية والاجتماعية لإنتاج عنصر بشري مؤهل لأجل مدنية السلوك و الممارسة، فإنها تعتبر بحق بديلا فريدا لإنجاح المشروع البيداغوجي الذي هو في حاجة دائمة إلى تنزيل، كبيداغوجيا صفية في حاجة إلى مشروع صفي، أو مشروع القسم، فما المقصود بالمشروع الصفي ؟ سادسا: المشروع الصفي ارتبط المفهوم بالتربية الحديثة الداعية إلى تشجيع المبادرة الفردية واكتساب الفكر التعاوني، فهو لا يخرج عن إطار المشروع التربوي الذي ظهر كمظهر من مظاهر التجديد التربوي، تبنته فرنسا منذ أوائل الثمانيات، وفرضته بنص قانوني صودق عليه سنة 1989 ، حيث ألحت التوجيهات الرسمية على تخصيص %10 من الغلاف الزمني لمشاريع صفية . يعتبر مشروع القسم عملا تربويا يتمحور حول الطفل ليصبح فاعلا في العملية، من خلال المنحى التشاركي لأطراف مساهمة في إيجاد حلول عملية لوضعيات يواجهها المحيط المدرسي، فيتم اقتراح خطة عمل وانتقاء الوسائل قصد تحقيق المبتغى . يعالج المشروع التربوي قضايا تربوية، ويعمل على دعم العمل المدرسي في مختلف مساراته، كما يجعل من الفصل الدراسي مجالا واسعا للإشعاع وتنمية القدرات والمهارات، يروم الرفع من جودة التعلمات، ويعمل على اكتساب المتعلم روح الفريق من خلال ممارسة الأنشطة والعمليات المسايرة لحاجيات الحياة المدنية، وتتجلى أهمية المشروع البيداغوجي الصفي في كونه خطة عمل يتم إعدادها وفق مراحل : سابعا: مراحل إنجاز مشروع القسم: يرتبط المشروع التربوي بالمؤسسة التعليمية وبالمجال الصفي البيداغوجي ارتباطا وثيقا، كما أنه مشروع تفاعلي دينامي، يحيط بمختلف جوانب ووضعيات مؤسسة التربية والتكوين، ويقوم بتوظيف الطاقات والمهارات لإنجاز عمل ميداني يستند على أهداف محددة ويسهر على أجرأتها وتنزيلها وفق استراتيجية تعتمد على آليات ولوجستيك مادي أدبي وبشري، فيقطع أشواطا : بدء بالتشخيص، دراسة الحاجيات، اعتماد خطة عمل لا تزيغ عن مسار الأهداف المسطرة، ثم تحديد السقف الزمني للإنجاز، واستثمار الموارد المتاحة و الكفاءات المتوفرة دون إهمال الاعتماد على مقاربة عمل الفريق وتوزيع المهام، كضرورة ملحة . وإذا كان المشروع التربوي هو الأداة التي تخدم شخصية الطفل في جانبها الشمولي: وجداني، حركي، تربوي، تعليمي، فالطابع الإجرائي للمشروع هو الكفيل بالتنزيل السليم وتسطير الخطة الناجحة، فتتطلب عملية الإنجاز تفعيل الأدوار، وإشراك جميع مكونات الفصل الدراسي، مما يجعل المشروع يندرج ضمن الجانب التعاوني المؤسساتي، فهو مسعى مرتبط بفترة زمنية محددة يروم الوصول إلى نتيجة حتمية مرتبطة بقدرة وإمكانية تحقيق الغايات والأهداف، لكن نجاحه يفرض تلاحم وانسجام ثلاث مراحل: الإعداد، التنفيذ، التتبع .?? * الإعداد : تعتمد هذه المرحلة على تشخيص الوضع التعليمي وفق الاحتياجات الضرورية المعرفية والسلوكية والمهاراتية، فيتم اعتماد خطة واستراتيجية وفق مقاربة الأهداف . * التنفيذ : يتم تحديد الآليات الكفيلة بإنجاح المشروع بعد حصر الأدوار وفق علاقة تعاقدية بين الأطراف تضبط المهام والمسؤوليات، وتحديد السقف الزمني والإمكانات اللوجيستيكية من أدوات ووسائل العمل الكفيلة بتحقيق الأهداف . * التتبع : لا تنتهي العملية عند حدود إنجاز المشروع، بل تتعداه إلى مرحلة التتبع قصد تقويمه وتبيان مواطن الخلل فيه، بمعرفة مدى تحقق الأهداف، والكفايات المستثمرة، بالإضافة إلى التركيز على مدى مبادرة وانخراط الأطراف . يقطع المشروع البيداغوجي أشواطا ليتم في النهاية الحكم بنجاحه أو فشله، فمن دون شك فهو يخدم جملة وظائف، تمثل بحق السبب الرئيسي في اعتماده كبيداغوجيا أو كمقاربة حكم عليها المهتمون بالنجاعة والفاعلية، فأين تتجلى وظائفه؟ ثامنا: وظائف المشروع الصفي يقتصر المشروع البيداغوجي على المجال المدرسي الصفي، ويتم تنفيذه بتدخل فاعلين أساسيين يمثلون عناصر حاسمة في الحياة المدرسية، أما مشروع القسم فيمثل بدوره البعد الإجرائي للمشروع التربوي، كما أنه يضم مكونات اندماجية ترتكز على مجموعة من الكفايات من مختلف المواد يمكن أن تنجز من طرف جماعة الفصل في إطار دينامي جماعي، خلال فترة زمنية محددة، وفق أهداف إجرائية يتم صياغتها لتحقيق النتائج المرجوة . يسمح مشروع القسم بتعلم كيفية إدماج وتعبئة الموارد و المعارف في سياق مهاراتي لحل وضعية مشكلة تعترض المتعلم، أو لتحقيق مهمة ما، فالكفاية تشمل أعمالا مركبة انطلاقا من إدماج وتعبئة مجموعة من القدرات و المهارات المعرفية و الوجدانية و الحركية لأجل استثمارها بنجاعة في حل مجموعة من الوضعيات التي يشملها المشروع . يتمثل الدور المفقود داخل المؤسسة التربوية في القيمة التي يمكن أن يمنح المتعلم من خلال حضوره بالفضاء المدرسي من خلال مقاربة المشروع البيداغوجي، لذلك يتعين إعطاء وجوده مكانة تتجلى في طبيعة الأعمال التي يشارك في إنجازها، ليتمكن من إيجاد معنى لوجوده ضمن الجماعة، حتى ينصهر داخلها باعتباره عنصر إنتاج في إطار دينامية تفاعلية، وتمكينه من تحقيق رغباته وميوله . يعد مشروع الفصل مدخلا لإرساء علاقات تشاركية، كما يمكن من بناء علاقات تفاعلية قصد الرفع من المردودية، فمفهوم الشراكة يعني تفاعل وتداخل الأدوار بين المؤسسة المدرسية ومكونات المحيط، ويمثل التشارك والتعاقد الدعوة للعب أدوار حيوية لإنجاز مهام، وهي علاقة مبنية على مشروع مشترك بين أطراف تتقاسم نفس التوجه ونفس الأهداف، تتجلى من خلال تبادل المعلومات والموارد في منحى تكاملي . تاسعا: بطاقة تقنية للمشروع الصفي المؤسسة: م.م ابن جرير الطبري الفئة المستهدفة : متعلمو المستوى السادس ابتدائي الموسم الدراسي: 2014/2015 المشروع : تنمية قدرات المتعلمات والمتعلمين على اكتساب التقنيات الأولية للمعلومات واستثمارها عبر مراحل . شعار المشروع : إدماج التقنيات الحديثة ضرورة من ضرورات العصر . المدة الزمنية للمشروع : طيلة الموسم الدراسي . 1) الأطراف المشاركة في المشروع : الإدارة التربوية، نادي الإعلاميات، الأستاذ، المتعلمون. 2) المستفيدون و المستفيدات من المشروع : متعلمات ومتعلمو المستوى السادس . 3) تشخيص الوضعية الحالية : * نقاط الضعف : ضعف على مستوى المبادئ الأولى لدى أغلبية تلاميذ القسم . ارتباط الصعوبات بالعائق اللغوي . غياب ملكة البحث لدى جل المتعلمين . * نقاط القوة : توفر المؤسسة على قاعة متعددة الوسائط تحتاج فقط إلى تجهيزها بالحواسيب، وتواجد نادي الإعلاميات ضمن أنديتها التربوية. 4) أهداف المشروع: تعويد المتعلم على البحث الذاتي حتى يعتمد على نفسه و جهده بإرشاد من الأستاذ . تدريبه على استغلال أوقات فراغه في التردد على القاعة متعددة الوسائط تحت إشراف الأستاذ بهدف توسيع آفاق تفكيره و تركيز معلوماته . تنمية قدرته على التعامل مع الحاسوب . 5) مرحلة الإنجاز: أ تكوين ركن للإعلاميات بالفصل الدراسي : مع بداية السنة الدراسية، يُقترح على المتعلمين بتخصيص ركن خاص بالإعلاميات بالفصل الدراسي، وتنظم عملية استعمال الحاسوب من طرف لجنة مكوَّنة من المتعلمين تحت إشراف المدرس . ب- استثمار الموارد : دعوة المتعلمين إلى البحث والاطلاع على مواضيع لها علاقة بالمجالات المدروسة (في ركن الإعلاميات، القاعة متعددة الوسائط، نادي الإعلاميات)، حيث يتم تكليف مجموعات تصنف بحسب المجالات الدراسية . يتم استثمار نتائج البحث في حصص أسبوع الدعم الموجه لجميع المتعلمين، حيث تتولى كل مجموعة تقديم المادة الإعلامية ومضمونها وضع خلاصة لها لها، ثم تكلف المجموعات بالبحث عن مواضيع ومكونات أخرى استعدادا للحصة المقبلة . 6) موارد المشروع: البشرية: الأطر التربوية و الإدارية والمتعلمون . المادية: المكتبة الرقمية، حواسيب ... 7) التتبع و التقويم: أ) التتبع و التقويم الداخلي : يتتبع المدرس إنجاز الأعمال، ويقوم بتقويمها بانتظام . تنظيم ورشات للتقاسم مع مشروع قسم تلاميذ المستوى السادس من مؤسسة تعليمية أخرى في إطار التوأمة . ب) التتبع والتقويم الخارجي : من طرف إدارة المؤسسة، المسؤول عن تتبع المشاريع إقليميا، مكتب نادي الإعلاميات . عاشرا: خاتمة إن المشروع التربوي الصفي يدفع بالمتعلم نحو ميل حقيقي إلى إنجاز أعمال نابعة من ميوله واهتمامه، فيكتسب من خلالها قدرات ومعارف ومهارات يوظفها في حياته اليومية، وتساعده على مواجهة وضعيات تتطلب حلولا، فتسمح مقاربة العمل بالمشاريع ببناء تعلمات جديدة من خلال إنماء روح المبادرة التنافسية وتشجيع العمل الجماعي، مما يخلق حافزا حقيقيا للتعلم الذاتي، ويمكن من صنع الفكر التعاوني، وينشط الدوافع الداخلية، ويقوي الرغبة في الانخراط والمشاركة . تتجلى أهمية مشروع الفصل الدراسي في كونه مجالا يعطي المتعلم القابلية على اكتساب معارف في ظرف زمني محدد من خلال استخدام مهاراته، وكذا اكتساب القدرة على تحمل المسؤولية، بالإضافة إلى استثمار تقنياته لتحقيق أهداف تعلمية. المصادر والمراجع المعتمدة: * د. محمد الدريج: مشروع المؤسسة والتجديد التربوي في المدرسة المغربية، الجزء الثاني، منشورات رمسيس، الرباط، ط 1 ، 1996 * معجم مصطلحات المناهج وطرق التدريس، من إعداد فريق عمل يرأسه د. محمد الدريج * الميثاق الوطني للتربية والتكوين: وزارة التربية الوطنية * بيداغوجيا الكفايات: عبد الكريم غريب * المذكرة الوزارية رقم:199 بتاريخ 5 غشت 1992 * المذكرة الوزارية رقم: 73 بتاريخ 12 أبريل 1994 * المذكرة الوزارية رقم: 27 بتاريخ 24 فبراير 1995