بداية يشدنا السياق اليوم إلى الحديث عن النهايات، عن الحصيلة والمنجز، عن آخر الأيام والصور والمشاهد، عن آخر الأحزان والأفراح ،عن الأماني والمكتسبات، عن الاخفاقات والسقطات... وكالعادة لا نعير اهتماما للبدايات التي أسست لهذه النهايات وقادتنا إليها بالضرورة، لنواجه الخواتم والنتائج بشكل محتوم لا يقبل الجدل. لكن الجدل لا يقترح نفسه علينا لنقبله أو نرفضه، إنه قائم في التاريخ والإنسان والمادة والفكر أيضا.لهذا لكل نهاية بداية ولكل بداية نهاية. بلا ترف فكري أو تضلع منهجي، تستدعي النهايات كل البدايات منذ الخلق إلى الفناء . هكذا هو الإنسان، وهكذا هي الدول والشعوب وهكذا هو التاريخ ومنطق الحياة التي نحياها بكل البدايات وبكل النهايات. يشدنا السياق اليوم – إذن- إلى الحديث عن البدايات، عن الإحلام والآفاق، عن الحاضر والمستقبل، عن الرهانات والتحديات، عن الطموحات والآمال. ولا حديث ممكن اليوم عن البناء والتغيير دون حديث في العمق عن المعجزة الصغيرة التي تعني أم البدايات، اللبنة الأساس، الضوء الخافت، الخطوة الأولى، رذاذ المطر، الشمس في يوم غائم والنجمات القليلة في سماء الليل البهيم. هكذا هي البداية، أحجية أو حلم، أمنية صغيرة، نحت في الصخر، قطرة ماء، شمعة في الظلام، صرخة في وجه الظلم، اقرار الحق وتقديس الواجب... يشدنا السياق – في الحقيقة- اليوم إلى البحث عنا وفينا، عن ما ضاع منا وما لم يضع بعد، عن المشترك وعن الأصل، عن الأسباب والعلل ، عن المرجو وعن الهدف، بعيدا عن المؤقت والعارض والضيق، والغا رق في الإيهام والإذلال للإنسان فينا. نحتاج في الواقع إلى غير هذا السياق للحديث اليوم عن البدايات والنهايات، وحسبنا منه أن ينبهنا إلى أم البدايات وأم النهايات، فتلك هي المعجزة اليوم وأصل الحكاية .هنا ابتدأت وهنالك تنتهي...