تاريخ أمجد أغر ذلك الذي تم استحضاره بقاعة الاجتماعات بعمالة الناظور صبيحة الجمعة 4 أكتوبر بمناسبة تخليد الشعب المغربي ومعه أسرة المقاومة وجيش التحرير للذكرى 58 لانطلاق عملية جيش التحرير بشمال المملكة وتنظيم مهرجان خطابي ترأسه الدكتور مصطفى الكثيري المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بحضور عامل الإقليم السيد مصطفى العطار صحبة الهيئة العسكرية والأمنية والأمين العام للإتحاد العربي للمحاربين القدامى ووفد وازن يمثل أشقاءنا في الجزائر ومصر ورئيس المجلس الوطني لأعضاء المقاومة وجيش التحرير ورؤساء المصالح الخارجية وممثلي الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والفعاليات الجمعوية ووسائل الإعلام ووجوه ساهمت في مقاومة المستعمر وعائلات من انتقل منهم إلى الرفيق الأعلى وخلفوا سجلا زاخرا بالدروس والعبر والمعاني والدلالات التي تأبى إلا أن تظل عصية على الوصف أو الاختزال. المهرجان استهل بآيات بينات من الذكر الحكيم وورقة تقديمية للحدث التاريخي الذي نحن بصدد الاحتفال به تقدم بها النائب الإقليمي للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بالناظور ، مرحبا بالضيوف الكرام ومذكرا بأهمية ودلالات تخليد مناسبة الذكرى 58 لانطلاق أولى عمليات جيش التحرير بشمال المملكة. الدكتور مصطفى الكثيري وفي كلمة له بالمناسبة وبعد تقديم الشكر والإمتنان للسيد عامل الإقليم ، رحب بضيوف الناظور وعلى رأسهم الأمين العام للإتحاد العربي للمحاربين القدامى وبالوفد الجزائري الشقيق الذي يرأسه عبد العزيز رحال كممثل للمنظمة الوطنية للمجاهدين الجزائرييين وبالوفد المصري الشقيق وبالسيدة رفيقة حياة المجاهد ندير بوزار الملقب ب " عبد القادر " التي كانت مرفوقة بابنتها وبابنها وزوجته وأبناؤه ورفيقة حياة المقاوم الكولونيل حسن اليعقوبي الأمين العام للمجلس الوطني للمقاومة وأعضاء جيش التحرير رحمة الله عليه ، كما رحب المندوب السامي بكافة ممثلي الهيآت السياسية والمنظمات النقابية والمنتخبين والفعاليات الجمعوية وأسرة الإعلام ، وأكد أن مهرجان اليوم في الناظور يشكل لحظة قوية ، لحظة تاريخية تجمعنا اليوم في هذا الإقليم المجاهد لتخليد ذكرى من أغلى الذكريات الوطنية ألا وهي الذكرى 58 لانطلاق الشرارة الأولى لجيش التحرير لأقاليم الشمال في بداية شهر أكتوبر من سنة 1955 وفي وقت واحد – يضيف الدكتور مصطفى الكثيري – نحييها كل سنة لاستحضار ما تحمله من دروس وعبر وما تطفح به من قيم ، وأن ننشرها ونشعها في النفوس والعقول للأجيال الجديدة ، وكل الأجيال المتعاقبة ، موضحا بأن تخليد هذه الذكرى بدأ يوم الثلاثاء الأخير فاتح أكتوبر ببولمان وواصلناها يوم الأربعاء 2 أكتوبر بتازة في ما يسمى ب "مثلث الموت " ليستمر احتفالنا أمس بالحسيمة " ابو ذنيب " وتتويجها اليوم بالناظور من خلال هذا المهرجان الخطابي صباحا وتدشين النصب التذكاري للباخرة " دينا " بجماعة رأس الماء بإقليم الناظور الذي حضي بمكانة وازنة في مسيرة الكفاح الوطني وكذلك كانت له مكانة مرموقة في مسيرة الكفاح بالمغرب العربي من أجل الدفاع عن الحرية والاستقلال والكرامة والعزة لشعوب المغرب العربي . المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير أوضح كذلك أن احتفالنا اليوم يكتسي صبغة خاصة ، حيث يحضر معنا الأمين العام للإتحاد العربي للمحاربين القدامى وضحايا الحرب وممثلين للمنظمة الوطنية للمجاهدين الجزائريين وعائلة أحد المناضلين المرموقين الذين بصموا على الذاكرة المشتركة ، كما اعتبرها مناسبة لاستحضار القليل من الكثير ، مناسبة هي للتأمل في ما يجب أن نقوم به لننتقل من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر كما قال المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه إثر عودته من المنفى. وأكد الدكتور مصطفى الكثيري أن بناء صرح المغرب العربي الكبير هي مسؤوليتنا جميعا ولا مكان فيه للكيانات المنعزلة لأن العالم يسير نحو البحث عن تكتلات لمواجهة الصعاب . ووقف عند بعض جوانب هذه الملحمة البطولية التي أنجزها رجال ونساء المقاومة ، وأشار المندوب السامي إلى أن التاريخ سجل لهذه الربوع المجاهدة أروع صور الشهامة والشجاعة والإيمان والتضحية في سبيل الدفاع عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية ، مستشهدا بالكفاح البطولي الذي قاده الشريف سيدي محمد امزيان والثورة المباركة التي خاضها محمد بن عبد الكريم الخطابي لمواجهة جيوش الاحتلال ومعركة أنوال الشهيرة التي حقق فيها المجاهدون نصرا كبيرا على الجيش الاستعماري الإسباني، ومع مطلع الثلاثينات – يضيف الدكتور مصطفى الكثيري – حينما عرفت المقاومة تحولا نوعيا ، تصدى أبناء الريف لكل المحاولات والمخططات الإستعمارية الرامية الى تفتيت الكيان الوطني ومحاولة تقسيم الجسم المغربي وكيف واجهوا ما سمي بالظهير البربري الذي كان يشكل وجها من أوجه التقسيم لتكريس سياسة استعمارية مرسومة . وأكد المندوب السامي في كلمته القيمة بهذه المناسبة ، أن الناظور لعب دورا محوريا ، وشكل قبلة مذكرا بباخرة " دينا " التي جاءت من المشرق العربي محملة بأسلحة كثيرة لتوزع على حركة المقاومة بشمال المغرب وتزويد زملاءهم الجزائريين الذين كانوا بدورهم يقاومون المستعمر الغاشم ، وهذا يدفعنا إلى استحضار هذه المناسبة لما تحمله من حمولة ثقيلة ، أن نتذكرها – يقول الدكتور الكثيري – ونذكر بها الأجيال الجديدة ونحن مطوقون بمسؤولية وأمانة الحفاظ على هذه الذاكرة التاريخية المشتركة وقد سعينا لتحقيق تبادل المعرفة بيننا وبين المؤرخين الجزائريين ، مشيرا إلى أن مجلة " الذاكرة الوطنية " التي تصدرها المندوبية السامية تحمل العديد من المقالات جاءت من جامعة وهران تسلط الأضواء على هذه الذاكرة المشتركة وتتناول التعاون المغربي الجزائري في المقاومة وتلقين المستعمر دروسا أصبحت اليوم تدرس في كليات عسكرية ومنها حرب العصابات التي ابتكرها المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي والذاكرة التاريخية – يؤكد المندوب السامي للمقاومة – فيها ماهم وطني وفيها ماهو مشترك ودعا الجميع للوفاء لهذه الذاكرة وفي ذلك وفاء لأولئك الشهداء الذين أسهموا في رسم جغرافية الجهاد واختاروا جبهات القتال مهدا وساحات الشرف لحدا ، فلم يلينوا أو يهنوا أو يستكينوا بل سكوا مسارات للضوء والأمل واجترعوا لأنفسهم مكانة استحقوها ونالوا لحسن طويتهم وعظيم عملهم وصدق وطنيتهم . وفي ختام كلمته ، زف الدكتور مصطفى الكثيري للحضور خبر الإعلان عن إنشاء ثلاث فضاءات تربوية متحفية في كل من بني انصار والناظور " المكان الذي تتواجد فيه حاليا مؤسسة مارشيكا ميد " وازغنغان التي كانت تتواجد فيه قيادة جيوش التحرير المغاربية مبرزا أن الهدف من خلق هذه المتاحف التاريخية هو إعطاء ها ما تستحقه من دلالات عميقة حتى تبقى للتاريخ وللأجيال وتؤدي رسالة إشاعة ثقافة الوطنية وتربية الناشئة على المواطنة الإيجابية ،كما تنشد هذه الإستراتيجية مواصلة اضطلاع المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بورش العمل لإخصاب الذاكرة التاريخية من خلال استنساخ واسترجاع الوثائق التاريخية المودعة بمراكز الأرشيف الأجنبية ، ومنها الفرنسية والإسبانية أساسا. المهرجان الخطابي الذي احتضنته قاعة الاجتماعات بعمالة الناظور تميز كذلك بتكريم ثلة من رجال المقاومة الذين لازالوا على قيد الحياة أطال الله في أعمارهم أو الذين انتقلوا إلى رحمة الله الواسعة من خلال أفراد عائلاتهم في لحظة اتسمت بالشعور العميق بالإعتزاز ،وتولى كل من المندوب السامي للمقاومة وعامل الإقليم والأمين العام للإتحاد العربي للمحاربين القدامى وضحايا الحرب وقائد الحامية العسكرية بالناظور ورئيس المجلس الوطني لقدماء المقاومة وأعضاء جيش التحرير بتسليم تذكارات تؤرخ لهذه الذكرى البطولية واغتنم الدكتور مصطفى الكثيري المناسبة للتذكير بمجهودات المندوبية السامية الدؤوبة لتحسين الأوضاع الاجتماعية والمعيشية للمنتمين لأسرة المقاومة وجيش التحرير ودعمها لذوي الدخل المحدود منهم وتقديم واجب العزاء للأرامل مذكرا الحضور بما سيحمله قانون المالية لسنة 2014 من مجهودات أخرى بذلت لصالح هذه الشريحة . وفي ختام هذا المهرجان الخطابي ، رفعت أكف الضراعة للعلي القدير بأن يشمل بواسع رحماته كل شهداء الوطن وعلى رأسهم الفقيدين الراحلين جلالة المغفور له محمد الخامس وجلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراهما وأن يمد بنصره جلالة الملك محمد السادس ويقر عينه بولي عهده الأمير الجليل المولى الحسن ويشد أزره بشقيقه الأسعد المولى رشيد وأن ينعم سبحانه وتعالى على بلدنا بكل سبل الهناء والإستقرار. ومساء نفس اليوم تحرك الموكب في اتجاه جماعة رأس الماء ، حيث تم الإشراف على تدشين النصب التذكاري للباخرة " دينا "بعدما انتهت أشغال بناءه في شكل هندسي رائع نال إعجاب الجميع خصوصا ضيوفنا الأشقاء القادمين من الجزائر ومصر . ويجسد الحدث التاريخي لإبحار الباخرة" دينا" ورسوها بالتراب الوطني صفحة وضاءة من تاريخ الكفاح المغاربي المشترك الذي خاض غماره جيش التحرير المغربي وجيش التحرير الوطني الجزائري في تلاحم وثيق وتضامن مصيري لنصرة قضايا التحرر الوطني في بلدان المغرب العربي الكبير. ففي يوم 5 مارس 1955 ، رست بجماعة رأس الماء بإقليم الناظور الباخرة" دينا "محملة ب 23 طن من الأسلحة موجهة من أرض الكنانة إلى جيش التحرير المغربي بالشمال وجيش التحرير الوطني الجزائري . وقد تكلف بقيادة الباخرة المناضل والمقاوم السوداني المرحوم ابراهيم النيل ، الحامل لبطاقة المقاومة 507395 برفقة من المناضلين الأشاوس الذين تكفلوا بإفراغ الباخرة ونقل حمولتها من الأسلحة إلى التراب المغربي رغم أجواء الإحتلال الأجنبي التي كانت تخيم يومها على المنطقة. ويسجل التاريخ بإعجاب وانبهار العملية البطولية لنقل الكميات الكبيرة من الأسلحة التي نفذتها مجموعة من المقاومية من المغاربة والجزائريين الذين عملوا في تناسق وتناغم لتمرير الأسلحة وإيصالها إلى قيادة جيش التحرير المغربي بالشمال وجيش التحرير الجزائري ، ويتعلق الأمر ب 8 مقاومين مغاربة أفذاذ هم المرحومون: حمدون شوراق ، محمد بوراس ، ميمون غورضو ، محمد بن حدوش بن الطيب ، محمد بن الشاوش بوفصيل ، محمد لصكع ، حاجي محمد جعاك والمجاهد محمد اجار سعيد بونعيلات أطال الله عمره إلى جانب المقاومين الموفدين من قيادة جيش التحرير الوطني بالجزائر المرحومين عبد الوهاب الجزائري وعمرو شيبان . خلال مراسيم تدشين النصب التذكاري بكورنيش رأس الماء ، ألقيت كلمات بالمناسبة ساهم بها إلى جانب المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير الدكتور مصطفى الكثيري ، ممثلي الإتحاد العربي للمحاربين القدامى والمنظمة الوطنية للمجاهدين الجزائريين وشخصيات عربية ومغاربية ووطنية مهتمة بصيانة الذاكرة التاريخية الوطنية والمغاربية ، وكلها أجمعت على ضرورة بناء صرح المغرب العربي الكبير واستحضار العمل البطولي المشترك المغربي الجزائري في صنع تاريخ شعبيهما الشقيقين. وخلال نفس الحدث تم تكريم المقاوم الجزائري ندير بوزار الملقب ب "عبد القادر" وذلك عربون وفاء وبرور بنضالاته وخدماته المبرورة وتجسيدا بواجب الذاكرة التاريخية المغاربية المشتركة بما تطفح به من معاني وقيم التعاون والتضامن ووحدة المصير وروح البناء والنماء وإعلاء صروح المغرب العربي الكبير . وتجدر الإشارة إلى أن النصب التذكاري لباخرة " دينا " تم في إطار اتفاقية تعاون وشراكة بين المندوبية السامية لقدماء المقاوميبن وأعضاء جيش التحرير ووكالة الإنعاش والتنمية الإقتصادية والإجتماعية لعمالات وأقاليم الجهة الشرقية والمجلس الجماعي لرأس الماء .