ما من شك في أن مشاعر الثقة بين فرنسا وإفريقيا آخذة في الاهتزاز منذ تولي ساركوزي الرئاسة، وأن الدبلوماسية الفرنسية بصدد فقدان أهم معاقلها السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية، كما تدل على ذلك التقارير الاستخباراتية المرفوعة إلى الإليزي، والتي تؤكد، في معظمها، أن صورة فرنسا فقدت كثيرا من بريقها في القارة الإفريقية بسبب "القطيعة" التي ميزت أداء الدبلوماسية الفرنسية منذ السنتين الأخيرتين. وتتأرجح صورة فرنسا اليوم بين النفور والامتعاض من سياسة ساركوزي الإفريقية، حيث لم تعد فرنسا المرجع الهام ولا الرئيسي في إفريقيا بسبب توجه الرئيس الفرنسي نحو القطيعة مع ماضي وحاضر الجمهورية في السياسة الخارجية. فقد جعل من مهاجمة السياسة الديغولية ورقة أساسية في فترته الرئاسية، مقدما نفسه بمثابة المصلح المجدد غير العابئ بالثقل الإفريقي في ميزان العلاقات الخارجية، إذ لم يتردد في القول، أثناء زيارته لمالي سنة 2006 تحت قبعة وزير الداخلية، بأن فرنسا في غير حاجة اقتصاديا إلى إفريقيا. واليوم وهو يدرك احتياجه إلى المصالحة مع التيار الديغولي الذي يمثله كرئيس للحزب اليميني الحاكم، وعدم قدرته على محو تاريخ طويل وعميق بجرة قلم أو بخطاب عابر يميزه عن غيره من رؤساء الجمهورية الخامسة، لم يجد من بد سوى استبدال خياراته بنقيضها. فبدأ يغازل سياسة شيراك الخارجية وصواب قراره بعدم السير وراء أخطاء الولاياتالمتحدة في حرب العراق التي كان يراها بالأمس إيجابية. وبادر إلى الثناء على من سبقوه ممن ابتكروا الفرانكفونية الإفريقية وأسسوا لمبادئها وأهدافها. غير أن هذه المغازلة لم تفلح في تقليص هوة الشقاق التي أخذت في الاتساع بين فرنسا وإفريقيا منذ توليه الرئاسة، خاصة بعد الخطاب التحقيري الذي ألقاه أثناء زيارته للسنغال سنة 2007 في إطار جولته الإفريقية الأولى. فالرئيس ساركوزي لا يصدق كثيرا أن يكون الأفارقة قد حققوا اليوم من شروط التنمية ما يؤهلهم إلى اقتحام العولمة الاقتصادية بوتيرة سريعة، ولا يخشى كثيرا كون دول كبرى مثل الصين والهند والبرازيل وأيضا الولاياتالمتحدةالأمريكية، أخذت لها موطنا متقدما في القارة قد يعصف بكل الأحلام والتطلعات الفرنسية في المنطقة. فقد أصر في تلك الجولة السياسية على تقزيم إفريقيا وإهانة أهاليها، متماديا في التأسف والحسرة على "خمول أبناء إفريقيا واستكانتهم إلى الماضي". ولم يجد ما يقدمه من ملاحظة لشباب إفريقيا، سوى أن مأساة الإنسان الإفريقي تكمن في كونه "لم ينسجم بعد مع التاريخ ولا رغبة لديه في اقتحام مراتب التقدم أو في البحث عن آفاق أرحب". هذا الكلام ليس ردا انفعاليا على سؤال محرج أو فلتة لسان عابرة يتم تصحيحها على التو، بل هو خطاب من 16 صفحة أعد بعناية واعتبرته الصحافة الفرنسية آنذاك درسا أبويا عقيما في فلسفة الأخلاق الإفريقية، فيما أدانته شرائح واسعة من المجتمع الإفريقي، واعتبرته "شتائم صريحة" في حق الأفارقة. وإلى جانب المؤاخذات السياسية التي تصب في اتجاه "استعلاء" فرنسا في تناولها لبعض الملفات الإفريقية، ومعاملتها الدونية للفرد الإفريقي، وكانت أبرزها المتاجرة بالأطفال في قضية أرش دو زوي، يعاب على فرنسا استهتارها بحقوق المهاجرين، حيث كلما ازداد فتيل الضواحي اشتعالا، تقوى الشعور لدى الشباب الإفريقي بأنه مستهدف.