ووري الثرى عشية اليوم الأربعاء بمقبرة ( القبب ) بفاس جثمان الفنان الراحل محمد بوزوبع أيقونة فن الملحون الذي وافته المنية صباح اليوم بفاس عن عمر يناهز 76 سنة بعد معاناة طويلة مع المرض . وحضر مراسيم تشييع جنازة الفقيد محمد بوزوبع، الذي يعد أحد أعمدة فن الملحون بالمغرب، العديد من الفنانين والمعلمين وشيوخ فن الملحون إلى جانب مجموعة من المعارف والأصدقاء وعموم محبي الفنان الراحل في لحظة وداع مؤثرة . وخيمت أجواء الحزن والأسى بين مشيعي هذا الفنان الذي ساهم في تجديد فن الملحون من خلال إضافات إبداعية ستظل حاضرة في ذاكرة كل عشاق هذا الفن الأصيل، خصوصا بين رفاق الدرب الفني، وكذا في أوساط أعضاء جوف فن الملحون بإذاعة فاس الجهوية الذي كان الراحل يرأسه . وتبادل المشاركون في الجنازة العزاء في فقدانهم لأحد رجالات فن الملحون والتراث العيساوي باعتباره ظل طوال العقود الماضية يتربع على مشيخة هذا اللون الفني وضمن استمراريته بين الأجيال المتعاقبة . وأشاد العديد من الفنانين والمهتمين والباحثين في الفنون التراثية بالفنان المبدع الحاج محمد بوزوبع مستحضرين عطاءاته وإسهاماته في إشعاع فن الملحون من خلال أعمال فنية جدد من خلالها مرتكزات هذا الفن كما حافظ على أصوله المتمثلة في الموروث الملحوني الذي خلفه الشيوخ الكبار . وعبرت هذه الشخصيات، في تصريحات لوكالة المغرب العربي للأنباء، عن الأسى لفقدان أحد رجالات المشهد الفني المغربي في شقه التراثي المتعلق بفن الملحون ومدح الرسول الكريم والتراث العيساوي، مؤكدة أن الساحة الفنية المغربية فقدت برحيل الفنان محمد بوزوبع علما من أعلام فن الملحون الذين كان لهم الدور الكبير في الحفاظ على أصالة هذا الفن وعلى قيمه وإشعاعه . وقال السيد محمد الكوزي ( باحث في الفنون التراثية ) إن الفنان الراحل الحاج محمد بوزوبع " كان أقرب الناس إلى آخر عنقود من الدالية القديمة لفن الملحون بالمغرب "، مشيرا إلى أن الراحل الذي ينتمي لأسرة صوفية تتلمذ على يد والده امحمد بوزوبع، الذي كان من الشيوخ الكبار في فن الملحون والتراث العييساوي وكذا على يد عمه سيدي الهادي وغيره من الشيوخ الكبار قبل أن يبرع في اداء قصائد من عيون هذا الفن الأصيل . وأضاف أن الراحل تشرب الفنون التراثية من ملحون وطرب الآلة وفن عيساوة وساهم من خلال رئاسته لجوق الملحون بإذاعة فاس الجهوية في التعريف بهذا اللون الفني وصيانته وضمان استمراريته، مشيرا إلى أن الفنان بوزوبع الذي كان من الحفاظ الكبار لمتن الملحون جدد هذا الفن من خلال إبداعات شكلت إضافات نوعية سواء من حيث الأوزان أو الأداء او اللحن . وبدوره، اكد الشيخ عبد المالك اليوبي، الذي يعد أحد أكبر نظام فن الملحون الأحياء بالمغرب، أن الراحل استطاع أن يؤدي مجموعة من القصائد التي نظمها له بطريقة متفردة وبرع فيها لأنه كان يمتلك ناصية اللغة ويجيد التنويع في الأداء، يساعده في كل هذا صوته الصافي وتحكمه في طبقاته . وأوضح أن الفنان الراحل قام بأداء وتسجيل ما يربو عن 120 قصيدة من فن الملحون نظمها له، وتنوعت مواضيعها ما بين العشق والمدح والمناسبات والأعياد الدينية والوطنية إلى جانب قصائد في مدح الرسول الكريم وفي التراث العيساوي وغيرها . ومن جهته، أكد امحمد السعيدي محافظ جوق الملحون بإذاعة فاس الجهوية، الذي لازم الراحل لفترة تزيد عن 50 سنة، أن وفاة الفنان محمد بوزوبع تعد خسارة للميدان الفني وللفنون التراثية بصفة عامة باعتباره كان أحد أعلام هذا اللون الفني " لقد كان فنانا كبيرا وكانت معاملته لنا معاملة أب وليس معاملة رئيس جوق " . وأكد أن الفقيد قدم الشيء الكثير لفن الملحون وجدد فيه وحببه للشباب ودعمهم وشجعهم على الاهتمام به، مشيرا إلى انه كان دائم البحث عن الجديد ويسعى إلى تطوير هذا الفن سواء من حيث الأوزان أو الأداء، وهو ما عكسته الحفلات والتظاهرات التي شارك فيها سواء داخل المغرب أو خارجه . واعتبر السيد فؤاد العامري (عازف بجوق الملحون بفاس) أن رحيل الفنان الحاج محمد بوزوبع يعد خسارة كبيرة للفن المغربي، مشددا على أن عزاء الفنانين والمبدعين هو في موروثه الإبداعي والفني الذي راكمه طيلة عقود والذي يجب الحفاظ عليه وصيانته . ويعتبر الراحل محمد بوزوبع أحد أهم رجالات فن الملحون الكبار بالمغرب باعتبار مساهماته في إثراء هذا اللون الفني الأصيل وضمان استمراريته في ساحة هبت عليها رياح التغيير والتغريب من كل جانب . وساهم الفقيد، الذي ولد بفاس سنة 1939 ، من خلال أعماله الفنية والإبداعية في تجديد فن الملحون الذي شكل عبر قرون رافدا أساسيا ومهما ضمن الموروث الفني والموسيقي المغربي وقدمه للجمهور في توليفة فنية متجددة فسحت له مكانا أثيرا في ذائقة أجيال عشاق الفن بالمغرب قديمها وجديدها . كما يعد الفنان الراحل، إلى جانب شيوخ كبار أمثال عبد الكريم كنون والحسين ابن إدريس وإدريس بنجلون وغيرهم، أحد أقطاب فن الملحون الذين ساهموا بأعمالهم الفنية في صيانة هذا الفن الأصيل الذي يمتح من التراث الفني المغربي الغني والمتنوع .