يحمل الاتفاق السينمائي الذي وقعه قبل أيام المغرب وبريطانيا بخصوص التعاون السينمائي بينهما، وهو الأول من نوعه بين الدولتين، تفاؤلاً في أن تستفيد السينما المغربية من عملية جذب الأعمال السينمائية البريطانية من ناحية، وتستفيد الثانية من رخص أجور العمل والإنتاج المغربي في المقابل. بمقتضى هذا الاتفاق، فإن أي صانع أفلام بريطاني يبحث عن تنفيذ مشروع له في المغرب يستطيع أن يستفيد من كل التسهيلات الإنتاجية منه، كما من الإعفاء الضريبي الذي يوفّر مباشرة نحو 20 في المائة من تكلفة الإنتاج. الشرط هنا هو أن يكون للمنتج البريطاني شريك مغربي، ما يعزز، في الاعتقاد السائد، وضع المنتج المغربي ويساعده في اكتساب الخبرات التي يحتاجها للتعامل مع السينمائيين الأوروبيين، وهي عادة خبرات نراها مفقودة لدى العديد من السينمائيين العرب الراغبين في دخول إنتاجات دولية. ومع أن الاتفاق المبرم جديد ويُعمل به للمرّة الأولى، إلا أن المغرب عرف الإنتاجات البريطانية من بين العديد من الإنتاجات الأجنبية التي صورت في ذلك البلد خلال العقود الثلاثة الماضية. وشهد المغرب تصوير عدّة أفلام كانت إما بريطانية بالكامل، أو بغالبية مصدر التمويل، كما “المريض الإنجليزي” و”لورانس العرب”، أو التي دخل فيها التمويل البريطاني طرفاً مساوياً كما الحال في بضعة أفلام أخرجها وأنتجها ريدلي سكوت مثل “مملكة الجنة” و”تروٍ” و- مؤخراً - “كيان من الأكاذيب”. الجديد في هذا الاتفاق توسيع رقعة الجذب المغربي للرأسمال السينمائي الغربي، فلا يعد وقفاً على السينما الأمريكية ولا الفرنسية، بل يشرك - مباشرة - السينما البريطانية أكثر من ذي قبل، فحتى ما صور من أعمال بريطانية في المغرب لم يستطع الاستفادة من أي تسهيلات إنتاجية من قبل. الاستفادة الفعلية كانت في إطار رخص تكاليف التصوير (بسبب رخص أجور العمل غالباً) أما الآن فإن التعاون يرتبط مباشرة ببنية الفيلم الإنتاجية من توزيع المسؤوليات على نحو متساو في بعض الحقول، وشبه متساو في حقول أخرى. أكثر من ذلك يُتيح الاتفاق للمنتج البريطاني التعامل مباشرة مع قنوات التوزيع من دون وسيط ويشمل ذلك بيع الإنتاج الى قنوات التلفزيون المغربي المختلفة. في السنوات الأخيرة أفصحت عدّة دول عربية عن مساعيها للتحوّل الى دول تستقبل الإنتاجات العالمية وبعضها أعلن عن استعداده للذهاب الى أكثر من ذلك، وهو دعم هذه الإنتاجات مادياً مباشرة حتى ولو أدّى ذلك الى تصوير الفيلم في بلاد أخرى، على أساس أن يحمل الفيلم هويّة البلد العربي لجانب هويّة البلد المنشأ (هوليوود في أغلب الحالات). وهناك إحصائية بريطانية حديثة تؤكد أن التصوير في معالم بلد معيّن يؤدي الى زيادة حجم السياحة فيه بنسبة ثلاثين في المائة. يبقى أن الاستفادة تتعدّى السياحة بالطبع الى صناعة السينما الوطنية أيضاً، ففي حين أن المساهمة في إنتاج أفلام عالمية تصوّر في الخارج لن يضمن عمل الخبرات العربية للبلد المساهم، ولا تشغيل المواهب الباحثة عن فرص عمل، فإن التصوير الأجنبي في الداخل يولّد الخبرات ويعزز من فرص نجاحاتها فردياً فيما بعد، وهي مسألة مهمّة لصياغة صناعة سينمائية وطنية. ).