عشية اجتماع تيار الانفتاح والديمقراطية الذي أسسه الراحل أحمد الزايدي ببوزنيقة؛ وإعلانه بشكل رسمي انشقاقه عن حزب الاتحاد الاشتراكي؛ وعزمه تأسيس حزب جديد يخوض به الانتخابات الجماعية في شتنبر المقبل؛ كان إدريس لشكر برواق المجلس الوطني لحقوق الإنسان ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب في الدارالبيضاء يناقش مواضيع في غاية من الأهمية. مواضيع من شأنها أن ترأب الصدع اليساري، وأن تقنع المواطنين المغاربة بأن لا يبغوا بديلا عن حزب الوردة البنفسجية؛ الذي يقدم لهم حلا سحريا للمعضلات الاقتصادية والاجتماعية، وطفرة نوعية في عدد من القطاعات الحساسة. لقد كان إدريس لشكر؛ أشهرا قليلة فقط قبل انطلاق الانتخابات الجماعية؛ يناقش «حجاب المرأة المغربية»، و«أحكام الإرث الإسلامي»! مجدِّدا مطالبه الشاذة بالمساواة التامة بين الذكر والأنثى في الإرث. وهي المطالب نفسها التي سبق أن رفعها قبل أكثر من سنة؛ فجَرَّت عليه وابلا من الانتقادات بلغت حد تكفيره؛ واستلزم الأمر حينها تدخل المجلس العلمي الأعلى؛ الذي أعلن مشكورا وبكل وضوح؛ أن أحكام الإرث قطعية لا تجديد فيها، وأنه «لا مجال للرأي في طلب التسوية بين الرجل والمرأة في الإرث»؛ كما أنه «لا اجتهاد مع وجود النص، كما هو مقرر في القاعدة الأصولية الفقهية عند علماء الشريعة». وكتب بعد ذلك الدكتور مصطفى بنحمزة، رئيس المجلس العلمي بوجدة وعضو المجلس العلمي الأعلى، مقالا مطولا وضح فيه أن أحكام الإرث كاملة وشاملة وعادلة، وأن من يطالب بالمساواة التامة يجني على المرأة ولا يدافع عنها، وكشفت منابر إعلامية؛ منها جريدة «السبيل» من خلال ملف خاص، أن اليساري إدريس لشكر بعيد عن فهم نصوص الوحي أو الحديث عنها، لأنه لا يتوفر على الأهلية العلمية ليفهم سياقها ومضمونها ومقاصدها، كما أنه يقرؤها تحت تأثير مرجعية تحكم تفكيره، ولا تسمح له بالفهم الصحيح والوقوف على مراد الله تعالى منها، ما يجعله دوما يصل إلى نتائج خاطئة؛ ومفهوم محرف للدين، ومن تم التقدم بمطالب شاذة. إن «لشكر» لا يمكنه أن يجهر كفاحا في بلد كالمغرب بأنه لا يقبل حكم الله تعالى في الإرث، ولا يمكنه أيضا أن يفصح -دون نفاق- بأن حكم الله ليس عادلا في هذا التشريع؛ لكنه يتترس بالمطالبة بالاجتهاد لإلغاء هذا الحكم الذي تبقى من منظومة الأحكام الشرعية الإسلامية، ويرفع شعار الغيرة على المرأة ليعلن أن حجابها أمر نسبي و«موضة يتباهى بها عدد كبير من المحجبات». وهو لا يقف وحده طبعا في جبهة المطالبين بإلغاء ما تبقى من أحكام شرعية؛ سواء على مستوى التشريع أو السلوك؛ إذ يشد عضده عدد من الجمعيات النسوية والمنابر الإعلامية التي ترفع المطالب نفسها. ولنا أن نتخيل مثلا لو خرج فصيل إسلامي ببيان يكشف مخاتلات لشكر ورفيقاته؛ ويشجب مطالبهم الشاذة، أو اعتلى خطيب منبرا فدافع عن التشريع الإسلامي وبين عدله وشمولية رؤيته، ورد على أصحاب المطالب التي تحادُّ اللهَ ورسولَه، فحينها سنسمع مجددا سيمفونية الإعلام العلماني، وسنرى رأي العين بيانات الجمعيات الحقوقية؛ التي تحارب «الفكر الوهابي المتطرف»!!! وتطالب بتدخل وزارة الأوقاف والمجلس العلمي الأعلى، لأنه المخول الوحيد بإصدار الفتوى في النوازل! أمَا وقد وضَّحَ المجلسُ نفسه حكم المطالبة بتغيير/تجديد نظام الإرث؛ وأنه لا اجتهاد في مورد النص، فحينها سنسمع قطعا خطابا مغايرا تماما؛ خطابا مفاده ألا أحد من حقه احتكار المقدس أو تفسيره؛ كما صرحت فوزية العسولي عقب بيان المجلس العلمي الأعلى بخصوص المطالبة بالمساواة في الإرث. لقد نص القرآن الكريم بكل دقة ووضوح على أحكام الفرائض وأنصبة أهلها، وفصل أحكام الإرث تفصيلا دقيقا، جعل كل من يحاول إلغاءه أو المس به متعديا لحدود الله، ومحادّا صريحا لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. والهجوم على هذا التشريع الرباني الذي ولد كاملا، ولم يحتج لأية إضافة أو تعديل أو تطور، بخلاف غيره من النظم الوضعية؛ فلا يخدم الأحزاب السياسية التي تطمح إلى تحقيق شعبية كبيرة تخول لها الفوز في الانتخابات، ولذا لا يخوض أدهياء السياسة في مثل هاته القضايا وإن كانت لهم قناعات مخالفة متباينة. ولكنه النزق والعمى الإيديولوجي والغرور والغطرسة هي ما قاد الرجل الأول في حزب الوردة ليفتح على نفسه جبهات سيخسر فيها اليوم كثيرا بكل تأكيد؛ كما خسر رفاقه في اليسار من قبل، وفتحه لجبهة ثقافية قيمية ضد التيار المحافظ لن يزيد الناس إلا نفرة منه وفرارا من حوله. وعلى نفسها جنت براقش...