لن نتمكن من إخفاء خيبتنا و لن نستطيع أن نغير محيطنا بلمح البصر ما لم يبادر كل واحد منا إلى البدء بتغيير ذاته، مجتمعنا أصبح يكرم المادة و الظواهر البراقة ظنا منه أنها تعكس اللب و الجوهر ، لتغدو القيم الإنسانية بالمقابل سلعة تباع و تشترى في سوق النخاسة بل تتعرض للمزايدة بشكل مهين يشعرنا بالقشعريرة المريرة ، لم يعد يعترف بوزن وقيمة المبادئ إلا داخل عالم صغير سري قد يتحدد في فكر أحد ما أو ضميره الذي يأبى الخضوع لمغريات العولمة. إذا كنا مجبرين على إتباع هذه الخطى التي ستقودنا لا محالة إلى المجارير، فلما لا نكتفي بعالمنا الصغير ذاك ؟ لما لا نحاول أن نتكيف داخل أجوائه لنحافظ على مبادئنا و قيمنا و نصونها من كل المتغيرات حتى تبقى في منأى عن دسائس الدخلاء دون أن ندوس على أنفسنا و على إنسانية غيرنا؟ لقد تم الزهد في الأخلاق، إذ أغلقت أبواب الود و الإحسان و حسن النية ، و فتحت أبواب الرذيلة على مصراعيها ليلجها كل من هب و دب ، لم نعد نميز بين الطيب و الخبيث لأن مواقع هذه المصلحات استبدلت ، طال الفساد الأخلاقي المهني و الفكري كل المنابر و أجه الحياة ، لتتباين معها وجهاتنا حتى بات كل واحد منا يجدف عكس الأخر ضنا منا أننا نكون بذلك قادرين على وضع حد لمن يحاول العبث بمجتمعنا و إيذاء أفراده مستنكرين أفعالهم المشينة ، إلا أننا وسط هذه الأمواج العاتية التي نحاول إختراقها رغم هوجها نتفاجأ بمواجهة أنفسنا كأننا ننظر إلى مرآة تعكس لنا حقيقة ما نحن عليه من خبث و أنانية ، وجهاتنا تلك تجعلنا ندوس بدون رحمة و لا شفقة على كل من يحاول اعتراض طريقنا لنصل إلى غاياتنا غير آبهين و لا مهتمين بالنظر وراء ظهورنا لمعاينة ما خلفناه من أضرار إنكسرت بسبب وقعها القاسي نفوس بريئة ، بل لن نتوانى عن سحق المزيد من الأعناق في طريق شقنا لدرب الوصول إلى القمة . رغم البرامج الفعالة و القوانين المعدلة التي تدين هذه الأفعال المجرمة و تحاول زجر مرتكبيها ، و رغم ترددها على مسامعنا بشكل يومي منقطع النظير من خلال وسائل الإعلام المكتوبة المقروءة والمسموعة ، و من خلال الملصقات و اللافتات التي تعتلي المباني إلا أننا لم نستطع التخلي عما غرس في نفوسنا ، لم نستطع بعد مواجهة المحسوبية و الزبونية ، بل لم نستطع اقتلاع ذاك الفيروس الهدام الذي أتى على الأخضر و اليابس في ضل استعماله كعملة موحدة و ضرورية لكل من يريد الحصول على خدماته في وقت قياسي و دون أن يكون مضطرا إلى الإنظمام إلى طوابير الإنتظار. لقد تم الاهتمام بالرشوة منذ أن كانت في المهد بحيث غذيت بكل أنواع المقويات حتى صارت شبحا ضخما يلقي بضلاله الكاذبة المخادعة على كل النفوس الهشة التي ينعدم لديها الضمير المهني و الأخلاقي لتصبح بذلك تجري فيها مجرى الدم ، ولن يتأتى لنا محاربتها بين ليلة وضحاها وقد شهدت على إرتقاء الملتحمين ورائها سلالم القوة و الجاه بزهو وثقة رغم عدم استحقاقهم لهذا الارتقاء، فكيف لنا إذا أن نقتلعها من الجذور في لمح البصر و هؤلاء قد استأنسوا وجودها ؟ لن نتمكن من الوقوف في وجه طغيانها إلا بتجديد دمائنا و ذلك بالإجماع على غل أيدينا وانضمامنا إلى طوابير الإنتظار بكل ثقة ، و تكميم أفواه المنتظرين لها بتسلحنا بالقانون الزاجر الذي وضع ليلجمهم عن السعي ورائها . وهذا لن يتأتى مطلقا و نحن نجدف بإتجاهات مختلفة . لن تكفينا مجرد مقالات تخطها أقلامنا من حين لآخر محاولة تسليط الضوء على هذا الأمراض التي باتت تفتك بمجتمعنا و نحن واقفون أمكنتنا نتحسر على ما لآل إليه الحال ، لما ياترى لم نتجند بعد لمحاربة هذه الظواهر؟ ماذا عسانا ننتظر ؟ كيف لنا أن ندعي رغبتنا في محاربة الفساد و مواجهته و نحن لم نواجه بعد خبث أنفسنا و لم نصلح حالها؟ فلنتذكر قوله عزل و جل من قائل :" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" .