توالت ؛ في الأشهر الأخيرة ؛ أنباء وقصاصات إخبارية عن حجز السلطات المغربية لكميات هائلة من المخدرات في طريقها إلى الشحن خارج المغرب ، أو للتوزيع والاستهلاك الداخلي ، وفي حالات عديدة ، يتم ضبط أنواع منها لدى المسافرين عبر المطارات . هذا إلى جانب تزايد ارتفاع أصوات جمعيات ومنظمات دولية وحكومية منددة وأحيانا متهمة المغرب بتقصيره وتساهله في مكافحة أو الحد من تجارة المخدرات . في خضم هذه الموجة من أنباء المخدرات drug news والأصوات المنبهة ؛ سواء من أطراف حكومية أو غير حكومية ؛ تبث بعض وسائل الإعلام الرسمية أشرطة لعمليات إحراق وإتلاف رزم وألواح من المخدرات الصلبة أو اللينة من طرف ثلاثة إلى أربعة أفراد من رجال الدرك ... إلى هنا ينتهي مشهد الإحراق والإتلاف ، بينما الأخبار؛ بضبط واحتجاز ألوان من المخدرات ؛ تظل متواترة ، لا تخل أية صحيفة مغربية من الإشارة إليها بشكل يومي .. وللمرء أن يتساءل عن مدى صرامة السلطات المغربية في مكافحتها لإنتاج وترويج أو تسريب هذه السموم ؟ وهل المغرب يتوفر على منظومة قوانين في هذا الاتجاه .. وما هي آليات تطبيقها ؟؟ وهل هي ناجعة بالسرعة والقدر الكافيين ؟
خارطة المرور
يحتل المغرب الجغرافي موقعا هاما يعتبره بارونات وتجار المخدرات في العالم بوابة حيوية ونقطة استراتيجية للتوزيع وعبور المخدرات إلى أربع قارات ؛ أوروبا ، وآسيا ، وإفريقيا ، وأمريكا عبر المغرب . وتغطي زراعة الحشيش في المغرب ما يقرب من مساحة 80,000 هكتار ؛ في الوقت الذي ناهزت فيه 10 ألف هكتار بأفغانستان التي تأتي في الرتبة الثانية بعد المغرب في زراعة القنب الهندي (1)؛ هذه المساحة منتشرة في مناطق كتامة وشفشاون والعرائش وتاونات ؛ تنتج ما يفوق 38,000 طن من مادة الحشيش ، يدر سنويا ما يقدر ب 15 مليار دولار ! وتسجل للمغرب جهود حثيثة في القضاء على استنبات الحشيش واستبداله بزراعة القنب ، وتكثفت هذه الجهود خاصة في عهد الملك الراحل الحسن الثاني ، وبتعاون ملحوظ من قبل دول أوروبية بصرف منحة مالية قدرت بأزيد من 700 مليون درهم من هيآت دولية لتغطية حاجيات أهالي مناطق الريف ... إلا أن هذه الجهود سرعان ما اختفى أثرها في أعقاب شح هذه المساعدات المالية وعدم شمولها كل الزارعين .. وقد ظل هذا الملف يراوح مكانه منذ أزيد من عقدين ، حتى صار ؛ في الآونة الأخيرة ؛ مطية سياسية تركبها بعض الأحزاب في حملاتها الانتخابية .
نفوذ أباطرة المخدرات في الاقتصاد الوطني
منذ أزيد من ثلاثة عقود ؛ عظم شأن منتجي وموزعي ومروجي المخدرات بالمغرب ، وتضاعفت ثرواتهم وامتد نفوذهم إلى أجهزة حساسة في الدولة ؛ مكنتهم من تغطيات سياسية وحماية من أن تطالهم يد القانون ، بالرغم من افتضاح أمر بعضهم على يد الصحافة الأجنبية والإسبانية منها خاصة في أعقاب انفجار فضيحة الإسباني الذي اغتصب مجموعة من الأطفال المغاربة !. على أن تكدس ثرواتهم ؛ جعلت منهم أرقاما وازنة في جانب من الاقتصاد الوطني عموما . وهكذا أمكن لتبييض أموالهم اكتساح قطاعات اقتصادية هائلة مدرة للربح ؛ كالعقار ومواد البناء والسياحة الفندقية والصيد البحري إلى جانب التهريب بالكميات الضخمة . وهناك ؛ من الخبراء الاقتصاديين ؛ من يعزو ارتفاع وتيرة غلاء المعيشة والأسعار في المغرب إلى تنافسيتهم الشرسة وتواجدهم بقوة في أسواق المال والأعمال .
وسائل عمل متطورة
بالنظر إلى الأموال الضخمة التي يدرها الاتجار في المخدرات ؛ يشتغل قطاع عريض من المواطنين المغاربة والأجانب في شبكات إنتاج وتهريب المخدرات ؛ تتوسع أنشطتها بدءا من الزارعين وانتهاء بالموزعين والمروجين . وهناك نقط جغرافية حساسة تعتبر ؛ في خارطة مسالك المخدرات ؛ بوابات استراتيجية لتمرير السلع وبالكميات الضخمة من هذه المواد المخدرة drugged substances؛ كمينائي سبتة وطنجة ، عدا المرافئ الصغيرة أو المهجورة والمنتشرة عادة على طول الساحل المتوسطي شمالا جوار مدينتي الحسيمة والناظور كبني انصار والقرية والفنيدق . وتتوفر هذه الشبكات العملاقة على وسائل لوجيستيكية متطورة في عمليات تشمل استيراد وتصدير وتوزيع وترويج المخدرات ؛ كالطائرات الخفيفة والقوارب النفاثة والشاحنات والسيارات بمختلف الأحجام ، إلى جانب وسائل تكنولوجية متطورة في الاتصالات المشفرة ، وكلها تشتغل ؛ في معظم الأوقات ؛ ليلا تحت أعين يقظة من العملاء والموالين للسلطة أحيانا . بيد أن هناك ؛ في المقابل ؛ شبكات من العملاء والجواسيس موالية للسلطة ، مهامها رصد الصفقات وحمولاتها ومسالكها لإخبار الأجهزة المختصة في مكافحة المخدرات ، وإبلاغها بالمواقع وبعض التفاصيل لاعتراض سبيلها نهارا ... إما في طريقها إلى الدخول أو الخروج عبر طرق ومعابر حدودية ، وموانئ ومطارات المغرب .
تساؤلات مشروعة
ومن حين إلى آخر ، يبث الإعلام الرسمي أشرطة خاصة باحتجاز كميات من المخدرات . قبل إتلافها وإحراقها ، وإن كانت هذه العملية الأخيرة ؛ كما تبثها بعض القنوات الرسمية ؛ مشوبة بالغموض ؛ مما يثير تساؤلات عديدة في نظر المواطن المغربي ، أولا هل الكميات المحتجزة كلها تخضع لعملية الإتلاف والإحراق ؟. ثانيا هل هناك إجراء ؛ منصوص عليه في قانون مكافحة المخدرات ؛ يرسم الكيفية التي بموجبها يتم إحراق المخدرات ؟ وما هي الأطراف التي يخول لها القانون ضرورة الإشراف المباشر على هذه العملية إلى جانب رجال الدرك ؟.هل تتوفر السلطات الرسمية على أفران معدة لهذه الغاية حماية للبيئة ؟...
أضواء حمراء منبهة ...
غني عن البيان ، أن هناك منظمات وجمعيات وهيئات حقوقية ؛ حكومية وغير حكومية ؛ تنشط ؛ وعلى المستوى الدولي ؛ في مجال مكافحة المخدرات ، والعمل على رصد مسالكها والتدخل لدى الجهات المعنية بغرض التعاون واقتفاء ممرات مافيات المخدرات ... ويعاني المغرب ؛ بين حين وآخر ؛ من اتهامات مباشرة ؛ توجه إليه من هذه الجهة أو تلك ؛ للتقصير في مساعيه بمتابعة شبكات الاتجار في المخدرات ... وخاصة من جارته إسبانيا التي ذهبت بعيدا في رصدها لهذه الآفة ، وتحريها في مصير الثروات الضخمة ( بمئات الملايير من الدولارات ) التي تجنيها مافيات المخدرات ، والتي انتهت بها " التحقيقات " أخيرا إلى العثور على علاقة ؛ آخذة في التنامي ؛ بين المخدرات وتسليح التنظيمات والجماعات الإرهابية على المستوى الدولي ، بما فيها تنظيما القاعدة وداعش ...!
(1) Report of 2014 UNODC ; UN Office on Drugs & Crime ;P 56;58