سواء تعلق الأمر بالشارع أو بين جدران العمل، أو في أبواب الثانويات، بعضهن يعتبرنه "قلة حياء" أو "عنفا جنسيا" وتحقيرا للمرأة باعتبارها جسدا فقط، فيما تعتبره أخريات "مقياس" جمالهن و"مجاملات بريئة" ودليلا على أنوثتهن وجاذبيتهن. "وافين آلزين، منشوفوشك.. تبارك الله عليك.. ربي يحفظك لوالديك.. باغي نتعرف عليك... سمعت من هذا الكلام الكثير وأنا في طريق ذهابي وعودتي إلى المنزل. هل يزعجني هذا الغزل في الشارع؟ لا، لم يعد يزعجني، فقد اعتدت عليه وعلى سماعه ما دام لا يتجاوز ذلك. أسير في طريقي دون أن أعير هؤلاء الشبان أي اهتمام"، تقول مريم، طالبة جامعية بنبرة واثقة. مريم متعودة على التحرش الجنسي في الشارع إلى حد أنها أصبحت، في حالة عدم تعرضها له، تشك في أناقتها، وتتابع: "عندما لا يكترث بي أحد في الشارع أعلم أنني لم أقم باختيار موفق للملابس التي أرتديها، أو أن تسريحة شعري غير مناسبة". لقد أصبح التحرش تيرمومتر جمال عند بعض النساء، ومن بينهن مريم وعدد من صديقاتها، ربما لأنه لا يتعدى التغزل في جمالهن، لكنه بالنسبة إلى فاطمة الزهراء عنف لفظي لا يخلو من ألفاظ بذيئة دافعه الكبت. تروي فاطمة الزهراء قصتها قائلة: "رغم أنني أرتدي الحجاب فإنه لم يحمني من التحرش الجنسي. يبدأ المتحرشون بالكلام المعسول أولا، وعندما لا أعيرهم اهتماما وأمضي في طريقي، يتحول العسل إلى قذارة وتبدأ أذناي في سماع البذيء من الكلام، وفي بعض الأحيان لا يكتفي الشاب بالكلام وإنما يحاول لمسي، عندها لا أستطيع ألا أدافع عن نفسي، وتبدأ مشادات كلامية بيني وبين الشاب. لماذا لا يوجد قانون يجرم التحرش الجنسي في الشارع؟". مشروع قانون يجرم التحرش الجنسي بالنساء في الأماكن العمومية ومكان العمل، ويعاقب الزوج الذي يضرب زوجته بطرده من منزل الزوجية إلى حين صدور حكم في حقه، ما زال قيد الدراسة، حسب ما أعلنت عنه وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن. ويستهدف مشروع القانون وضع آليات قانونية لمحاربة العنف ضد النساء بوضع تعديلات على القانون الجنائي والمسطرة القضائية. ومن أبرز التعديلات المقترحة في مسودة القانون "معاقبة السب وكل تعبير شائن أو محقر أساسه التمييز بسبب الجنس بالحبس من شهر إلى سنتين وبالغرامة من ألف ومائتين إلى خمسين ألف درهم، واعتبار كل إمعان في مضايقة الغير في الفضاءات العمومية بأفعال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية تحرشا جنسيا يعاقب عليه بالحبس من شهر إلى سنتين وبغرامة تتراوح بين 1200 درهم و2000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين". ويعاقب بنفس العقوبة "ارتكاب هذه الأفعال من طرف زميل في العمل، وتضاعف هذه العقوبة إذا كان مرتكب الفعل من الأشخاص المكلفين بحفظ النظام والأمن في الفضاءات العمومية". نزهة الصقلي، وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، قالت ل"أخبار اليوم" إن مشروع القانون في طريقه ليرى النور، وأنه موجود حاليا لدى الأمانة العامة للحكومة حيث سيتم أخذ ملاحظات الوزراء عليه قبل أن يأخذ طريقه إلى قبة البرلمان لمناقشاته والمصادقة عليه، ثم الخروج إلى حيز التنفيذ بعد النشر بالجريدة الرسمية. "ألا يفكر هؤلاء الشباب، الذين لا شغل لهم سوى مراقبة الفتيات ومعاكستهن في الشارع، في أن المرأة ليست جنسا فقط، فهي إنسان له مشاعر وأحاسيس، وهي أختهم وأمهم وزوجتهم وابنتهم"، تقول نهال، تلميذة في الباكالوريا، بنبرة غاضبة، مضيفة: "البطالة والكبت الجنسي وعدم وجود تربية جنسية وتشييء المرأة هي الأسباب التي تجعل هؤلاء الشبان المغاربة يتحرشون جنسيا بالنساء، ليس فقط في الشارع وإنما حتى في الحافلات ووسائل النقل العمومية وفي أماكن العمل". من الشارع المفتوح إلى مكان أكثر ظلمة محاط بحيطان وهو مكان العمل، حيث التحرش الجنسي في حالة وقوعه لا يؤدي إلى أزمات ومعاناة نفسية وفقدان للثقة وشعور بالدونية على من وقع عليها الفعل فحسب، بل يمتد إلى مصدر الرزق، لذا فإن التحرش الجنسي يشكل نوعا من أنواع القهر على من يقع عليه، حيث يشكل عنفا جنسيا من القوي (الرئيس) على الضعيف (المرؤوس). وتتردد الكثيرات في البوح بأية معلومات حول تعرضهن للتحرش الجنسي في العمل، لأن أي حديث عن هذا الموضوع سيجعلها متهمة في عيون كثيرين، في مجتمع ما زالت تسوده نظرة ذكورية تحط من شأن المرأة. "أعاني دائما من التحرش الجنسي منذ بدأت العمل سكرتيرة قبل 4 سنوات. أعتقد أن نظرة المجتمع الدونية إلى مهنة السكرتيرة ساهمت في ذلك"، تقول ريم، 24 سنة، مضيفة: "اضطررت إلى تحمل مضايقات مديري لي لفترة طويلة. وما بدأ كمجاملات تمتدح شعري وملابسي انتقل إلى جسمي وطريقتي في المشي وإلى غير ذلك من الأمور". وتتابع ريم سرد تفاصيل ما حدث لها مع رب العمل قائلة: "كان مديري يبعث إلي رسائل نصية في وقت متأخر كل يوم. وبعض هذه الرسائل كانت تحمل نكتا غير مهذبة أو صورا بذيئة. واضطررت إلى تحمل ذلك لاعتقادي أنه يمزح". ما يعتبر في كثير من الأحيان "مجاملات بريئة"، قد يتحول في حال السكوت عنه من اللفظي إلى الجسدي عن طريق محاولة اللمس، وفي حالة السكوت أيضا يتحول إلى اعتداء واغتصاب. "أحيانا أشعر بانزعاج شديد، حيث أجد زملائي يراقبون كل قطعة جديدة أرتديها وكل كيلو من الوزن سواء كسبته أو خسرته، وفي كل مرة أتعرض فيها لملاحظات تضايقني أضطر إلى الصمت، لأنني إذا تكلمت سأخلق جوا عدائيا في العمل وهذا ما لن يوافق عليه مديري أبدا"، تقول، هند، 30 سنة، موظفة. تضطر هند إلى أن ترد بجفاء على بعض زملائها خاصة عندما يطلبون مقابلتها خارج ساعات العمل أو يرسلون إليها رسائل نصية في وقت متأخر. تتابع بنبرة حزينة: "اضطررت مرة إلى أنمجابهة أحد مديري المبيعات، وطلبت منه ألا يتصل بي خارج أوقات العمل الرسمية، فكانت نتيجة ذلك أنه قام بسحب اسمي من قائمة حضور الدورات، وسحب ترشيحي للسفر إلى فرنسا، وقام بكتابة تقييم سلبي عن عملي في نهاية تلك السنة، ولولا أن سجل المبيعات المسجل باسمي كان جيدا لطردت من عملي". ومن العمل إلى مقاعد الدراسة وأبواب الثانويات، حيث يجلس المتربصون دقائق قبل انتهاء اليوم الدراسي ينتظرون خروج التلميذات، فيعمدون إلى إغرائهن بسيارات من آخر طراز وكذا دراجات نارية من الحجم الكبير والمتوسط ذات الدفع العالي، ويستغلون سذاجتهن ومراهقتهن والتحولات الجسمانية والنفسية التي يمرن منها في تلك الفترة الحساسة من عمرهن للإيقاع بهن. رجال كثيرون يرجعون أسباب التحرش بالمرأة إلى ملابسها القصيرة والمثيرة، وآخرون يرجعونها إلى اختلاط المرأة بالرجل، ومن بينهم أمين، 34 سنة، مستخدم: "إن المرأة هي التي تتحرش بالرجل عن طريق الملابس شبه العارية والقصيرة التي ترتديها، كأنها تدعو الرجال للتحرش بها. أظن أن الحل للحد من التحرش هو أن تستر المرأة نفسها وتلبس لباسا محترما طويلا لا يبرز مفاتنها وأنوثتها، عندها لن يتجرأ أحد على التحرش بها". لكن يوسف يرفض بشدة هذه الادعاءات قائلا: "أرفض تلك الأقاويل والادعاءات لأنه إذا كانت ملابس المرأة السبب في التحرش فهذا يعني أن الرجل حيوان يبحث عن متعته ويجب تغطية المرأة بجدران من فولاذ حتى تأمن شره. والدليل على ما أقوله هو أنه حتى النساء المحجبات لا يسلمن من التحرش سواء في الشارع أو في العمل أو في الجامعات".