ماذا يحدث للمنظومة التعليمية بالمغرب؟ ما هذا الإنزلاق الأخلاقي و القيمي الذي يضرب الجسم التعليمي ببلادنا؟ و لماذا العنف و اللجوء لمصطلحات سوقية و رديئة في تربية و تعليم أبناء المغاربة؟ و هل نحن إزاء منعطف خطير يتهدد الأجيال المستقبلية التي ستشكل العمود الفقري لمغرب الغد؟ موضوع واقع التعليم بالمغرب ليس جديدا و إنما قديم متجدد بشكل دائم مادامت أحواله لم تتغير و لم تتحسن إلى ما نصبو إليه و هو أيضا يثقل كاهل الدولة بمصاريفه و ضعف نتائجه التي تظهر جليا في التقارير الدولية التي يتذيل فيها المغرب تصنيفات هذه التقارير. في هذا السياق، أصبح العالم الإفتراضي مؤخرا ساحة يُنشر فيها غسيل تعليمنا الرديء و يظهر بين الفينة و الأخرى المستوى المتدني الذي تعرفه كل مكونات الجسم التربوي ببلادنا. فأصبحنا نقرأ عن احتجاجات هنا و هناك ردا على الأوضاع السيئة التي يتخبط بها التعليم و كذا انعدام الشفافية و المصداقية في التعامل مع كل التلاميذ و الطلبة و نرى كذلك رجال تعليم يصورون تلامذتهم بهواتفهن المحمولة دون أدنى احترام لخصوصية طفولتهم و لما يفرضه الاحترام الواجب لهؤلاء الأطفال، و رأينا رجال تعليم يستهزؤون من تلامذتهم و يستغلون براءتهم للسخرية من مستواهم الضعيف الذي لا يتحملون فيه أي مسؤولية و إنما المسؤولية العظمى يتحملها من كان يُنظِّر و يُجرب في أبناء هذا الوطن العزيز كل النظريات حتى و إن كانت مستوردة لا تتوافق و الطبيعة و البيئة السوسيولوجية للمغرب، و رأينا كذلك أساتذة يستغلون الأطفال لتصفية حساباتهم الوسخة و صراعاتهم التي تُغذيها تضارب مصالحهم و مآربهم الشخصية على حساب ما يُنتظر منهم و ما يفرضه عليهم نبل و عظمة مهنتهم التي قيل عنها ذات يوم أن من يمتهنها كاد أن يكون رسولا. الحديث عن التعليم في المغرب لا يجوز معه تعميم حكمنا على كل رجال التعليم لأن فيهم من يشتغل وفقا لما تُحتمه مهنتهم النبيلة و يعتبرون أبناء المغاربة أبنائهم و يُراعون لانتظارات أولياء أمرهم و يعملون بجد و بمثابرة قصد تبليغ رسالتهم النبيلة رغم ضعف الوسائل و قساوة الظروف التي يشتغلون بها. و الحديث هنا يقتصر فقط على أولئك الذين يستغلون سلطتهم في القسم لينتقموا لأنانيتهم و أحلامهم التي تشتت بعدما اختاروا التعليم كسبيل لكسب رزقهم على حساب براءة أطفال ذنبهم الوحيد أنهم اختار آباؤهم التعليم العمومي للدراسة و التعلم ليس لأن جودته أعلى و تناسب تطلعاتهم و لكن لأن أحوالهم لا تسمح لهم بتسجيل فلذات كبدهم في المدارس الخصوصية التي يُسَوق على أن مستوى التعليم فيها أجود و الجميع يعمل من أجل تعليم أفضل حتى يهجر الجميع إلى فصولها و تستفيد من المستوى الرديء و الهجمة الشرسة التي يتعرض لها التعليم العمومي و تنخر جيوب فئة لا بأس بها من المغاربة في أمل تعليم جيد و أنجع. أن يمارس العنف بكل أنواعه في مدارسنا بدون أن تراعى براءة الأطفال و التلاميذ و حاجتهم لمن يكون قدوتهم في محاسن الأخلاق و يكون الأب و الأخ الذي يأمر في وقت الصرامة و ينهى عندما يلاحظ انحرافا من قبلهم فهذا يشكل ضربة موجعة لكل السياسات التعليمية التي تغفل في جانب كبير منها دور الموارد البشرية في إنجاح أو إفشال كل السياسات مهما كانت دقة و نجاعة الأهداف و الوسائل التي وضعت لإنجاحها. فبالآضافة للاكتظاظ و تكدس التلاميذ في أقسام تبدو في كثير من الأحيان متهالكة و متسخة و غير مهيكلة لا يمكن أن تساعد على تقديم برنامج تعليمي في المستوى كما يراد له، يمكن الحديث عن الإرتجالية التي تعرفها جل البرامج و كذا المحسوبية و الزبونية التي تطغى على ولوج التلاميذ و الطلبة للمدارس العليا و الجامعات و مؤسسات التكوين و كذا دور الإيواء و هو وضع يعكس في تجلياته منطق مسؤولينا شبه المنعزل عن الواقع الصعب و الهش للبنية التعليمية المغربية و الذي يكرس الهوة الشاسعة بين ما هو عليه الواقع المعيش و ما يتم إعداده من برامج و سياسات من أجل الرقي بمستوى التعليم ببلادنا. و بعيدا عن هفوة التعميم و الخلط بين الصالح و الطالح و الزج بجميع رجال و نساء التعليم في الخانة السوداء التي لا تُقدر المسؤولية النبيلة الملقاة على عاتقها فالبعض ممن ينتسبون لهذا الجسم يتخذون مهنتهم مطية لإفراغ مكبوتاتهم و ممارسة شذوذهم و تجريب ساديتهم في الأقسام و حجرات الدرس على أطفال و تلاميذ لا ذنب لهم في فساد و فشل نظامنا التعليمي. لا يختلف اثنان في كون انحرافات نظامنا التربوي و التعليمي مؤشر خطير على سوء الأوضاع و الأحوال التي تزكي و تجسد بشكل مطلق دونية المراتب التي تحتلها بلادنا في مؤشرات المنظمات الدولية المرتبطة بالتعليم، و تجعلنا نتساءل عن الوصفة التي ستمكن نظامنا التعليمي من الإرتقاء إلى مستويات تليق ببلد يسعى إلى أن يكون من بين الدول الصاعدة في العالم كهدف وضعه له ملك البلاد. أن ينخرط الجميع بما فيهم رجال و نساء المنظومة التعليمية و فعاليات المجتمع المدني بشكل فعال و مسؤول في إنجاح البرامج التعليمية التي يجب بدورها أن تراعي خصوصيات كل منطقة على حدة و تضع في الحسبان ظروف اشتغال رجال و نساء التعليم و ضعف الوسائل و التجهيزات التي تتوفر عليها البنيات التعليمية بمختلف جهات المملكة وتحيين هذه البرامج لمسايرة تطور العصر، نقاط من بين أخرى ستساهم لا محالة و بشكل فعال في المرور بسفينة التعليم ببلادنا إلى بر الأمان و تحسين صورته لدى المؤسسات الدولية التي لا تتوقف عن تذكيرنا بشكل دوري بما يجب علينا فعله بإملاءات قد لا تتناسب في غالبيتها مع بيئتنا المجتمعية و هويتنا و ظروفنا.