ما هو انطباعك العام حول التصريح الذي قدمه الوزير الأول أمام البرلمان؟ أظن أنه كان مناسبة للوقوف عند إنجازات الحكومة خلال سنتين ونصف من عمرها. لقد كان جردا للمنجزات والمشاريع والأرقام أكثر منه تحليل سياسي للوضعية العامة للمغرب خلال النصف الأول من الولاية التشريعية 2007-2012. قدم التصريح نظرة وردية للعمل الحكومي ولم يقف عند الإكراهات والإخفاقات التي صاحبت العمل الحكومي. - وما هو تقييمك أنت للعمل الحكومي خلال النصف الأول من عمر حكومة عباس الفاسي؟ بداية أسجل أن هناك أشياء في التصريح الحكومي تم تحقيقها ولا يمكن لأي كان نكرانها، كالمحافظة على التوازنات الاقتصادية والاستمرار في تحقيق المشاريع المهيكلة الكبرى رغم الإكراهات الدولية، ولكن مع ذلك غاب الانسجام عن العمل الحكومي، حيث لم تكن هناك نظرة مستقبلية واحدة يعمل في إطارها الجميع. غياب رؤية مؤطرة للعمل الحكومي انعكس على وتيرة اشتغال الحكومة التي اتسمت بالبطء الشديد (البرنامج الاستعجالي في التعليم أصبح يمشي مشية السلحفاة) وبعض الوزارات دخلت في صراعات هامشية غير مفيدة (الصحة مثلا)، وطالت المحسوبية الحزبية والعائلية الكثير من التعيينات ولم تحسن الحكومة التواصل مع المجتمع المدني والفعاليات المجتمعية، وسادت لغة الخشب تواصلها مع الشعب ومع الرأي العام. إلى جانب هذه العوامل برز عامل تدبيري مرتبط بنقص التجربة والحنكة السياسية لدى بعض أعضاء الحكومة. - ركز التصريح على إنجازات الحكومة في المجال الاجتماعي، هل فعلا حققت الحكومة الكثير في هذا المجال؟ المجهودات الاجتماعية كانت مهمة خصوصا على مستوى التعليم والصحة، لكن النتائج مازالت دون المستوى المطلوب بكثير. أولا على مستوى التعليم تم تضييع سنتين كاملتين لهندسة برنامج استعجالي كان من المنتظر أن يدوم ثلاث سنوات. 2011 على الأبواب ومازالت هناك ضبابية كبيرة حول مدى تحقيق النتائج المتوخاة، أي الرفع من الجودة وخفض الهدر المدرسي وتحسين محيط المدرسة وضمان انخراط جدي للفاعلين من معلمين وآباء ومنتخبين وقطاع خاص. من جانب آخر، لم يتم التركيز على تحسين حكامة النظام التعليمي والرفع من القدرات التدبيرية للقائمين عليه من مدراء وأكاديميات ونواب ومدراء مدارس. لهذا فالإصلاح مازال أعرج لأنه يركز فقط على البنيات التحتية والتأسيس لما سمي ب"مدرسة النجاح". أما الصحة، فإننا لا نعرف إن غير تطبيق نظام التغطية الصحية الرامد(RAMED) شيئا من الوضع الصحي في جهة تادلة أزيلال. زد على هذا أن الفحوص قبل الولادة في المناطق المنعزلة مازالت على مستواها الذي عرفناه قبل هذه الحكومة، وتعميم التلقيح على كل الأطفال البالغين أقل من خمس سنوات مازال يتعثر. أضف إلى هذا أن شروط العمل في المستشفيات لم تتحسن ومازال التسيب يسود إشكالية الولوج للخدمات الصحية، كما أنه لم يتم تحديد المسؤوليات بشكل صارم ومازالت كثير من الممارسات المتمثلة في استجلاب المرضى من القطاع العام إلى الخاص سائدة، إضافة إلى الرشوة والمحسوبية وغياب المراقبة والرصد والتتبع. التكوين الصحي أصبح يركز على الكم، مما يعني تخريج تقنيين صحيين أكثر منه أطباء. على مستوى الطفولة، لم يحصل أي تقدم يذكر في تطبيق مقتضيات الخطة الوطنية للطفولة (2005-2015)، اللهم بعض وحدات حماية الطفولة هنا وهناك، وهي وحدات تنقصها النصوص المؤسسة والميزانيات والموارد البشرية اللازمة لكي تقوم بعملها. قانون خدم البيوت مازال ينتظر أن يخرج إلى الوجود منذ خمس سنوات، كما أن وضع المغرب في ما يخص الاتجار في البشر انخفض إلى درجة أسفل حسب تقارير دولية صدرت في 2008 و2009. وإن وفقت الحكومة على المستوى الاجتماعي، لماذا ما فتئ ترتيب المغرب على مستوى مؤشر التنمية البشرية يتدهور سنة عن سنة؟ أما على مستوى العالم القروي، فإن الكهربة وفك العزلة مستمرة مما يعني تحسنا باديا في مستوى عيش السكان، ولكن الولوج إلى التعليم والصحة مازال يواجه صعوبات كبيرة ومازال الفقر مرتفعا في العديد من المناطق، وخصوصا في أوساط النساء والشباب. لماذا لم تضع الحكومة خطة مندمجة وطموحة لتنمية العالم القروي؟ وعلى مستوى الشباب، ما زلنا ننتظر الإستراتيجية الوطنية الخاصة بهذا القطاع الحيوي، لماذا انتظرت الحكومة سنتين ونصف لكي تبدأ في التفكير في وضع استراتيجية قد ترى النور قبل نهاية عمر الحكومة الحالية؟ أظن أنه رغم الصورة الإيجابية التي حاول التصريح الحكومي تقديمها عن تحسن القطاعات الاجتماعات فإن هذا المجال يبقى هو الحلقة الضعيفة في إنجاز الحكومة الحالية. - حمل تصريح عباس الفاسي الكثير من الإحصائيات والمؤشرات على إنجازات الحكومة على المستوى السياسة الاقتصادية، هل يعكس ذلك تحسنا اقتصاديا؟ أهم إنجازات الحكومة في هذا المجال التحكم في التوازنات الماكرو اقتصادية، خصوصا في ظل الأزمة الحالية. أظن أنه من المحتمل أن تتغير الوضعية هذه السنة، حيث من المتوقع أن يرتفع عجز الميزانية إلى 5،4 أو 5 في المائة وترتفع نسبة المديونية، بالمقارنة مع الناتج الداخلي الخام، بنقطتين أو ثلاث. ومن غير المستبعد أن تنخفض قيمة الصادرات جراء تراجع قيمة الأورو بالمقارنة مع الدولار، غير أن النقطة السوداء على المستوى الاقتصادي هي التدهور الخطير في الميزان التجاري، حيث إن الصادرات لا تغطي إلا حوالي 40 في المائة من الواردات، وهذا يؤثر سلبا على ميزان الأداءات خصوصا مع انخفاض تحويلات العمال وانخفاض أسعار الفوسفاط وتراجع عدد السياح. سياسة تشجيع الصادرات كانت محتشمة جدا، ولم يتم ضخ الموارد اللازمة لها إلا مؤخرا. أضف إلى ذلك أن تحسين الأعمال مازال يسير بخطى ثقيلة، حيث إن القضايا التجارية أمام المحاكم ما زالت تستغرق حوالي 600 يوم وتسجيل العقارات يأخذ وقتا كبيرا. بينما الولوج إلى التمويل ما زال مستعصيا وتكاليف تسريح العمال وإغلاق المقاولات مكلفة بالمقارنة مع دول أخرى. لقد تم مؤخرا تكوين لجنة للنظر في هذه القضايا، لكن هذه الأمور تتطلب إرادة سياسية حقيقية لأنها تدخل في صلب التوجهات الاقتصادية العامة للبلاد. أخيرا لم أسمع ولو مرة هذه الحكومة تتكلم عن محاربة اقتصاد الريع في النقل ومقالع الرمال وبعض المواد الأساسية، بل إن تفويت الأراضي تم بطرق غير سليمة خصوصا ما يتعلق بتشجيع الاستثمار في السكن. - قدم الوزير الأول في تصريحه الحكومي صورة وردية حول تدبير الحكامة وحقوق الإنسان، كيف تقيم ذلك؟ بعد تلكؤ دام سنوات، يبدو أن إصلاح القضاء يتم التفكير فيه بطريقة أكثر شجاعة ولكننا ما زلنا في البداية، لا أدري لماذا انتظرت الحكومة سنتين ونصف قبل الإقدام عليه. أما محاربة الرشوة فهي أكبر نقطة ضعف في التصريح الحكومي، فهذه الحكومة لم تنجز سياسات جريئة في هذا الميدان، اللهم التصريح بالممتلكات الذي انتظرت سنتين ونصف قبل مباشرته. والمنتظر من الحكومة في هذا المجال هو حملة إعلامية جريئة ووضع تحالفات مع المجتمع المدني والصحافة والقطاع الخاص والمنتخبين والقضاء، من أجل الإخبار والتدخل والفضح وكذا التوعية والتعبئة. على مستوى حقوق الإنسان، فإن تطبيق توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة عرف تقدما بشكل ملحوظ، لكن إصلاح حكامة النظام الأمني ووضع استراتيجية لمواجهة الإفلات من العقاب لم ير النور بعد. ناهيك عن أن وضع المغرب على مستوى مؤشرات حرية الصحافة ما فتئ يتدهور، حيث عرفت حرية الصحافة خلال هذه الفترة الحكومية تجاوزات خطيرة، أمام صمت مريب من طرف الحكومة، مما تسبب في تلطيخ صورة المغرب الحقوقية على المستوى الدولي.