عندما يتحول الصحافيون من تغطية الأحداث إلى صناعتها على الجميع أن يضع يده على قلبه.. هذا ما حدث فعلا مع جريدة "أخبار اليوم"، فلمدة 35 يوما وهي في واجهة الأحداث، في عدد كبير من الصحف والإذاعات والتلفزات والمواقع الإلكترونية في المغرب والخارج... ماذا حدث؟ الدولة المغربية بكل أجهزتها تجندت مرة واحدة لإعلان حرب مفتوحة على كل الواجهات ضد من؟ ضد 70 شابا من أسرة جريدة عمرها ثمانية أشهر، كان صحافيوها ومازالوا يحلمون باللعب ضمن فريق الصحافة المستقلة، في ملعب أوسع وبخطوط تماس أقل وبجرأة أكبر وباحترافية قدر الإمكان. ما هي المشكلة إذن؟ آه... لقد سقطنا ضحية مزاج السلطة الحاد في توقيت سيئ. عمدنا إلى نشر كاريكاتور للأمير مولاي إسماعيل بمناسبة زفافه. كاريكاتور بريء وخال من أي نقد أو سخرية. "أصحاب الحال" كانوا يتربصون بهذه الجريدة ومديرها ورسام الكاريكاتور بها في أقرب منعرج، وكذلك كان يوم الاثنين 28 شتنبر الماضي.. وقعت السماء فوق رؤوسنا . نشروا أكثر من 30 عنصر أمن من مختلف الأجهزة، طردونا من مقر الجريدة، أقفلوا مكاتبنا بدون أي سند، زجوا بالعبد الضعيف هذا وزميله في تحقيق ماراطوني استغرق أكثر من 40 ساعة، وانتهينا في يد القضاء متابعين بتهمتين "ثقيلتين": الإساءة إلى العلم المغربي والإساءة إلى الأمير مولاي إسماعيل... أصحاب القرار في المملكة كانوا على عجلة من أمرهم، لم ينتظروا صدور الأحكام ولهذا تم تطبيق العقوبة قبل أن يقرر وكيل الملك متابعتنا، وهكذا كان.. فبعد شهر جاءت أحكام القاضي نور الدين قاسمي والقاضي حسين جابر مطابقة تماما لبلاغ وزارة الداخلية الذي أعلن عن متابعتنا وأغلق مقر جريدتنا، وتبين كيف أن التهم مناسبة لتكميم أفواهنا... لم ينفع الاعتذار الذي تقدمنا به إلى الأمير، ولم تنفع مرافعات دفاع الجريدة الذي أخرس ألسنة النيابة العامة التي كانت تعزف نشيد وزارة الداخلية... أحسن شيء في هذه الحكاية أن كاتب مسرحيتها واحد، ولهذا جاء البناء الدرامي منسجما وجاءت النصوص متناغمة، ثم كان الحكم القاسي... ثماني سنوات سجنا موقوفة التنفيذ في حق مدير الجريدة ورسام الكاريكاتور، 300 مليون تعويضا للأمير، إقفال الجريدة لمدة أكثر من 35 يوما كلف ميزانياتها 160 مليون سنتيم. كل هذه الخسائر، وكل هذا الدمار، وكل هذه التجاوزات وضعت على كتفين.. الأول هو كتف الوزير الأول عباس الفاسي الذي تطوع وأعار توقيعه لوزير الداخلية لمنع ثلاثة أعداد من الجريدة، تحت ظل الفصل 66 الذي يعطي للوزير الأول صلاحية مصادرة المنشورات" البورنوغرافية"، والكتف الثاني هو كتف القضاء الغارق في مشاكل لا أول لها ولا آخر. مشكلة "أخبار اليوم" ليست فقط عنوانا آخر من عناوين محنة الصحافة، في بلاد لا يعرف المسؤولون فيها ماذا يريدون أن يفعلوا بالسلطة التي بين أيديهم، مشكلة "أخبار اليوم" أنها تحولت إلى صدمة للرأي العام، لأن المغرب لم يشهد طيلة 50 سنة الماضية قرارا بإغلاق مقر جريدة خارج القانون كما حصل ليلة 28 شتنبر، هذه الليلة التي ستدخل إلى سجل الانتهاكات الجسيمة لحرية الصحافة. أيها السادة مشاكل المغرب لا توجد في أقلام الصحافيين، بل توجد في عقول بعض رجال السلطة الذين لم يعوّدوا أنفسهم على القبول بقواعد اللعبة ولا بقواعد الديمقراطية. لا توجد سلطة على وجه الأرض تتحرك دون وجود صحافة على يسارها.. لماذا على يسارها؟ لأن الصحافي كما تعرفه مدونة أخلاق ناشري الصحف الأمريكية: "هو محامي الدفاع عن الإصلاحات الضرورية"، هذا هو مربط الفرس.. والباقي تفاصيل سلطوية معادة بإخراج سيئ من زمن مضى...