ساهم الفقيد الذي ولد بفاس سنة 1939 من خلال أعماله الفنية والإبداعية في تجديد فن الملحون الذي شكل عبر قرون رافدا أساسيا ومهما ضمن الموروث الفني والموسيقي المغربي وقدمه للجمهور في توليفة فنية متجددة فسحت له مكانا أثيرا في ذائقة أجيال عشاق الفن بالمغرب، قديمها وجديدها. كما يعد الفنان الراحل إلى جانب شيوخ كبار أمثال عبد الكريم كنون والحسين ابن إدريس وإدريس بنجلون وغيرهم، أحد أقطاب فن الملحون الذين ساهموا بأعمالهم الفنية في صيانة هذا الفن الأصيل الذي يمتح من التراث الفني المغربي الغني والمتنوع. لقد نهل الفنان محمد بوزوبع من مرجعية صلبة وغنية تمثلت في تراث والده امحمد بوزوبع الذي كان لوحده قامة شامخة في فن الملحون والتراث العيساوي كما تتلمذ على يد مشايخ آخرين من بينهم عمه الهادي بوزوبع وغيره قبل أن يصبح أحد أعمدة فن الملحون بفاس والمغرب من خلال إبداعات بصمها بلمسته الخاصة المجددة في الكلمات والأداء والنغم. وبرأي العديد من المهتمين والعارفين بالفنون التراثية فإن الفنان الراحل محمد بوزوبع يعد أحد أهم المجددين في قصيدة الملحون والتراث العيساوي على مستوى الإنشاد والأداء حيث استطاع أن يؤسس لمدرسة خاصة به، تجلت عناصرها في قصائد خالدة من قبيل "خدوج"، "ارفق يا مالكي"، "الدمليج"، "محمد صاحب الشفاعة" وغيرها. ورغم أنه عاش داخل وسط تقليدي محافظ، فإن براعة الفنان الراحل تكمن في قدرته على أن يحدث طفرة كبيرة على مستوى تفاعل الجمهور والمهتمين والعارفين بفن الملحون من خلال التجديد في المواضيع والألحان وفي الأداء بطريقة جديدة وبتوزيع إيقاعي جديد. كما تميز الفنان الراحل الذي كانت له غيرة كبيرة على فن الملحون بإدخاله الصوت النسوي في أداء مجموعة من القصائد التي جدد في مواضيعها وأدائها حيث غنى في العشق والمدح والمناسبات والأعياد إلى جانب قصائد في مدح الرسول الكريم وفي التراث العيساوي، حيث جاب بفرقته العالم معرفا بمضامين هذه اللون الفني وناشرا لقيمه في العديد من المهرجانات والتظاهرات الوطنية والدولية. وساهم الفقيد الذي ترأس جوق الملحون بالإذاعة الجهوية لفاس لسنوات طويلة في احتضان العديد من الفنانين الشباب ودعمه وتشجيعه لمجموعة من الأسماء التي أصبحت الآن تحتل مساحات مهمة في المشهد الفني المغربي، وخصوصا في مجال فن الملحون. وأغنى الراحل الذي اشتغل أستاذا بالمعهد الموسيقي بفاس الريبرتوار الموسيقي لإذاعة فاس الجهوية من خلال أزيد من 170 أغنية وقصيدة كان لها دور في صيانة فن الملحون والمحافظة على هذا الموروث الفني الأصيل. وبرحيل الفنان محمد بوزوبع الذي سيوارى جثمانه الثرى بعد عصر اليوم الأربعاء بمقبرة (القبب) بفاس تكون العاصمة الروحية للمملكة قد فقدت أحد المشايخ الكبار في فن الذاكرة التراثية بامتياز، الذي عكس فرادة وتنوع الموروث الفني والموسيقي المغربي. (و م ع)