موت، دماء، أشلاء ، أعضاء مبتورة وعاهات مستديمة .. ومن حالفه الحظ يصاب بجروح.. الصورة ليست من أفغانسان وليست من العراق ولا من غيرها من بؤر الحروب في العالم. إنها ببساطة علامات مميزة لأرقام قياسية يحطمهما المغاربة بشكل يومي على الطرقات. لكن للأسف هذه الأرقام لا تساوي ذهبا ولا تسجل في كتاب غنيس للأرقام القياسية، بل فقط تجعل المغرب في صدارة الدول التي تخاض على طرقها حروب دامية لاترحم أحدا0 حرب شرسة على الطرق تخلف آلاف الصرعى سنويا حرب شرسة لا تميز بين راجل أو سائق بين شاب أو شيخ ولا بين صبي أو فتاة، قد تكون على الرصيف ويحصدك سائق متهور فقد السيطرة على عربته, أو مسافرا مع سائق فاقد للوعي يقود حافلته نحو الهاوية, وقد تفاجأ بسائق في الإتجاه المعاكس على طريق متهالكة ضيقة, ولك أن تتخيل النتيجة المأساوية في جميع الحالات السابقة . ضحايا الموت المجاني في حوادث الطرق,يتحولون إلى مجرد رقم لامعنى له في لائحة طويلة لا تخلف وراءها سوى الخسائر. أرامل وثكالى ويتامي لا معيل لهم, ومعاقون وجدوا أنفسهم فجأة وقد تحولوا إلى عالة على أهاليهم وعلى الوطن, في كلفة ثقيلة تصل إلى مليارات الدراهم سنويا تتكبدها خزينة الدولة معدل الضحايا من القتلى في حوادث السير بالمغرب يصل إلى عشرة يوميا رقم فظيع لكنه مرشح للارتفاع إلى 14 قتيلا في افق 2012 . كل هذا يحدث في ظل مرور سنة من عمر مدونة السير, حملات مكثفة للتوعية والتحسيس بمخاطر الطريق,وصلات إشهارية على التلفزة والمذياع حملات ميدانية بالشوارع والطرقات, ندوات ودراسات وزيارات تحسيسية داخل المدارس والثانويات. لكن مقابل كل هذا يصبح المغاربة ويمسون على أخبار الموت والدماء التي تراق على جنبات الطرق, في وتيرة ترتفع في الأعياد والمناسبات والعطل لتحولها إلى مآتم وكأن المغاربة لا حق لهم في الفرح والاحتفال. إجراءات كثيرة اتخذها المغرب لمواجهة هذه الكارثة منها منع استعمال الهواتف النقالة أثناء القيادة، وفرض وضع حزام السلامة وحظر ركوب الأطفال في المقعد الأمامي، وكذا تحديد السرعة القصوى للشاحنات في 85 كلم في الساعة خارج المدار الحضري ووضع قيود على سرعة السيارات وتحديد سرعتها في 100 كلم في الساعة كذلك خارج المدار الحضري ومع ذلك لازال المغاربة يتساقطون كل يوم صرعى في الشوارع والطرق. طرق مهترئة، حافلات وسيارات متهالكة، إهمال وتهور السائقين من سرعة مفرطة وعدم استخدام حزام الأمان، والسياقة تحت تأثير الكحول وعدم انتباه الراجلين، وسوء توزيع علامات التشوير أو انعدامها, إضافة إلى تفشي خطير لوباء الرشوة الذي يمنع تطبيق القانون كلها عوامل وأسباب تقف خلف الموت المنتشر في الطرقات, وللأسف لا مؤشر يلوح في الأفق على أن هذا النزيف قد يتوقف قريبا. كريم غلاب : حصيلة إيجابية لتطبيق مدونة السير كريم غلاب وزير التجهيز والنقل، يرى أن حصيلة سنة من تنفيذ مدونة السير على الطرق تظهر أن عدد حوادث السير سجل انخفاضا ملموسا بلغت نسبته ناقص 6،16 بالمائة، وذلك مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية, وهو التراجع الذي يتم تسجيله لأول مرة منذ سنة 2004 تاريخ وضع الاستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية. الوزير أشار إلى أن مجموع حوادث السير بلغ 66 ألف و517 حادثة، منها 3285 حادثة مميتة تسببت في مقتل 3857 شخصا، بمعنى أن عدد القتلى ظل مستقرا خلال السنة الأولى من تطبيق المدونة (زائد 0،36 بالمائة)، وأرجع عدم فعالية المراقبة الناجمة لعدم توفير تجهيزات المراقبة تطبيقا لمقتضيات مدونة السير خلال السبعة أشهر الأولى من دخولها حيز التنفيذ، والتي تسببت في مقتل 3857 شخصا وإصابة 98 ألف شخصا بجروح، من بينهم 11 ألف و957 إصاباتهم خطيرة . و فيما يتعلق بالجانب الزجري وبفاعلية عقوبات مدونة السير, مكن وضع الرادارات المحمولة خارج المدار الحضري على مشارف المدن، من التصدي بفعالية للإفراط في السرعة، الذي يعد أحد الأسباب الرئيسية في الوفيات الناجمة عن حوادث السير خارج المدار الحضري، وبخصوص تطور عدد حوادث السير خلال سنة من دخول المدونة حيز التنفيذ، أكد غلاب أن الثلاثة أشهر الأخيرة من سنة 2010 سجلت انخفاضا ملحوظا في عدد الحوادث، وهو ما يعزى للمفعول السيكولوجي, الذي ترتب عن تطبيق المدونة، فيما عرفت الأشهر الأربعة الأولى من سنة 2011 شبه استقرار، في حين عادت حوادث السير للانخفاض خلال الفترة الممتدة من شهر ماي إلى شتنبر 2011، وذلك نتيجة الزيادة التدريجية للمراقبة بالرادار ابتداء من يوليوز 2011 0 وزير التجهيز والنقل أشار أن مكافحة حوادث السير تشكل أولوية في سياسة الحكومة التي وضعت منذ سنة 2004 استراتيجية وطنية للسلامة الطرقية ذات نتائج ملموسة وتهدف إلى التقليص المستمر من ضحايا حوادث السير، وأنها ذات صبغة عملية، واكبتها استراتيجية للتواصل متناسقة ومستمرة عكس الحملات السابقة التي اتسمت بالظرفية والموسمية. وأشار إلى أن الاستراتيجية الوطنية تتميز بتعدد الأبعاد، من ضمنها البعد الأكثر أهمية وهو المتعلق بالجانب التشريعي، والقانوني، والمراقبة والزجر، مبرزا أنه بعد نقاش ديمقراطي استغرق خمس سنوات مع كل مكونات المجتمع المدني، توصلت الحكومة إلى مدونة سير جديدة تمت المصادقة عليها يوم 14 يناير الماضي من قبل البرلمان، وبعد سنة بدأت تظهر نتائجها الإيجابية في تخفيض حوادث السير 0 عدم تحديد ساعات عمل السائقين وراء إزهاق الأرواح بعد كل حادث تسارع البلاغات الرسمية، لإلصاق التهم بتهور السائقين، أو الحالة الميكانيكية للعربات، لكن دائما تبقى بعض التفاصيل محجوبة عن الأنظار, عبد العالي خافي رئيس المجلس النقابي لنقل المسافرين، صرح للأحداث المغربية بالقول أن للجريدة « نحمل المسؤولية لوزارة النقل وقد نتجه نحو القضاء لأن الوزارة لم تف بالتزاماتها وتنفيذ ما اتفق عليه من بنود لمدونة السير … انتظروا المزيد من حوادث السير المميتة إذا لم يتم تحديد ساعات العمل، في حالة نقل المفافرين قد تحتسب الحادثة في نظر المسؤولين واحدا، لكن عدد القتلى يكون كبيرا ومضاعفا 0 ويضيف عبد العالي خافي « لابد من تطبيق المدونة بحذافيرها، ونحن كمهنيين نحمل مسؤولية الحوادث القاتلة في مجال نقل المسافرين لوزارة النقل، التي لم تلزم أرباب النقل باستعمال جهاز مراقبة السرعة وساعات العمل المحددة ، علما أن الجهاز موجود في كل الحافلات الحديثة، لكن أربابها يتعمدون عدم استخدامه، كما المراقبة الطرقية تتساهل في مراقبته، بعض الشركات التي تستغل الخطوط الطويلة، ترفض لحد الأن تفعيل مسألة توظيف سائقين اثنين في كل حافلة، وتفضل الإعتماد على سائقين لمسافات طويلة الأمر الذي كان سيحقق ساعات عمل مناسبة وفترات راحة للسائقين،. مضامين المدونة تلزم السائق بالعمل 4,5 ساعات، فقط ثم يرتاح بعدها ل 45 دقيقة ، ويعمل مجددا ل 4,5 ساعات مجددا أي مجموع تسع ساعات في اليوم, يرتاح بعدها 11 ساعة متصلة، لكن اليوم لايزال السائقون يعملون حوالي 13 أو 14 ساعة متواصلة دون فترات راحة، يضيف عبد العالي فما الجدوى من تفعيل بنود مدونة السير وتجاهل البعض الآخر . مدونة السير جاءت للحد من من حوادث السير، وبالضبط بعد استفحال عدد ضحايا حافلات نقل المسافرين، مثل الحادثة التي وقعت بين الوداية ومراكش، وخلفت 20 قتيلا قبل سنوات، كما أن كل الإتفاقات التي تمت بين الحكومة والمهنيين، وجميع بنود المدونة، تنص على أن الأخيرة تسعى لتقليص عدد ضحايا الحرب الطرقية, لكن يبدو أن الشق الزجري فقط في المدونة هو الذي حظي بالأولوية، فيما تم إهمال الشق المتعلق بضمان حقوق السائقين المهنيين، وحماية المواطنين وضمان السلامة الطرقية لمستعملي الطرق بالمغرب. حوادث السير في أرقام مكن نشاط جهازي الدرك الملكي والأمن الوطني خلال السنة الأولى من تطبيق المدونة من تسجيل 502 ألف و279 مخالفة وتحرير 235 ألف و267 محضر يتعلق بالغرامات التصالحية والجزافية المؤجل أداؤها والجنح. كما بلغ عدد الغرامات التصالحية والجزافية التي تمت تأديتها بشكل فوري 251 ألف و467 غرامة، إلى جانب 158 ألف و632 محضرا للأداء المؤجل، بينما بلغ عدد توقيف المركبات 13 ألف و858 مركبة في حين تم إيداع 68 ألف و445 مركبة بالمحجز. وخلال السنة الأولى لتطبيق المدونة خضعت 26 ألف و250 رخصة سياقة لعملية خصم النقط، من بينها 10 بالمائة تتعلق بالرخص المؤقتة، بينما تمثل الرخص التي تم خصم نقطة واحدة منها 55 بالمائة من الحالات المسجلة، أما تلك التي خصم منها أربعة نقط فقد بلغت نسبتها 25 بالمائة، في حين بلغ العدد الأقصى للنقط المخصومة من الرصيد 23 نقطة. ويلغت خلال نفس الفنرة العقوبات القضائية ذات الصلة بمدونة السير 17 ألف و558 عقوبة، تشمل 10 آلاف و304 غرامة، و84 حكما بالسجن النافذ، و1418 حكما بالسجن مع وقف التنفيذ، إلى جانب 4880 حالة توقيف رخصة السياقة و8 حالات تتعلق بإلغاء هذه الرخصة، فيما سجلت 208 حالة تتعلق بإجبارية الخضوع للتدريب على التربية الطرقية، فضلا عن 656 حالة إيداع بالمحجز.