اختتمت أشغال التظاهرة الثقافية والعلمية التي نظمتها جمعية العهد الجديد للتنمية الاجتماعية وجمعية فونتي للذاكرة والتراث وجمعية سوس العالمة في موضوع: “الحركة العلمية والثقافية بإنزكان”، يومي 15-16 دجنبر 2012 برحاب مجموعة مدارس جساني الخاصة ودار الشباب المختار السوسي بإنزكان، وسط حضور وازن للأساتذة الجامعيين والباحثين والطلبة والمهتمين، ولقي هذا الحدث اهتمام مختلف وسائل الاعلام. افتتحت التظاهرة العلمية بآيات بينات من الذكر الحكيم، وانطلقت الجلسة الافتتاحية بكلمة الباحث محمد فراح رئيس الجلسة وممثل جمعية فونتي للذاكرة والتراث، التي رحب من خلالها بالأستاذة المشاركين وبالحضور الكريم، وتطرق للأهداف المنشودة من هذه التظاهرة والتي سطرتها الجمعيات المنظمة في التعريف بالغنى الثقافي والعلمي لمدينة انزكان، والتحسيس بهذا الموروث الثقافي لدى كل الجهات المسؤولة من سلطات عمومية وهيئات منتخبة ومنظمات وجمعيات المجتمع المدني، لأن في صيانة تراث المدينة الفكري والثقافي صيانة لذاكرتنا الجماعية وهويتنا الحضارية. وبعدها استلم الأستاذ الحسين فرحات الكلمة بإسم الهيئات المنظمة، وسلط فيها الضوء على المراحل التي مر منها مشروع الذاكرة التاريخية والعلمية لمدينة انزكان، كما أشار إلى العراقيل التي واجهت تنظيم هذا اللقاء العلمي، والأسباب والدوافع التي حفزت المنظمين لإماطة اللثام عن التراث العلمي والثقافي لإنزكان والذي عرف تهميشا منذ عقود. وفي ختام كلمته شكر الأستاذ فرحات الحضور على تلبية الدعوة، وتقدم بالشكر للأساتذة المشاركين، وللحاج عمر جساني على توفيره الفضاء المتميز لإقامة الندوة العلمية، كما تقدم بالشكر لمختلف ممثلي وسائل الاعلام. وبعدها تناول المسؤول الاداري لمجموعة مدارس جساني الخاصة بإنزكان الكلمة التي نوه من خلالها بفكرة تنظيم هذا النشاط الثقافي بمدينة انزكان. وبعد كلمات الافتتاح كان للحضور موعد مع حفل شاي على شرفهم. انطلقت أشغال الندوة العلمية بالجلسة الأولى تحت عنوان: رواد العلم والثقافة والتصوف بإنزكان، برئاسة الدكتور محمد الحاتمي، وقدم خلالها الدكتور الحسين أفا مداخلة في موضوع: “من أعلام الفكر والثقافة بإنزكان: محمد العثماني نموذجا”، وتطرق فيها لأديب من أدباء سوس المنحدر من الأسرة العثمانية الكَرسيفية، ويتعلق الأمر بالأديب والشاعر محمد العثماني المزداد سنة 1922 وحفظ القرآن على يد والده، والتحق بمدرسة تنالت ومنها إلى عدد من المدارس العتيقة بسوس فتلقى بها علوم البلاغة والفقه الادب، وبعد الاستقلال عين أستاذا بالتعليم الثانوي بتارودانت وعضوا بالمجلس العلمي بتزنيت، وحصل على وسام العرش سنة 1979، واشتهر الشاعر بعدة قصائد شعرية وكان يلقب بجرير العصر وأديب الجنوب، وتوفي سنة 1979. وفي المداخلة الثانية بعنوان: “قراءة في علاقة مقدم الطريقة التجانية بإنزكان محمد بن الحسن أكشوط بالاقامة العامة الفرنسية من خلال التقارير الاستخباراتية الفرنسية”، تناول الأستاذ ربيع راشيدي علاقة شيوخ الزوايا بالمستعمر الفرنسي من خلال نموذج محمد بن الحسن أكشوط الذي كان يشغل منصب مقدم الزاوية التجانية بإنزكان خلال فترة الحماية، وتؤكد التقترير والمراسلات التي يحتفظ بها الأرشيف الفرنسي على العلاقة الجيدة التي تربط الرجل مع المستعمر، لدرجة كان فيها أكشوط يتودد ويبدي الامتنان والتأييد للدولة الفرنسية ويعتبرها أداة ومخرجا للمغرب من الوضعية المزرية التي يعيشها إلى مظاهر الرقي والإزدهار. وقدم الأستاذ عزيز برضيك المداخلة الثالثة في موضوع: “الاشعاع العلمي بالمزار وإسهام الشيخ القارئ عبد الله الركَراكضي الكَسيمي في إذكائه”، وتناول فيها بدايات النهضة العلمية بسوس في القرون الماضية، وتطرق للحضور الكَسيمي في الحركة العلمية بالجنوب وعطاءات علماء كَسيمة في القراءات القرآنية في شخص الشيخ عبد الله الكَسيمي الذي درس في عدد من المدار العتيقة في سوس ومراكش قبل أن يستقر به المقام بالمدرسة العتيقة بالمزار التي عرفت إشعاع علميا في فترة مشخته. وفي الفترة المسائية إنطلقت الجلسة العلمية الثانية تحت عنوان: “التراث الثقافي والشعبي بانزكان”، برئاسة الأستاذ العميد الحسين افا، وقدمت الأستاذة فاطمة أوعسوا مداخلة بعنوان: “الخزانات الخاصة بانزكان من خلال نماذج”، استعرضت من خلالها ثلاث نماذج من الخزانات الخاصة وهي: خزانة أسرة آل العثماني , و خزانة أسرة المستغفر, و خزانة جمعية شرفاء تراست، فقامت بتعريف أصحابها وتحدتث عن محتويات كل خزانة (مخطوطات, رسائل, عقود, أعراف, فتاوي, أشعار…)، وخلصت إلى أن هذه الأسر متجدرة في البادية السوسية، وبينت نوع العلاقة التي تربطها بالمخزن، ودورها الجهادي والعلمي قبل وأثناء وبعد فترة الاستعمار، وهذا يدعوا الى ضرورة الاهتمام بالخزانات العلمية لما لها من أهمية في البحث التاريخي حول الجنوب المغربي خاصة والمغرب عامة. أما المداخلة الثانية فكانت للباحثة لطيفة لحسيني تحت عنوان: “دار إيليغ بين الإرث التاريخي والانفتاح العلمي”، وقسمت مداخلاتها إلى محورين: الأول عرفت فيه بدار إيليغ من خلال جرد تاريخي للزاوية السملالية ودار يليغ, وعززت الباحثة هذا المحور بصور فوتوغرافية مهمة تمثل محيط إيليغ القبلي ومعالمها العمرانية الداخلية والخارجية إلى جانب صور للخزانة التي يشرف عليها السيد الإمام بودميعة المكونة من طابقين الأول للمعروضات والثاني للمخطوطات التي تصل إلى أكثر من 900 مخطوط أقدمها يعود للقرن 10 ه، وتتكون من سجلات ووثائق عرفية ومراسلات. أما المحور الثاني فقدم تعريفا لخزانة دار إيليغ من خلال فرع انزكان الذي يشرف عليه الأستاذ بخاري بودميعة حيث عرفتنا الباحثة بنبذة عن سيرته المهنية والعلمية من صور تمثل شواهد تاريخية عن فترة حافلة بالعطاء. وفي المداخلة الثالثة تطرق الأستاذ أحماد الطالب لموضوع بعنوان: “مظاهر الثقافة الشعبية بسوس: إنزكان نموذجا”. وتناول الباحث مختلف المفاهيم المرتبطة بالثقافة الشعبية، ثم انتقل الى الحديث عن مظاهر الثقافة الشعبية بانزكان والتي تتجلى في العادات والتقاليد المتجذرة في التاريخ و ذات الأصول الأمازيغية والعربية والإفريقية، مثل: “تمغرا نتوخسين” و”تكَلا ن اديناير”, إلى جانب طقوس الأعياد والمناسبات الدينية مثل : بوجلود في عيد الاضحى, وطقوس اخرى مثل : عيساوة, وكناوة, ورقصة الكدرة الصحراوية وفن الروايس وأحواش. وأنهى الباحث مداخلته بالحديث عن أهمية التمازج الثقافي في انزكان هذا التمازج أفضى إلى تنوع للعادات والتقاليد السوسية عبر التاريخ, كما شدد على ضرورة إحياءها والاهتمام بها من طرف الباحثين في مختلف التخصصات لأن الثقافة الشعبية ذاكرة اجتماعية تاريخية وعنصر مهم لدراسة المعايش اليومي لساكنة انزكان وكل التكتل القبلي لمسكينة وكسيمة. وفتح باب النقاش الذي تفاعل فيه الجمهور المحاضر مع كل المواضيع التي تم عرضها بالأسئلة والملاحظات الهادفة. وعند نهاية هذه الأمسية الثقافية ثم الإعلان عن اختتام هذه الندوة العلمية وتوزيع الشهادات التقديرية على المشاركين في الجلستين العلميتين الأولى والثانية. وفي صبيحة يوم الأحد نظمت بدار الشباب المختار السوسي بإنزكان مائدة مستديرة في موضوع: “العمل الجمعوي بمدينة إنزكان: النشأة والتطور”، من تسيير: الأستاذ الحسين فرحت، بمشاركة: الأستاذ حسن الصوابني، والأستاذ محمد أوبيهي، والأستاذ عازم الهاشمي، والأستاذ محمد التيراني، والأستاذ سعيد إدوش، وممثل مندوبية الشبيبة والرياضة بإنزكان، وقد اختتمت هذه المائدة العلمية بتكريم الأستاذ والمناضل حسن الصوابني أول رئيس مجلس دار الشباب بإنزكان. ونظرا لظروف خارجة عن إرادة الجمعيات المنظمة تتمثل في قرار مفاجئ من رئيس المجلس البلدي بإلغاء ترخيص إستغلال المسرح البلدي لإنزكان مساء يوم الأحد لأن المسرح سيعرف تواجدا مؤقتا للقوات الامنية المرافقة للموكب الملكي الذي يزور مدينة أكادير، اضطرت الجمعيات لتأجيل الأمسية الشعرية الغنائية إلى موعد لاحق.