بعد أن توارت إلى الخلف كل" وعود الإصلاح" يرتكن" أشباه" الحاكمين إلى منطق جديد في تدبير الشأن العام هو المزاوجة بين "الحكم" و" المعارضة" فكل قرار يعتبرونه "جيدا" وفق منطقهم الغريب فهو من انجازات حكومة "الإصلاح" التي يتزعمونها وكل قرار"غير صائب" فهو من أعمال" التماسيح" "والعفاريت" و"الدولة العميقة" التي استوردوا مفهومها من إخوانهم في "ارض الكنانة". لنذكر هؤلاء السادة الكرام أنهم هم من طبلوا وزمروا "للفتوحات البديعة" لدستور المنوني قبل 3 سنوات ووصفوا كل منتقديه بالعدمية وأعداء الاستقرار بل ووضعوا في لحظة الاستفتاء على الدستور كل انتقاداتهم وتحفظاتهم على اللوائح الانتخابية وعلى الجهة المكلفة بالإشراف على عمليات الاقتراع جانبا لان الغاية تبرر الوسيلة. بعد سنتين ونصف من تواجدهم في دواليب الحكومة لم يستطيع "رئيسهم" التحول من كونه مسؤول -وفق الدستور الذي دافع عنه بكل ما له من "قوة اللسان"- عن تدبير قضايا المغرب وإيجاد حلول لأزماته ولم يعد مجرد أمين عام حزب "معارض" من حقه أن يقول ما يشاء لمن يشاء وقتما شاء. وهذا التحول الذي لم يحدث لدى رئيس الحكومة وحزبه يتجلى في ضيق صدره وصدر أتباعه ومريديه من الكتائب المرابطين في تخوم الإعلام الالكتروني عن النقد الموجه لأداء حكومته وأدائه هو شخصيا كرئيس لهذه الحكومة واتسام تعامله مع مختلف الأشخاص والقضايا بنبرة زائدة من الانفعال الممزوج بالسخرية والغمز واللمز فبمجرد الاحتجاج أو الاعتراض أو الانتقاد تتحول إلى شخص" مدفوع "ومأجور" وكان عمل الحكومة ووزرائها قد دخل "منطقة الخطوط الحمراء" التي لا يجب الاقتراب منها أو كان رئيس الحكومة معصوم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. إن هذا التوجه يعكس مظهرا من مظاهر الاستبداد الذي تحاول الحكومة ورئيسها إخفائه بشكل "ديمقراطي" ويمكن هنا الإشارة إلى بعض مظاهر هذه النفحة الاستبدادية الرافضة لأي اختلاف: – انتقاد الصحافيين ووسائل الإعلام – رغم كل الملاحظات المسجلة حول مهنيتها- ومحاولة توجيهها في اتجاه ما يرضي رئيس الحكومة وأصحابه وهو ما يتنافى وابسط قواعد الديمقراطية التي تقتضي أن لا تتدخل السلطات التنفيذية في أداء السلطة الرابعة التي يجب أن تكون حرة ومستقلة عن أية سلطة. – التصرف غير اللائق للوزير المكلف بالعلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني مع إحدى الصحفيات وسط البرلمان وتدخله غير المقبول في خصوصياتها( اللباس الذي يعد شانا فرديا) و لا يحق لأي وزير أو غيره أن يحدد للناس مذهبهم في اللباس. – ما معني أن يدعو ممثل السلطة التنفيذية ومن على منصة البرلمان إلى حل حزب مؤسس وفق قواعد القانون- رغم أني اختلف جذريا مع توجهات الحزب المعني- أليس هذا دليلا على نزوع نحو تجاوز دولة القانون التي يتغنى بها الرئيس صباح مساء أم أن هناك قانونا ينطبق على حزبه وقوانين تنطبق على غيره. – حين اختار احد رجال الأعمال المعروفين التصويت لحزب رئيس الحكومة في انتخابات 25 نونبر2011 رفعه المريدون إلى مرتبة القديسين بل- وحسب بعض المعطيات- تمت دعوته للاستوزار من طرف رئيس الحكومة وبمجرد أن أعلن المعني في إحدى الندوات صدمته من عجز الرئيس وحكومته عن تنفيذ وعودهم الإصلاحية وانتقاده لفشلهم حتى اتهمه رئيس الحكومة بأنه صوت لحزبه دفاعا عن مصالحه وخوفا على شركاته فلماذا لم يدلي الرئيس بتصريحه هذا بعد تصويت المعني مباشرة. – اعتبار رئيس الحكومة أن أهم انجازات حكومته هو الاقتطاع من أجور المضربين دفاعا عن حقوقهم وهو افتخار من السلطة التنفيذية بالتضييق عل حرية العمل النقابي والمنع من ممارسة حق دستوري في غياب سند قانوني إذ أن الحكومات المتعاقبة مازالت عاجزة عن إصدار قانون النقابات والقانون التنظيمي للإضراب المنصوص عليه دستوريا. وهو ما يجعلنا أمام تناقض صارخ إذ بدل أن يفتخر رئيس الحكومة بقدرته على التفاوض الجاد حول الملفات المطلبية لمختلف فئات المحتجين وقدرته على إبداع حلول لمشاكلهم وتحسين أوضاعهم المهنية تجعلهم يتوقفون عن إضراباتهم لم يجد سيادته حلا غير الاقتطاع لثنيهم عن مواصلة الاحتجاج ونضيف تزايد حالات خرق حقوق الإنسان والتضييق على الحريات الفردية والعامة والاستعداد الدائم لإيجاد تبريرات واهية لها. كل هذا وأشياء أخرى تجعلنا نقول أن الممارسة السياسية لرئيس حكومة جاء على ظهر مطالب واضحة بمحاربة الفساد والاستبداد لم تستطيع للأسف إلا أن تضيف لنسق سياسي عتيق توابل من خط إيديولوجي مازال بعيدا عن تمثل الديمقراطية كثقافة وممارسة وهو ما يجعل الانتقال الديمقراطي ممنوعا من الصرف في وطن تعب من المكوث في قاعة انتظار الديمقراطية.