بداية أود أن القول، بكثير من القناعة، إنني أتحفظ على مصطلح «الامتحان» وأقترح بدلا منه الوضعيات الاختبارية أو التقييمية الإجمالية أو الإشهادية للكفايات المكتسبة، لأن «الامتحان» ببساطة يحيل على المحنة والشقاء مما يكرس ثقافة التوجس والقلق والتفكير في الغش لدى المتعلم(ة). يتنامى، خلال هذه المرحلة الحرجة من السنة الدراسية في أوساط المتعلمات والمتعلمين وذويهم على قدم المساواة، الحديث عن التحضير الفعال والإيجابي لاجتياز الاختبارات المدرسية في أحسن الظروف، ومنه أتوجه إليهن وإليهم، كباحث تربوي، بالتوجيهات التالية؛ أولا: الاستعانة بالله والتوكل عليه؛ كغذاء روحي/نفسي يرنو منح الطاقة الداخلية/المعنوية الشخصية لهم ولهن على حد سواء، وهذا الأمر قد يبدو في الوهلة الأولى بديهيا، لكن في الحقيقة، يترك وقعا خاصا على نفسية الفرد/المتعلم (ة) أثناء الاستعدادات وكذا خلال مواجهة الوضعيات التقييمة الاختبارية، وهذا شيء ذو أهمية بالغة وجب على المتعلم (ة) وأسرته على حد سواء الحرص عليه مما سيؤدي به إلى التفاؤل بالنجاح واكتساب الثقة في النفس والانفلات من قبضة الوساوس والتفكير السلبي في نتائج ما بعد الاختبارات. وتتمظهر هذه الإحساسات الذاتية لدى المتعلم/المراهق (ة) على وجه الخصوص؛ إذ تنتابه تقلبات مزاجية، وفق الدراسات السيكولوجية، والتي تحدث عنها د.د.أحمد عزت راجح في كتابه أصول علم النفس، فيترجح سريعا بين التحمس والفتور، بين الإقدام والإحجام وما إلى ذلك. وهذه السلوكيات الفجائية تستلزم من الأسرة أخذ مسافة قانونية بينها وبين المتعلم/المراهق (ة) من أجل احتواء هذه «الأزمة النمائية» على حد تعبير ذ اسماعيل صريح، التي تتخلل فترة التأهب لخوض غمار اختبار مكتسباته المدرسية. ثانيا: اختيار الزمكانية المناسبة للمراجعة؛ غني عن البيان أن « المكان» يؤثر على تركيز الفرد/المتعلم (ة) أثناء المراجعة، وذلك حسب اختياراته الشخصية وخصوصياته الذاتية؛ هناك من يفضل الأماكن « المفتوحة» كما نجد العكس.. لكن، وانسجاما مع أغلب النتائج التي تمخضت عن بعض الدراسات السيكولوجية تحديدا، تعزز الأماكن الخالية من المؤثرات البصرية كالصويرات والألوان والأشياء المتحركة، والأماكن التي تتميز بالمساحة الواسعة، ويستحسن أن تكون أماكن مألوفة كالغرفة الخاصة للفرد/المتعلم (ة) أو أماكن بعيدة عن الضوضاء والمؤثرات السمعية لأنها تشتت الانتباه والوجهة الذهنية على لسان كل من وليم ودايفز Willam & Davids. ما قيل عن « المكان» يمكننا إسقاط إحداثياته على محور «الزمان» وإيقاعه بالنسبة للفرد/المتعلم (ة) خلال الاستعداد للاختبارات التقييمية؛ حيث يتأثر التركيز ويتفاعل مع تغير الزمن، الليل والنهار، الصباح الباكر وعند الزوال .. وما إلى ذلك، وبالتالي؛ وجب اختيار أفضل الأوقات التي تصل فيها استجابة الذهن البشري للمثيرات الخارجية إلى ذروتها، وغالبا ما ينصح النفسانيون بالصباح الباكر لما له من تأثير إيجابي على القدرة الإدراكية والاستيعابية للفرد، بشرط أن يكون قد استفاد بيولوجيا من «حصة النوم» المعقولة. لكن هذا لا يعني أن الأوقات الأخرى مرفوضة، بل في كثير من الأحيان يجد الفرد/المتعلم (ة) راحة نفسية خلال أوقات متفرقة من الليل، نظرا للهدوء الذي يساعده على التركيز أكثر، شريطة عدم الإفراط في السهر لأنه عائق سيكوعضوي خطير على صحة الفرد. وقد كشفت «نظرية التداخل والتعطيل» على سبيل المثال والتي عالجت سيكولوجيا النسيان، عن تأثير «الليل» كزمن للتذكر عند الطفل؛ حيث لوحظ أن الأطفال عموما يتذكرون في سهولة ووضوح ما يُروى لهم من قصص قبيل النوم، في حين لا يتذكرون تفاصيل ما يتلى عليهم من قصص أثناء النهار. وقد فسر السيكولوجيون الأمريكيون ذلك بأن النسيان أثناء النوم أبطأ منه أثناء اليقظة، كما أن أوجه النشاط المتعاقبة التي يقوم بها الفرد أو التي تعرض له أثناء النهار يتداخل بعضها في بعض كما تتداخل ألوان الطيف؛ فينجم عن هذا التداخل أن يطمس بعضها بعضا. هذا دون إغفال تأثير الراحة أو الاسترخاء بين الفينة والأخرى على سيرورة المراجعة بشكل عام؛ حيث من واجب الطفل/المتعلم (ة) بمعية ولي أمره (الأسرة) أن يستفيد من حصص للراحة على أساس أن تكون مقننة ومفيدة وغير مفرطة. كما يستحسن بالنسبة للمراهق/المتعلم(ة) أن يبتعد عن الانترنيت وعوالم «الشات» والمواقع الاجتماعية، وترك سماعات الهاتف «الكيت» النقال جانبا وذلك خلال فترة التهيؤ للاختبارات، وبدلا من ذلك ينصح بأخذ قسط من الراحة واستغلاله في ممارسة الرياضة مثلا أو المشي أو القيام بأعمال منزلية مألوفة تساعد على تجديد النشاط الفيزيقي والنفسي، فضلا عن ضرورة الحفاظ على التغذية السليمة من حيث الكيف والكم، والابتعاد قدر المستطاع عن المنبهات (كعادة ارتشاف القهوة أثناء المراجعة). ثالثا: كفايات التنظيم والتخطيط؛ يجب على المتعلم(ة) أن ينظم ذاتيا عملية مراجعته للدروس، وإن كانت هذه الكفاية تُكتسب في المدرسة على إثر وضعيات بيداغوجية خلال السيرورة التعليمية التعلمية، إلا أن الأسرة مطالبة بالتدخل في حالة عدم تمكن المتعلم(ة) في تنظيم عمله بشكل ذاتي، أما بالنسبة للمراهق/المتعلم (ة) فصار من اللازم أخذه للمبادرة وتنظيم عملية المراجعة وذلك بترتيب المكونات التربوية حسب أهميتها، ووضع جدول زمني محدد (تعاقد بين ذاتي )، والأهم هو احترامه طوال مدة الاستعدادات للاختبار التقييمي. كما أنصح الفرد/المتعلم(ة) خلال المراجعة، من وجهة نظري الخاصة، أن يتعمد على الخطاطة أثناء ترجمة النصوص المقروءة المثبتة في الكتب المدرسية؛ حيث أثبتت بعض دراسات علم النفس المعرفي (دراسة بنامو M. Benamou مثلا ) أن للخطاطة/الرسم دورا بيداغوجيا كبيرا في عمل الذاكرة إذ تسهل عملية التعرف على الأفكار الهامة في النص واستخراجها (تحليلها) فضلا عن تيسيرها لعملية الحفظ وتحصيل المعارف واختزان المعلومات والاحتفاظ بها في الذاكرة. صفوة القول، تبقى العزيمة والإرادة عاملين أساسيين لتخطي «عقبة» الحصار العاطفي حيال الاختبارات، وبالتالي وجب أخذ هذا الأمر محمل الجد وعدم التهاون أو التقليل من القدرات الشخصية والسقوط في أحكام قيمة سلبية تؤدي بالفرد/المتعلم(ة) إلى نقد ذاتي مثبط ومحطم للنفسية، وبالتالي التفكير في ثقافة الغش أو ما ينعته العامة ب «الحروزة» لأنها ثقافة تكشف عن ضعف في الشخصية وتدق ناقوس الخطر بالنسبة لواضعي اختبارات المكتسبات المدرسية. وهي دعوة صريحة من أجل «التغيير» والتفكير في صياغة وضعيات اختبارية تقويمية تضع خطا فاصلا بين المعرفة الجاهزة وكفاية حسن توظيفها. باحث تربوي بإمينتانوت