كعادته، يتقن عباس الفاسي، وزيرنا الأول، لغة واحدة.. إنها لغة الخشب. إذا لم تكن لديكم ساعتان من الزمن للاستماع إلى خطاب عباس أمام البرلمان أول أمس، وهو نفس الخطاب الذي سيعاد في مجلس المستشارين، فيمكن أن أقول لكم، في جملة واحدة، ملخصه: العام زين في المغرب.. كل شيء على ما يرام، والحكومة بذلت أكثر من طاقتها في خدمة البلاد والعباد، ومن هنا إلى مائة سنة أخرى سترون بركات الحصيلة الحكومية. كنت واحدا من هذا الرأي العام الذي نفترض –جدلا- أنه يتابع عمل الحكومة، وينتظر حصيلتها في النصف الأول من عمرها، وكنت أنتظر جواب الوزير الأول عن بعض الأسئلة أعرضها هنا متسلسلة ومرقمة. 1- لماذا لم تتحدث عن انتفاضة سيدي إفني التي وقعت سنة 2008 وأنت وزير أول، وقد تشكلت عقب اندلاعها لجنة برلمانية لتقصي الحقائق حول تجاوزات المعالجة الأمنية لهذه الانتفاضة؟ 2- لماذا لم تعط توضيحات لنواب الأمة حول مجزرة الصحافة لسنة 2009، حيث منعت جريدة "أخبار اليوم" بقرار إداري لا يخول لك القانون اتخاذه، وتجاوزت اختصاصات القضاء، ومنعت وزارة الداخلية عددي "تيل كيل" و"نيشان" دون أن يكون هناك مرتكز قانوني لهذا المنع، وتسكت الآن عن اعتقال صحافي اسمه إدريس شحتان اعتذر عما نشر؟ ولماذا تسمح لوزارة الخارجية بجر الصحف إلى القضاء بيد العقيد القذافي... ثم تقول إنك تعتبر الصحافة شريكا في البناء الديمقراطي.. هذا بناء عشوائي وليس ديمقراطيا. 3- لماذا سكتّ عن الظروف التي مرت فيها الانتخابات الجماعية الأخيرة، التي منيت فيها أغلبيتك بهزيمة نكراء، وعاد فيها "الترحال" السياسي إلى مستويات غير مسبوقة؟ وماذا حدث؟ وأنت تقول إن حكومتك تعزز الخيار الديمقراطي.. أي خيار هذا؟ 4- أصبحت للبلاد في عهد حكومتك صورة "سوداء" في الخارج نتيجة سوء تدبير عدد من الملفات، وما عليك، لتتأكد من الأمر، سوى النظر إلى وجه المغرب في مرآة تقارير المنظمات العالمية (أمنيستي، هيومان رايتس ووتش، فريدم هاوس، CPJ، ترانسبارنسي...)، ألا يؤثر كل هذا على صورة البلاد وعلى إقبال المستثمرين على شبابيك المغرب.. هذا الاستثمار الذي نزل بنسبة 50% عما كان عليه في زمن حكومة جطو. 5- خرج وزير العدل السابق، عبد الواحد الراضي، ودخل وزير جديد إلى هذه الوزارة، وكنا ننتظر أن تعلن، أنت الوزير الأول، عن الخطوط العريضة لإصلاح القضاء، غير تلك التي كان الراضي –سامحه الله- يرددها، من مثل: تحسين بنايات المحاكم... مرت سنتان ونصف من عمر الحكومة، ومازال الحديث جاريا عن إصلاح القضاء.. أليست لدى عباس فكرة عما ينوي الناصري عمله في الوزارة؟ 6- تحويلات المهاجرين المغاربة إلى بلادهم تراجعت، ونسبة البطالة في صفوفهم، خاصة في إسبانيا، ارتفعت، فماذا أنت فاعل، السيد الوزير الأول، غير الدعاء لهم. الأسعار ارتفعت، والنقابات غاضبة، والتشغيل مازال محكوما بنسبة النمو وضعف الاستثمار، والأزمة الاقتصادية لدى جيراننا الإسبان ستؤثر على اقتصادنا... فما العمل؟ 7- صندوق المقاصة لم يصلح، إلى حد الآن، ومازال دعم الدولة يصب في الجيوب المتضخمة لا في الجيوب الفقيرة، لماذا؟ 8- ما هو السبب في تفكك الأغلبية الحكومية وهشاشة تركيبتها؟ وما هي قصة صراعك مع حزب الهمة؟ وما حدث أثناء التعديل الحكومي الأخير؟ ومن اقترح من؟ ولماذا خرج من خرج ودخل من دخل وعلى أي أساس؟ إن اختباءك، السيد الوزير، خلف خطب الملك محمد السادس ومبادراته وقراراته -حتى إنك جعلت من هذه الخطب لازمة تكررت عشرات المرات في النص الطويل لتصريحك الحكومي أمام البرلمان- لن يساهم في تلميع "إنجازات" حكومتك.. إن المغاربة يعرفون ما يقوم به الملك، وهم يتابعونه كل مساء في نشرات الأخبار، يريدون معرفة ما تفعله أنت أو ما تنوي أن تفعله إذا أمد الله في عمر حكومتك إلى سنة 2012.